تتسم الحرب علي مناطق ورشفانة 2014   بتعدد الأبعاد والمستويات فهي من ناحية حرب جهوية في ضواحي العاصمة طرابلس وفي الغرب الليبي تحديدا, كما أنها حرب بين التيارات والقوى السياسية (الإسلامية, الليبرالية, الوطنية) في الغرب الليبي ذاته.

وتمثل مشكلة ورشفانة واحدة من أبرز المشكلات الليبية المعاصرة وأكثرها تعقيدا وأبرزها دلالة, ذلك بأن جذور هذه المشكلة بدأت منذ سنة 2011 عملت عليها تيارات سياسية وسائل إعلام لإخراج ورشفانة من التيار الوطني الرافض التبعية والعمالة للأجنبي مهما كانت الأسباب والظروف.

وأما الدلالة بالغة الأهمية فترد إلي ذلك الاهتمام المحلي من القبائل والمناطق الليبية المساندة لموقف ورشفانة ضد الارتهان للأجنبي أو الإيدولوجيات الدخيلة علي ليبيا.

ومهما يكن الأمر فإن الاهتمام المحلي بإحداث ورشفانة 2014 إنما تجسد فى العديد من القرارات  التي أصدرها مجلس النواب بمدينة طبرق والحكومة المؤقتة بمدينة البيضاء, بصددها خلال فترة وجيزة ، حتي بدأ الأمر وكأن مجلس النواب لم يعد أمامه من مشكلات في الغرب الليبي يجابهها سوي أحداث ورشفانة ، خاصة وانها هي المنطقة الوحيدة القريبة من العاصمة طرابلس التي أبدت عداوتها مع عملية فجر ليبيا وخصومتها مع تيار الإسلام السياسي 

والحق أن هذا الموقف السياسي لم ينبع من فراغ وإنما دفع إليه ووقف خلفه وتبناه وتابع تكريسه مجلس الشوري والحكماء ورشفانة, ومؤسسات المجتمع المدني وأعضاء مجلس النواب عن منطقة ورشفانة والعديد من الشخصيات الوطنية فى ورشفانة المدنية منها والعسكرية ،  كما دعمه العديد من المناطق والمدن في كل أنحاء الوطن. فقد لاقت قضية ورشفانة تأييد وتعاطف القوى الوطنية والقبائل الليبية.

إن ورشفانة لها ثقافة متميزة ترفض الديكتاتورية والاستبداد ولكنها في نفس الوقت ترفض أن تجيئ الديمقراطية خصماً من استقلالها كما حدث في النموذج الذي لم ينتج أمناً ولا ديمقراطية.

 

لماذا ورشفانة ؟

سؤال يطرحه من لم يتابع الأحداث التي شهدتها ليبيا منذ 2011 ، كما يتبادر لذهن كل من سمع بهذا الأسم ( ورشفانة ) لأول مرة  في حياته ، رغم أنه أسم يعيش في عقل كل قاري لتاريخ ليبيا القديم والحديث . 

لقد تبنت بعض الطيور المهاجرة ( معارضي القدافي ) خطابا عدائيا ضد القبائل الليبية منها ورشفانة وورفلة وترهونة والعجيلات ، ووصل الأمر إلى حد الأفتراء والتجني على هذه القبائل ، وهذا ما اظهر معارضة من هذه القبائل للعديد من الشخصيات التي تصدرت المشهد في أحداث فبراير ، ويرجع ذلك لأسباب كثيرة ربما أهمها   .  

 

ورشفانة الموقع والأهمية

الموقع: تمتد منطقة ورشفانة من طرابلس شرقاً وحتى الزاوية غرباً، وساحل البحر الأبيض المتوسط شمالاً حتى باطن الجبل الغربي (غريان) جنوباً، وهي ملاصقة للعاصمة طرابلس.

لمنطقة ورشفانة موقع إستراتيجي هام كونها تحيط بمدينة طرابلس وتمتد حتى قدم الجبل، مما يساعد الوصول لقراءة واقعية لأهمية المنطقة التي تعتبر طريقاً رابطاً بين جنوب ليبيا وغربها، ومنفذاً رئيسياً للتنقل بمختلف مناطق ليبيا من ناحيتي الغرب والجنوب.

 

- الحدود: يحدها شمالاً البحر المتوسط، وجنوباً الجبل الغربي (غريان قطيس)، وشرقاً طرابلس من ناحية الشمال الشرقي ومن الجنوب الشرقي النواحي الأربعة (الرقيعات – عكارة – الختنة – العلاونة)، وقصر بن غشير، وإسبيعة، وسوق الخميس مسيحل، وغرباً الزاوية الغربية (الشمال الغربي – جودائم، والجنوب الغربي – بئر الغنم).

