في ظل مشهد سياسي معقد في البلاد مع تواصل الانقسامات بين الفرقاء الليبيين،ومع تصاعد حدة التدخلات الخارحية بشكل كبير،ما ينذر بأن تشهد الأراضي الليبية حربًا أهلية أوأن تكون مرتعًا للجماعات الجهادية والتكفيرية المتشددة ،تتواصل مساعي دول الجوار لحل الأزمة في البلاد التي تتهدد هذه الدول أيضا خاصة لآثارها الأمنية والاقتصادية المُكلفة عليهم.
إلى ذلك،احتضنت الجزائر العاصمة أمس الخميس مؤتمر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا في إطار الجهود الحثيثة لتدعيم التنسيق والتشاور بينها والفاعلين الدوليين من أجل مرافقة الليبيين للدفع بمسار التسوية السياسية للأزمة.وشارك في الاجتماع أيضا هايكو ماس وزير خارجية ألمانيا التي استضافت قمة لبحث الأزمة الليبية في وقت سابق.

وأعلنت حكومة الوفاق الليبية،الأربعاء، رفضها المشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا وذلك بحجة دعوة وزير الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة.وقالت الوزارة في بيان لها أن وزير الخارجية بحكومة الوفاق محمد الطاهر سيالة رفض المشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي.
وأوضح البيان أنه "خلال اتصال هاتفي مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم، أرجع الوزير سبب الرفض إلى حضور ما يسمى بوزير خارجية الحكومة المؤقتة، الأمر الذي يعد مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن، ولقرار كافة المنظمات الدولية التي تحظر التعامل مع الأجسام الموازية في ليبيا".
‎وفي المقابل،فنّدت الجزائر مزاعم حكومة الوفاق حول مقاطعتها حضور اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي.وقال عبدالعزيز بن علي الشريف الناطق الرسمي باسم الخارجية الجزائرية، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، إن بلاده لم توجه الدعوة لأي طرف في الأزمة الليبية، موضحا أن الاجتماع اقتصر على دول جوار ليبيا فقط.
تصريحات أكدها وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، الخميس،في مؤتمر صحفي عقده في ختام اجتماع وزراء خارجية دول الجوار،حيث قال بوقادوم "لم نرسل أي دعوة لأي طرف ليبي للمشاركة بالاجتماع، ولو كانت لدينا نية لذلك لاستشرت زملائي وزراء الخارجية المشاركين في هذا اللقاء قبل ذلك".


