الواقع أن اسم ستيفان دي ميستورا لا يمثل بشرة خير بالنسبة إلى القضايا العربية التي كان طرفا فيها. وبعيدا عن أي تشاؤم فإن كل المآزق التي مر بها، غادرها دون نتائج. من العراق إلى سوريا خرج وحال البلدين معقدا، ولم تقم الأمم المتحدة فيهما إلا بمعالجة بعض الأوضاع الإنسانية أو بما ترضاه الإرادة الأمريكية في المستوى السياسي، أو في أحسن الحالات الطرف المراقب والموصّف للوضع بلا أي دور أو نفوذ يمكن أن يترك أثره.
الدبلوماسي السويدي الإيطالي يعود إلى الواجهة هذه الأيام من خلال دور جديد وهو رئاسة البعثة الأممية في قضية الصحراء الغربية، على أمل فتح ثغرة في ملف مازال أفق الحل فيه بعيدا بالنظر إلى التباينات الكثيرة حوله وتداخل الأدوار الإقليمية فيه.
بداية شهر نوفمبر من العام الماضي بدأ عمل الدبلوماسي المخضرم ستافان دي ميستورا مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة، في قضية الصحراء الغربية تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 2602، المعتمد بتاريخ 29 أكتوبر 2021، بعد أن وافقت أطراف الخلاف الأساسية على تكليفه من بين عدد كبير من المقترحين. ويخلف المبعوث الجديد الألماني هورست كولر الذي استقال من منصبه في مايو 2019 بعد أن قاد عدة مشاورات لم تفضِ إلى أي نتائج إيجابية وبقيت الخلافات تراوح مكانها، وكل طرف يكيل الاتهامات للآخر وسط اتهامات مستمرة لدور إقليمي في تعميق الخلاف وهنا الحديث ليس خاف على أحد ويخص الجزائر التي تتهمها الرباط بدعم جبهة البوليساريو، بالإضافة إلى إسبانيا التي تقتنص الفرصة لتشبيك الأزمة المذكورة مع مشكلة المهاجرين المغاربة وجعلها ورقة ضغط على الرباط ما تسبب في أزمة دبلوماسية كبيرة في السنة الماضية خاصة عندما استقبلت مدير زعيم البوليساريو ابراهيم غالي "للعلاج".
التكليف الجديد لدي ميستورا، رغم أنه يحظى بقبول من كل الأطراف، لكنه يأتي في مرحلة صعبة تشهد تصعيدا كبيرا وتعنتا من كل الأطراف في تصوراتها للحل وفي فترة تقوم فيها بعض القوى الكبرى بالضغط للمضي في حل دائم ينهي حالة "اللااستقرار"، خاصة الولايات المتحدة التي تبدو محددة في اختيار المبعوث الجديد، حيث دعا، نائب ممثلتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز الطرفين في تصريحات سابقة إلى "إظهار التزامهما بالسلام من خلال الانخراط في العملية السياسية، دون شروط مسبقة وبحسن نية، ومن خلال اتخاذ خطوات لتهدئة التوترات ووقف الأعمال العدائية"، رغم أن واشنطن في الحقيقة تلعب على حبال كثيرة كعادتها في التعامل مع الأزمات، لأن الصورة الظاهرية تبدو أقرب إلى رؤية ورغبة الرباط من خلال اعتبار المقترحات المغربية جادة وذات مصداقية وواقعية، ومحتملة لتلبية خيارات السلام والتهدئة، لكن المعاملة السياسية فيها لعب على الكلام الدبلوماسي الذي لا يمكن أن تُمسِك له طرفا.
وفي إطار التواصل مع كل الأطراف المعنية بالملف، بدأ دي ميستورا زيارات إلى نواكشوط والرباط ومخيمات تندوف، فيما يشبه عملية تعريف بالنفس كما جاء على لسان  المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي ذكر أيضا أن الزيارات تهدف إلى "سماع وجهات نظر جميع الأطراف المعنية حول سُبل المضيّ قدماً نحو استئناف بنّاء للعملية السياسية بشأن الصحراء الغربية". وستشمل أيضا الجزائر باعتبارها بلدا مفتاحا لا يمكن تجاوزه في كل الحالات رغم أن بعض المراقبين يعتبرون أن هناك مؤاخذات جزائرية على القرار 2602 معتبرة أنه مواصلة لخيار قديم لم تكن له جدوى في السابق وقد لا تكون له في المستقبل.
وينص القرار الأممي عدد 2602، على تسوية سياسية شاملة لقضية الصحراء الغربية، بالاستناد على ما تم التقدّم فيه سابقا، وعلى رأسه مبادرة الحكم الذاتي التي تقدّمت بها الرباط في 2007، والتي اعتبرت وقتها خطوة كبيرة نحو الحل الدائم، لكن الظروف اتجهت في مسارات أخرى أعادت الأزمة إلى نقطتها الأولى، وأعاد فيها المغرب الذي يسيطر على 80 بالمئة من تلك المنطقة، حساباته كنوع من استعادة الثقة وكسب نقاط قوة جديدة ترتكز على دعم دول ذات نفوذ عربي ودولي هام، وحتى المشاريع التنموية التي بدأها في السنوات الأخيرة تذهب في ذلك الإطار.
وعلى عكس الموقف الجزائري تبدو الرباط مرحبة به، من خلال تصريحات  وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة، الذي اعتبر أن القرار رقم 2602 الصادر عن مجلس الأمن، والذي مدد بموجبه ولاية المينورسو (البعثة الأممية للصحراء الغربية) لمدة سنة، كرس المكتسبات التي حققها المغرب، بالنظر إلى سياقه أولا، وإلى مضمونه ثانيا، وثالثا بالنظر إلى المواقف التي عبرت عنها الدول الـ13 خلال الموافقة عليه ".
يبدأ المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إذن مهمته الجديدة مدركا بالتأكيد لحجم الصعوبات التي تنتظره وتجعل عمله في غاية التعقيد. فالخلافات المغربية الجزائرية على درجة كبيرة من التوتر وانتهت في أغسطس من العام الماضي، بقطع العلاقات الدبلوماسية في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، وجبهة البوليساريو، التي تريد استفتاء لتقرير المصير، تُتهم بخرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع منذ ثلاثة عقود (1991) بعد إعلان الرباط في نوفمبر الماضي سيطرتها على معبر "الكركرات" الحدودي مع موريتانيا، الأمر الذي قد ينتهي بدي ميستورا مثل نهاية مهامه في كل المحطات التي وقف فيها.