 

- المركز الرئيسي: مدينة العزيزية (الكدوة)

العزيزية لها أهمية كبيرة لسكان المنطقة والعابرين، وتبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 40 كيلو متر، موقعها أغرى الورشفانيين بإتخاذها عاصمة لهم قديماً قبل مجيء الأتراك لليبيا سنة 1551م، وتميزت بتاريخ عريق، ففي العهد القرامانلي 1711م : 1835م شارك زعمائها في انتفاضة المنشية ضد وجود الأسرة القرامانية خلال الفترة من 1832 : 1835 وكانت المدينة تسمى الكدوة ثم سميت بالعزيزية سنة 1862م تمجيداً للسلطان العثماني القائم على أمر الامبراطورية العثمانية، قال شارل فيرو في كتابه الحوليات الليبية كانت ورشفانة سنة 1780م تهادن سلطات طرابلس تارة وتناصبها العداء تارة أخرى وغالباً ما أعلنت الثورة عن الولاة الأتراك. في سنة 1782م إستطاعت ورشفانة صد هجوم قبائل تابعة لتونس كانت تنوي السيطرة على طرابلس، واتخذت العزيزية سنة 1911م كمركز للحركة الوطنية الأولى ضد الغزو الإيطالي وتعد أول موقع في ليبيا إستعمل فيه سلاح الطيران في التاريخ الحديث وسقطت فيه أول طائرة حربية وإتخذت كعاصمة للجمهورية الطرابلسية أول عاصمة جمهورية في الوطن العربي والوطن الإسلامي سنة 1918م بقصر العزيزية وعقد فيها مؤتمر العزيزية الوطني سنة 1912م لمحاربة الإستعمار الإيطالي كما عقدت فيها الكثير من الاجتماعات الوطنية وإتخذت مقر للقيادة العامة للمجاهدين، تكون فيها أول وفد للإصلاح الوطني في أكتوبر 1920م للتوفيق بين أبناء الوطن والسعي لتوحيد الصفوف وتناسي الخلافات والأحقاد والمصالح الجهوية في سبيل إنقاذ الوطن ومواصلة الجهاد ضد المستعمر الإيطالي وحث أبناء الوطن لحضور مؤتمر غريان في نوفمبر 1920م.

 

- المساحة: (1940 كم2) ألف وتسعمائة وأربعون كيلو متر مربع . 

- المناطق:

• المنطقة الساحلية الممتدة من قرقارش إلى جودائم، مروراً بجنزور وصياد والماية والحشان والسهلة وإنجيلة والمعمورة.

• المناطق الجنوبية إبتداءاً بوادي الهيرة من الجنوب الشرقي حتى بئر مداكم بالجنوب الغربي.

• المناطق المتضررة من الحرب: تشمل كل البلديات وهي بلدية العزيزية والزهراء والماية و السواني ، كما تشمل العديد من قرى ومناطق ورشفانة منها ، السهلة، أولاد عيسى، الحشان، إنجيلة، صياد، الماية، المعمورة، قرقوزة، العامرية، الرفافية، الزهراء، غواط أبوساق ، الطينة ، الطويبية . 

 

- المدن الرئيسية: العزيزية، إنجيلة، صياد، الماية، السواني، الزهراء، المعمورة، الناصرية، الساعدية، العامرية، جنزور.

- عدد السكان: 86000 سته وثمانون ألف عائلة تقريبا 

- النشاط الاقتصادي: التجارة، الزراعة، وتربية الماشية، الصناعة، صيد الأسماك

 

••• مكونات ورشفانة الإجتماعية   

تتكون ورشفانة من مجموعة من القبائل وهي كاللآتي : - 1- أولاد عطية 2- السهلة 3- أولاد مبارك 4- أولاد حرب 5- أولاد سعود

6-  أولاد عيسى7- أولاد جابر 8 - أولاد صالح 9-  أولاد حامد بدران 10- أولاد جاهلية 11- أولاد تليس12- أولاد أبودلال

13-  الميامين 14- العقب 15- الملطة

16- العمائم 17- البرانى18- الجعادى  

19-  السعادى 20-  العزيب 

كما يقيم في أقليم ورشفانة قبائل هوارة  والتي تعد من أهم القبائل المتخاوية مع ورشفانة ، والعديد من عائلات القبائل الليبية في المنطقة الغربية ، استوطنو ورشفانة نتيجة ظروف تاريخية مختلفة  

 

•••  دوافع الآجتياح "الأهداف":

1- رغبة مدن ومناطق ليبية وأحزاب سياسية بأن تجبر ورشفانة علي تغير سياستها الوطنية.

2- عقاب ورشفانة لإنتهاجها التيار الوطني واحتضانها له.

3- إبلاغ ورشفانة بأن هناك مناطق ومدن ليبية علي علم بسياستها وتوجهها الوطني وأنها معترضة علي انتهاج تلك السياسة وأنه لابد من إجبارها علي التبعية والولاء أسوة بمناطق ومدن أخري.

4- محاولة السيطرة وتطويع التيار المدني النشط في ورشفانة ، الرافض للأنتمات الايدلوجية والذي يؤيد قيام الدولة المدنية

 

••• مراحل الأحداث في ورشفانة .