اجتماع الجزائر الذي دام يوما واحدا،تمخض عن توافق جيران ليبيا على رفض التدخّل الخارجي في الأزمة، مشدّدين على ضرورة الحوار بين الليبيين، مع التأكيد على حظر تدفّق الأسلحة، وإشراك الاتحاد الإفريقي في جهود الحل، في وقت كشفت الجزائر عن مساعٍ لجمع فرقاء الأزمة قريباً لعقد لقاءات برعاية مشتركة بين الأمم المتحدة ودول الجوار الليبي.
وأكد وزراء الخارجية المشاركون في مؤتمر دول الجوار الليبي في الجزائر رفض أي تدخل خارجي في الأزمة الليبية، في إشارة للتدخلات التركية وإرسال أنقرة مرتزقة، مشدّدين على ضرورة حل الأزمة من خلال الحوار بين الليبيين.ولفت وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، خلال الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية مصر وتونس والسودان وتشاد ومالي والنيجر، على أنّ قرارات مؤتمر برلين بشأن ليبيا ملزمة، لاسيّما ما يتعلق بحظر توريد الأسلحة.
وكشف بوقادوم عن أن البيان الختامي للاجتماع خلص إلى التأكيد على أنه لا حل للأزمة الليبية إلا بشكل سياسي وأن يكون بين الليبيين وحدهم، ودعم وحدة الأراضي الليبية واحترام سيادتها كدولة واحدة موحدة، وإشراك دول الجوار في الجهود الدولية لحل الأزمة، فضلاً عن إشراك الاتحاد الأفريقي باعتبار ليبيا عضواً فيه، ورفض التدخلات الخارجية، ورفض تدفق الأسلحة إلى ليبيا.
بدوره، جدّد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، استنكار بلاده لقرار تركيا إرسال مسلحين إلى ليبيا، مشيراً إلى أن اتفاق تركيا مع رئيس حكومة طرابلس فايز السراج، مخالف للتشريعات الدولية.فيما قال كاتب الدولة التونسي المكلف بتسيير وزارة الشؤون الخارجية، إن استمرار الأزمة وتوسع نشاط الجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية كلف دول الجوار أعباء ثقيلة. وأبان أن دول الجوار ملزمة بإبلاغ صوتها بكل قوة، منوهاً إلى أنّ بلاده ترحب بمخرجات مؤتمري موسكو وبرلين، وتؤكد محورية دول الجوار.
وبدوره، أبدى وكيل وزارة الشؤون الخارجية السوداني، الصديق عبد العزيز عبد الله:"إرادة بلاده المساهمة في الجهود الإيجابية لدول جوار ليبيا، وجهود الأشقاء في ليبيا للوصول لحل سلمي، يعزز الأمن والسلم في ليبيا وفي المنطقة". مذكرا أن بلاده سبق أن احتضنت اجتماعا لدول الجوار الليبي، بحضور المبعوث الأممي وممثلي الأطراف المعنية بالأزمة. وقال بهذا الخصوص إن السودان "كان ولا يزال يقوم بجهد كبير من أجل السلام بجنوب السودان، وأفريقيا الوسطى... ونأمل أن يتوج حوارنا بتعزيز التسوية السلمية للأزمة، وتحويل الجهود الدولية إلى واقع ملموس".
ويأتي اجتماع دول الجوار بعد أقل من أسبوع من قمة برلين التي أكدت بدورها دعم وقف إطلاق النار في ليبيا ورفض التدخلات الخارجية التي تزايدت وتيرتها في ظل انخراط تركيا العلني في الصراع الليبي ومساعيها الرامية إلى تأزيم الأوضاع في البلاد وهو ما لا تخدم أمن واستقرار ليبيا والمنطقة، ولن يحظى بأي تأييد دولي وإقليمي.
ومن لقاء موسكو مرورا بمؤتمر برلين وصولا الى اجتماع دول الجوار الليبي،اتفق الجميع على رفض التدخلات الخارجية وضرورة الالتزام بحظر تدفق السلاح إلى ليبيا بموجب القرار الأممي لفتح المجال أمام الحوار السياسي.وتمثل هذه المخرجات صفعة قوية للنظام التركي الذي كان يسعى للحصول على تأييد من بعض الدول لتبرير عدوانه على ليبيا ومحاولاته المستمرة لمد نفوذه في البلاد بما يسمح له لتمرير أجنداته المشبوهة في المنطقة.


ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،في أعقاب اطلاق الأول لعملية عسكرية بهدف تحرير المدينة من سطوة المليشيات المسلحة،ألقت تركيا بكل ثقلها في الصراع الليبي حيث تسارعت وتيرة شحنات الأسلحة القادمة من تركيا الى ليبيا دعما للمليشيات والتي تحولت من السر الى العلن.
وعقب توقيع مذكرتي التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق تصاعدت التقارير الاعلامية التي تتحدث عن عمليات نقل لمقاتلين موالين لأنقرة من سوريا الى ليبيا لدعم حكومة السراج في مواجهة الجيش الوطني الليبي.وهو ما أكده مؤخرا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج،الذي برر ذلك قائلا "نحن لا نتردد في التعامل مع أي طرف في مساعدتنا لدحر هذا الاعتداء بأي طريقة كانت"،في اجابة عن سؤال حول الاستعانة بمرتزقة سوريين للقتال في صفوف قواته، خلال مقابلة أجراها مع تلفزيون "بي بي سي" البريطاني.
وبالرغم من توصل الأطراف الدولية التي شاركت في مؤتمر برلين بشأن ليبيا، من بينهم تركيا، إلى اتفاق على احترام حظر إرسال الأسلحة إلى هناك وعدم التدخل في الشؤون الداخلية،مازال الرئيس التركي مصرا على خرق الالتزامات الدولية عبر إرساله المزيد من المرتزقة إلى الأراضي الليبية،وهو ما يشكل خطرا كبيرا على ليبيا ودول المنطقة ككل.
وتسعى بلدان الجوار الليبي إلى إعادة تنشيط دورها في ليبيا خاصة وأنها تعاني كثيرا من تداعيات الازمة في هذا البلد منذ سنوات.وهو ما يمكن أن يتجدد في ظل تصاعد المخاوف من امكانية تحول الأراضي الليبية الى ملجأ جديد للعناصر الارهابية خاصة مع استمرار تدفق المرتزقة الذين ترسلهم تركيا من سوريا نحو ليبيا لدعم حكومة الوفاق المتحالفة معها.


