كانت حرارة الصيف القائظ في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء بالعاصمة طرابلس العاجّة بالميلشيات والضاجّة بالمرتزقة، كافية لتدفع بالشاب مهند رمضان الزغداني الى البحث عن فسحة للاستجمام على شاطئ مدينة زوارة الواقعة في أقصى غرب البلاد ، فهناك عادة ما يكون الوضع أفضل أمنيا، والأنسب لقضاء سويعات على الرمال الذهبية والسباحة في مياه لم تتلوث بوطأة الإهمال الذي أصاب أغلب شواطئ غرب البلاد.

في إحدى مصائف زوارة القريبة من منطقة رقدالين، حط رحال الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة والعشرين من عمره ، والذي يستعد للاحتفال بزواجه بعد أن تخرج في يناير الماضي من الأكاديمية الملكية الإسبانية للطيران برتبة كابتن طيار ، وكان يطمح الى مستقبل زاهر في مجال الطيران المدني الذي تعلق به منذ طفولته، وهو ما سعى والده البروفيسور رمضان القنطري الزغداني استشاري أمراض النساء والولادة والعقم ورئيس قسم النساء والولادة في مركز قدور الطبي بطرابلس الى مساعدته على تحقيقه من خلال إرساله في بعثة دراسية الى مدريد.

وقد روى مصدر أمني لـ«البيان» أن الشاب مهند فوجئ وهو في المصيف ، باشتباكات مسلحة بين ميلشيات محلية كانت تتصارع على النفوذ والغنائم ، وبالرصاص الطائش يحاصره من كل مكان ، الى أن أصيب بخمس رصاصات أدت الى سقوطه مضرجا دمائه ، حيث لفظ أنفاسه على عين المكان ،بينما أصيب أربعة مصطافين آخرين، وتم نقلهم الى المستشفى حيث لا يزالون يتلقون العلاج.

وأعرب مؤيد الزغداني، شقيق الراحل مهند، عن استيائه الشديد من انتشار المليشيات المسلحة في غرب ليبيا، واصفا قاتلي شقيقه بـ “الإرهابيين الصعاليك” الذين لازالوا يرتعون داخل البلاد دون حسيب أو رقيب.

وتوجه مؤيد الى حكومة الوفاق ووزارة داخليتها، بالقول : “في ظل انتشار السلاح في ليبيا، قُتل أخي الكابتن طيار مهند رمضان الزغداني من قبل مجموعة من الإرهابيين الصعاليك الجمعة الماضية، ممن لايزالون يرتعون في البلاد ولا ندري من القادم؟!”

وأضاف، “نحن خسرنا أخا وليبيا خسرت طيارا، أما المجرمون فيرتعون مرحا. حسبي الله ونعم الوكيل”.

وقالت شقيقته نسرين «أخي توفى مغدوراً نتيجة للإطلاق الكثيف والعشوائي وأصيب بخمس رصاصات من مجموعة سطو مسلح».

ومقتل مهند في مصيف زوارة، ليس الأول من نوعه، فقد شهدت الأسابيع الماضية عدة حوادث مماثلة في سواحل غرب البلاد التي تتصارع الميلشيات من أجل السيطرة عليها والحصول على الإتاوات المفروضة على المصطافين.

وفي هذا السياق ، قتل ثلاثة أشخاص وأصيب خمسة جراء اشتباكات عنيفة وقعت الشهر الماضي بمصيف النورس البحري بمدينة مصراتة وكشفت مصادر أمنية أن الاشتباكات جدت بين عائلتين بسبب رغبة كل منهما في السيطرة على شاطئ المصيف لكسب الإيرادات لصالحه.

وقال مصدر أمني بالعاصمة طرابلس أن الميلشيات في غرب البلاد تمر حاليا بفترة تغوّل بعد انسحاب الجيش وظهور حالة من تقاسم النفوذ بين عصابات محلية تضم إرهابيين ومجرمي حق عام وجماعات المرتزقة التي جلبها النظام التركي من شمال سوريا.

وأضاف المصدر الذي رفض الإفصاح عن هويته لأسباب تتعلق بسلامته الشخصية، أن سياسة الإفلات من العقاب التي لا تزال مستمرة منذ الإطاحة بالنظام السابق ، أدت الى استسهال القتل والنهب والسلب والسطو على أملاك الآخرين ، وكذلك على أملاك الدولة بما فيها المصائف التي تشهد حالة من العبث العام وصل الى تبادل إطلاق النار بين المسلحين داخل تجمعات المصطافين كما حدث في زوارة ومصراتة مما أدى الى سقوط قتلى لا ذنب لهم إلا محاولتهم الفرار من قيض الصيف وفقدان الخدمات.

وتابع أن أغلب الشواطئ والمصائف تخضع حاليا لسيطرة الميلشيات والجماعات المسلحة التي تفرض على المصطافين دفع أداءات مقابل الدخول إليها تحت بند التأمين والحراسة وتأجير الشمسيات والترخيص للباعة الجائلين بعرض بضائعهم.