مازالت ليبيا تعاني منذ سنوات من صراعات وانقسامات بسبب غياب سلطة موحدة في البلاد قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.وآخر هذه الصراعات الحرب الدائرة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي،والتي ألقت الضوء على مدى قدرة حكومة الوفاق على تسيير البلاد في ظل الحديث عن فقدانها للشرعية محليا.

وتتصاعد الأصوات في الداخل الليبي معلنة عدم شرعية حكومة الوفاق،وآخرها ما جاء على لسان المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب فتحي المريمي، الجمعة،الذي أكد إن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح سيوجه خطابًا إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، وبعض المنظمات الدولية الأخرى، سيتناول فيه شرح مسألة عدم شرعية المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.

وأوضح المريمي، أن الخطاب يتناول عدم شرعية المجلس الرئاسي لكون الاتفاق السياسي لم يضمن في الإعلان الدستوري ولم ينل ثقة مجلس النواب ولم يؤد اليمين الدستورية كما هو معمول به في كل دول العالم، وحسب ما نص عليه الاتفاق السياسي نفسه والذي رفضه الشعب الليبي من أول يوم أعلن فيه.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، تشكلت حكومة الوفاق الوطني بموجب اتفاق سلام وقعه برلمانيون ليبيون برعاية الأمم المتحدة، واختار تشكيلتها المجلس الرئاسي الليبي، وهو مجلس منبثق عن الاتفاق ذاته ويضم تسعة أعضاء يمثلون مناطق ليبية مختلفة. وسلمت بعثة الأمم المتحدة أطراف النزاع الليبي في 22 أيلول/سبتمبر نسخة الاتفاق السياسي النهائية بما فيها الملاحق، موضحة أنه "الخيار الوحيد" أمام الليبيين كي لا تسقط البلاد في فراغ سياسي ومصير مجهول.

ودخلت حكومة الوفاق الوطني طرابلس في 30 آذار/مارس عن طريق البحر، واستقرت في القاعدة البحرية في المدينة.ورغم التأييد الدولي الواسع الذي رافق وصولها الى العاصمة الليبية، ورغم بعض المكاسب التي حققتها وأهمها نجاحها في تحرير سرت من تنظيم "داعش"، إلا أن حكومة السراج لم تستطع نيل ثقة البرلمان كما عجزت عن حل أزمات البلاد وإنهاء حالة الانقسام الموجودة إضافة إلى فشلها في احتواء المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة.

وأكد المريمي، أنه ووفقا للإعلان الدستوري المعمول به في الدولة الليبية، وكذلك وفقا للمظاهرات العارمة في كل أنحاء ليبيا التي رفضت هذا الاتفاق؛ فإن المجلس الرئاسي يصبح بذلك غير شرعي وغير قانوني وفي كل الأحوال؛ فإن مدته المتفق عليها في الاتفاق السياسي سنه قابلة للتمديد سنة أخرى قد انتهت..

ومثل عجز حكومة الوفاق دافعا كبيرا لتغول المليشيات وسيطرتها على مؤسسات الدولة وباتت العاصمة الليبية في قبضة المتطرفين الذين استنزفوا ثروات البلاد فيما يعيش المواطن الليبي أوضاعا صعبة في ظل تهاوى الخدمات الصحية العامة، وأزمة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، ومأزق السيولة النقدية، وغلاء المعيشة وارتفاع أسعار العملات الصعبة وتوقف المصارف.وباتت حكومة الوفاق في ظل هذه الأوضاع المتردية في مرمى الغضب الشعبي الذي تمثل في خروج مظاهرات متكررة في أكثر من مناسبة تنديدا واحتجاجًا على تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية، وتغول الميليشيات. ورفع المحتجون شعارات تطالب بإسقاط رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج.