وتخشى دول الجوار من تاثيرات الأوضاع في ليبيا على أمنها،فتونس شهدت عددا من الأحداث الدامية  بسبب الإرهاب، وأودت بحياة الكثير من الأبرياء.فمنذ العام 2011، أصبحت أخبار الإرهاب أمرا شائعا في أوساط التونسيين،حيث ترسخ الإرهاب في البلاد وأصبحت أخباره مادة يومية في الساحة الإعلامية مع تعدّد العمليات التي ضربت البلاد وتسارعت وتيرتها على مدى السنوات الماضية.
أما الجزائر،فتعتبر إحدى أكثر الدول التي تتهددها المخاطر التى تشكلها الجماعات الإرهابية خاصة  التي تنشط في الأراضي الليبية.وتثير حالة الفوضى وتمركز العناصر الارهابية في ليبيا،مخاوف السلطات الجزائرية التى باتت تعتبر حماية الحدود أولوية قصوى لتحصين نفسها ضد المخاطر الإرهابية.
من جهتها،عانت مصر من الإرهاب القادم من ليبيا بشكل كبير حيث تعرضت لعدة عمليات إستهدفت الأراضي المصرية.ولم يتوقف المسؤولون المصريون،عن التحذير من خطورة انتشار الإرهاب في ليبيا على مصر، وبالتالي على المنطقة بأسرها، في ظل ما تتلقاه هذه الجماعات من دعم من دول تسعى للاستثمار في الفوضى ومد نفوذها في المنطقة.


ويرى مراقبون،أنه من الطبيعى جدا أن يكون لدول الجوار دور فعال ومؤثر فى الأزمة الليبية باعتبار أنها تتشارك مع ليبيا فى الحدود والمصالح، وبالتالي فى المسألة الأمنية والاقتصادية.ويشير هؤلاء لى أن دول الجوار تسعى للمساعدة فى استقرار ليبيا.ولطالما شددت تصريحات السياسيين الليبين على أهمية الدور خاصة في ملف مكافحة الإرهاب وحماية وتأمين الحدود المشتركة.
وفي هذا السياق،قالت النائبة السابقة هالة عمران، إنه لا يمكن استثناء دول الجوار من المشهد، إلا أنه يجب أن يكون دورها في إطار حل الأزمة لا تعقيدها.وأضافت في حديثها لوكالة "سبوتنيك" الروسية،أن المشهد في ليبيا يحتاج إلى تقريب وجهات النظر ولعب دور الوساطة من قبل دول الجوار، لا الاصطفاف مع طرف ضد الآخر.
وشددت عمران على الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه دول الجوار مع أي مسار دولي نظرا لعلاقتها القوية مع الأطراف الليبية، وتأثيرها الجغرافي والسياسي.وأكدت على أن عملية السلام في ليبيا تحتاج إلى تقريب وجهات ولعب دور الوساطة بشكل جاد وفعال، دون الاصطفاف، وأن وجود دول الجوار في مسار السلام سيساهم بشكل كبير في بسط الاستقرار.