شهدت العاصمة الليبية طرابلس، منذ أواخر أغسطس/آب الماضي، اشتباكات هي الأعنف منذ نحو 7 سنوات بين عدد من المليشيات المسلحة التي تسيطر على المدينة، وأسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح،وتسببت في موجة نزوح لعدد كبير من السكان خوفا على حياهم، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة التي أحدثتها.

وكانت أطراف القتال وقعت في الرابع والتاسع من أيلول/ سبتبمر الجاري اتفاقا على وقف إطلاق النار، وآليات تثبيت عدم انتهاك الهدنة وحماية المدنيين ومؤسسات الدولة، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.لكن العديد من المراقبين وصفوا الهدنة بالهشة مؤكدين على إمكانية تجدد القتال في ظل إستمرار إنتشار الميليشيات المسلحة. 


** تجدد الاشتباكات

وتجدّدت الاشتباكات بين الميليشيات الليبية المسلحة، مع الساعات الأولى من فجر الثلاثاء 18 سبتمبر 2018، بالعاصمة طرابلس، وذلك في خرق جديد، لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في وقت سابق،ونقلت وسائل إعلامية عن شهود عيان إن أصوات قذائف واشتباكات متقطّعة اندلعت في جنوب العاصمة الليبية.

وبدوره أكد وزير الداخلية المفوض عبد السلام عاشور،استمرار الاشتباكات في محيط طريق المطار ومشروع الهضبة وجزيرة الفحم منذ صباح الثلاثاء.وأوضح عاشور في تصريح لقناة ليبيا، عن إصابة الشبكة العامة للكهرباء بأضرار جسيمة نتيجة الاشتباكات الدائرة، حيث أسفرت هذه الاشتباكات عن حدوث انقطاع تام بالتيار الكهربائي، من طرابلس إلى رأس جدير والجبل الغربي والمنطقة الجنوبية.

وأعلنت شركة الكهرباء الليبية في طرابلس، عن إظلام تام في غرب ليبيا وجنوب البلاد، نتيجة إصابة دوائر الكهرباء في منطقة الهضبة جنوب العاصمة.

من جانبه وصف آمر القوة المشتركة لفض النزاع بطرابلس أسامة الجويلي، تجدد الاشتباكات في جنوب طرابلس، بالخرق الخطير لوقف إطلاق النار.وطالب الجويلي في تصريحات صحفية، أطراف الصراع بمراجعة حساباتهم، مشيرا إلى أن "القوة الجديدة المكلفة من الرئاسي لم تبدأ عملها بعد".

واتهمت مليشا لواء الصمود الذي يقوده المدعو صلاح بادي اليوم الثلاثاء قوة الردع المشتركة أبو سليم التابعة لداخلية الوفاق، والتى يقودها عبد الغني الككلي بخرق الهدنة والهجوم على تمركزاته. وبين لواء الصمود – بحسب صفحتهم الرسمية على الفيسبوك – أن قواته تقدمت في منطقة طريق المطار وسيطرت على طريق المطبات بمشروع الهضبة.

وفي المقابل،قال الناطق باسم الأمن المركزي أبو سليم إن ما يُسمى بـ"لواء الصمود" بإمرة صلاح بادي شن هجومًا صباح الثلاثاء، بالأسلحة الثقيلة على منطقة طريق المطار وخلف حديقة الأحياء البرية، مما أدى إلى سقوط القذائف العشوائية على المدنيين. وأوضح الناطق باسم الأمن المركزي، في تصريحات صحفية محلية ، أن قوات الأمن المركزي أبوسليم وكتيبة الدبابات والمدفعية تقدمت نحو طريق المطار وحاليًا تتم محاصرة مقر معسكر "النقلية" مكان تمركز لواء الصمود من جهتين.

وكان مصدر خاص لـ"بوابة افريقيا الاخبارية" أكد في تصريح سابق ،أن قوات اللواء السابع وترهونة ملتزمة بالهدنة، وأن قوات صلاح بادي هي من ترفض وقف إطلاق النار، وقامت بإعلان الحرب من جديد في محاولة للسيطرة على العاصمة طرابلس، ألا أن قوات بادي بدأت في التراجع إلى الخلف بسبب عدم مقدرتها على التقدم وقوة الجهة الأخرى.


** ترتيبات أمنية

وجاء التصعيد الجديد، بعد ساعات من إعلان رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج،تشكيل لجنة تحت مسمى "لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى"، برئاسة مدير إدارة الشرطة العسكرية اللواء حماد أحمد عبود.وأسند القرار للجنة، وضع تدابير تعزيز وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار الأمني ووضع خطط وتوصيات لتأمين طرابلس الكبرى، ووضع خطة لإحلال قوات نظامية من الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية بدلاً من التشكيلات المسلحة في المنشآت الحيوية.