المرحلة الأولي:

بدأت منذ آجتياح عملية (فجر ليبيا ) لمنطقة قصر بن غشير و مطار طرابلس العالمي في 14/7/2014 والتي طالبت فيه عملية قسورة إخراج كتيبة القعقاع والصواعق وكتيبة أمن المطار الموالية للزنتان والتي تتبع الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبدالله الثني وقد تدخل لواء ورشفانة بشكل غير رسمي في فك الحصار علي المطار ومساندة القوات التي تقاوم عملية قسورة وتوجه لواء ورشفانة للسيطرة علي معسكر 27 بالماية غرب طرابلس, وقد تضامت قبائل ورشفانة مع جيرانها النواحي الأربعة.

المرحلة الثانية:

بدأت بتاريخ 14/8/2014 بانسحاب كتيبة القعقاع والصواعق إلى الزنتان وسيطرة عملية فجر ليبيا علي مطار طرابلس بعد تدمير الطائرات, وفي هذه المرحلة زادت العمليات المسلحة ضد مناطق ورشفانة (الماية والطينة والمعمورة وقرقوزة والسهلة والحشان والزهراء) حيث تم قصفها بجميع أنواع الأسلحة في المحور الشمالي والغربي وانتهت هذه المرحلة بانسحاب لواء ورشفانة من القتال وتراجعه إلي منطقة الكسارات جنوب العزيزية وكذلك إلي الزنتان بتاريخ 22/9/2014.

المرحلة الثالثة:

وتبدأ من انسحاب لواء ورشفانة في 22/9/2014 وخروج السكان المدنيين الذي يصل عددهم إلى 86000 (ستة وثمانون ألف) عائلة بشكل كامل أثر إجتياح عملية فجر ليبيا للمنطقة وما صاحبها من أعمال قتل وحرق ونهب وتدمير للبيوت والممتلكات.

ماهية آجتياح  ورشفانة:

من المعلوم أن منطق فجر ليبيا في آجتياح ورشفانة يغذيه السيطرة علي العاصمة طرابلس وتمثل عملا جماعيا ولخدمة مناطق ومدن ليبية ضد ورشفانة وحلفائها بإعتبارها تهدد مصالح أيدلوجيات ترغب في إحكام السيطرة علي ورشفانة بعد إنسحاب الزنتان

من مدينة طرابلس . 

ونتيجة انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام السابق كانت الظروف مهيأة لهذا العمل خاصة وأنه جاء متزامنا مع تفكك تيار الإسلام السياسي في المؤتمر الوطني السابق وخسارته في انتخابات مجلس النواب ، عندما أعلنت مفوضية الانتخابات الليبية، في 21 : 7 : 2014 عن النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب في ليبيا، والتي كانت ثاني انتخابات برلمانية تجري في البلاد منذ سقوط نظام القذافي عام 2011.

والجدير بالذكر أن آجتياح  ورشفانة كان بدافع من مدينة الزاوية الجارة الغربية لورشفانة وبتحريض من قادة ميليشيات الزاوية وقادة تيارات أيدلوجية أخري مسيطرة علي الزاوية ودفعت بأهالي الزاوية إلي محاربة جيرانها ورشفانة ، ورغم اشتراك ميليشيات مصراتة وغريان في آجتياح ورشفانة من ناحية العزيزية والساعدية والعامرية وارتكابها بعض إنتهاكات حقوق الإنسان بالمنطقة ، الأ أن هذه التشكيلات المسلحة لم تقم بأعمال انتقامية كبيرة مقارنة بما فعلته ميليشيات الزاوية التي سيطرة على قادتها المسلحين والمدنيين حالة ثارية عنيفة قلما يتكرر ارتكابها في المستقبل من اي مدينة ليبية أخري ضد جارتها ، حتى أن أحد قيادتها أعلن الجهاد على ورشفانة وكأن عمرو بن العاص أو عقبة بن نافع رضي الله عنهم لم يمرو من هذه الأرض ولم تصل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ قرون إلى ليبيا  .  

 مدي شرعية اجتياح ورشفانة:

مجلس النواب الليبي هو السلطة التشريعية المنتخبة في ليبيا بدأ من 4 أغسطس 2014 خلفاً للمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته 

و  هو الجسم الشرعي الذي انتخبه الشعب الليبي ومن ضمن إختصاصه التي خولها له الإعلان الدستوري المؤقت اتخاذ قرارات من شأنها تحقيق السلم الاجتماعي أو ردع منطقة معينة للاستجابة للمصلحة الوطنية للدولة الليبية.

إن الحكومة الليبية المؤقتة لم توجه أي قوة للهجوم علي ورشفانة بل أنها أدانت ما حدث, ولم تصدر أي قرار من أجل عملية الاجتياح وهذا يعزز أن من قام بالهجوم علي ورشفانة هي ميليشيات خارجة عن القانون هدفها التمرد علي مؤسسات الدولة الشرعية.