وحدد قرار المجلس الرئاسي مهام اللجنة في تقديم توصية بشأن إعادة تنظيم القوات النظامية القائمة وتطويرها أو بناء قوات جديدة بما في ذلك ترتيبات القيادة والسيطرة، واتخاذ الخطوات اللازمة للتوصل مع قادة التشكيلات المسلحة لضمان الانتقال السريع إلى سلطات أمنية تقودها الدولة.

والتقى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، الثلاثاء، رئيس وأعضاء لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى للوقوف على آخر التدابير التي اتخذتها اللجنة حيال المهام الموكلة اليها.

وأوضح السراج صعوبة الظروف والتحديات التي تواجه البلاد، مشدداً على الأهمية البالغة لدور اللجنة في تنفيذ الترتيبات الأمنية وفي مقدمتها تأمين المواطن والممتلكات الخاصة والعامة وتعزيز وقف إطلاق النار وإرساء النظام العام وإنفاذ القانون من خلال قوات أمنية وشرطية نظامية منضبطة تعمل وفق المعايير المهنية.

وأكد على أن التعليمات أعطيت لكافة الوزارات، والهيئات، والمؤسسات العامة لدعم جهود هذه اللجنة، وتوفير متطلباتها، منوهاً إلى أن الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في أتفاق الصخيرات لا تشمل مدينة طرابلس فقط بل يتعداه إلى كافة المدن.مشيرا إلى أن المجلس لا خلاف له مع أي مدينة، أو منطقة ليبية، أو مكون اجتماعي، بل الخلاف مع المعرقلين للمسار الديمقراطي، والمواجهة تنحصر مع العابثين بأمن الوطن وكل من يروع المواطنين ويمس أمنهم وحياتهم.

وفي لقاء له مع عمداء بلديات من غرب ليبيا،هدد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، بأن أي خرق أمني أو إطلاق نار في طرابلس "سيُقابله رد صارم محلياً ودولياً".وأكد السراج،أنه "لا مجال للعبث بأمن العاصمة"، مشيرا إلى أن الترتيبات الأمنية تسير بشكل مدروس.


** مخاوف تتصاعد

ويخشى الكثيرون من عدم استقرار الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس،حيث تمثل الفوضى بيئة مناسبة لتحرك العناصر الإرهابية لشن عمليات خطيرة.وشهدت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، الأسبوع الماضي، تفجيرا انتحاريا تبعه إطلاق نار من قبل 6 مسلحين يتبعون تنظيم داعش الإرهابي، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 18 آخرين.

مخاوف دفعت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، لرفع حالة التأهب الأمني ورفع أقصى درجات الاستعداد وأخذ الحيطة والحذر بين جميع الأجهزة الأمنية التابعة لها..

ورغم أن الوزارة، طمأنت المواطنين بأن الأوضاع الأمنية داخل أحياء وشوارع العاصمة تسير بشكل صحيح وتحت السيطرة الأمنية وأجهزتها في حالة النفير العام،فإنها أكدت على دعوة المواطنين سرعة التبليغ عن إي خروقات أمنية نظراً لوجود خارجين عن القانون يستغلون الظروف الحالية التي تمر بها العاصمة طرابلس.

وبعد نحو أسبوعين من وقف إطلاق النار في العاصمة الليبية،تتزايد المخاوف من انهيار الهدنة من أساسها خاصة في ظل تواصل التصعيد.وقد أقر مبعوث الأمم المتحدة الى ليبيا غسان سلامة الأسبوع الماضي بوقوع 14 انتهاكا للهدنة سجلتها المنظمة الأممية، لافتا في الوقت نفسه إلى "التزام عام" بوقف إطلاق النار، وذلك بعد مواجهات أوقعت 63 قتيلا على الأقل في أواخر أغسطس/آب ومطلع الشهر الجاري.

ورغم أن الميليشيات المتصارعة على النفوذ تدعي انضواءها تحت راية حكومة الوفاق،إلا أنها لا تنصاع لأوامرها.ويرى الكثيرون أن العاصمة طرابلس تبقى أسيرة للصراعات والإشتباكات وغياب الأمن،مع تواصل تغول الميليشيات التي ترسخ وجودها في ظل غياب مؤسسات الدولة،مع عجز حكومة الوفاق على تنفيذ وعيدها والحد من سطوة هذه الميليشيات.