وبالرغم من حديث حكومة الوفاق عن ترتيبات أمنية تهدف الى تحجيم دور المليشيات المسلحة واستبدالها بقوات نظامية فانها عجزت عن تنفيذ ذلك.وأشار المريمي، إلى أن المجلس الرئاسي لم ينفذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها، وذلك بحل الميليشيات وعدم التعاون مع الإرهابيين، مشيرًا إلى أنه عوضًا عن ذلك فقد ذهب للتحالف معها.

وأوضح المريمي، أنه وعلى إثر تحالف الرئاسي مع الميليشيات المسلحة، ترعرع الإرهاب في طرابلس وما حولها نتيجة الدعم المالي الذي يقدم لها من قبله دون وجه حق ومن أموال الشعب الليبي.واتهم المريمي المجلس الرئاسي، بصرف ميزانية بدون قانون، مشيرًا إلى أن الميزانية في كل دول العالم لا تصرف إلا بقانون.

وكان رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، أعلن في ابريل الماضي تخصيص مبلغ  ملياري دينار ليبي (1.4 مليار دولار أمريكي) لدعم المليشيات لقتال الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس.ووجه مدير مكتب السراج، يوسف المبروك، خطابين إلى كل من مدير مكتب رئيس ديوان المحاسبة ومدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي ومدير مكتب شؤون الوزارة بوزارة المالية، بتخصيص 484 مليون دينار "لتغطية الاحتياجات الضرورية بسبب الاحتياجات الاستثنائية نتيجة الأحداث الجارية".

وأثار القرار حينها جدلا واسعا وألقى الضوء على مدى تغلغل المليشيات في مؤسسات الدولة،وهو ما ذهبت اليه النائبة البرلمانية الليبية، سلطنة المسماري،التي قالت "إن السراج، الذي يعمل خارج الشرعية منذ توليه السلطة، يخضع لإرادة وإملاءات الميليشيات المُسلحة التي تُهيمن على أموال الدولة ومواردها ودواعش المال العام".

ونقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن المسماري قولها،أن "ارتهان السراج للميليشيات وصل إلى درجة أنه أقر ما سُمي بالترتيبات المالية التي يصرف من خلالها أموال ليبيا من دون قيد أو رقابة، حتى أنه قام مؤخرا بصرف ملياري دينار للميليشيات المُسلحة وللإرهابيين لمواجهة الجيش الليبي في معركة تحرير طرابلس".مشددة على أن تلك الممارسات "تؤكد انخراط السراج في ملفات فساد تجعله تحت طائلة القانون".

ويتهم السراج بالسيطرة على المؤسسات المالية الليبية وتوظيف مقدراتها لخدمة الميليشيات.حيث قام (السراج)،في فبراير الماضي، بصفته رئيس مجلس أمناء المؤسسة الليبية للإستثمار بتعيين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين، مصطفى المانع، عضوًا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي لثروة ليبيا)، ويوسف المبروك، نائبًا لرئيس مجلس إدارة المؤسسة، بصلاحيات مدير عام وهو ما أثار جدلا واسعا في ليبيا حيث نددت به أطراف ليبية كثيرة.

وقالت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان،في بيان لها، إنها تضع كل الليبيين أمام أكبر صور الفساد الإداري والمالي، وتحالف قوى السلطة والمال لإنتاج أبشع أنواع الفساد في أعلى كيانات الدولة المتمثل في قرار السراج، بتعيين كل من مصطفى المانع عضوا بالمؤسسة الليبية للاستثمار، ويوسف المبروك نائباً لرئيس مجلس الإدارة بمؤسسة الاستثمار، مذكرة بأن كل التعيينات التي أجراها السراج، مبنية عن صلة القرابة أو زمالة الدراسة، أو المحاصصة، بعيدا عن أي معيار للكفاءات والمهنية والخبرة.

وفي الرابع من أبريل/نيسان الماضي، أطلق الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية بهدف بسط سيطرته على العاصمة اللليبية، لكن حكومة الوفاق سارعت للتحالف مع المليشيات المسلحة الموالية لها والمناوئة أيضا وانضمت عناصر مطلوبة وبرزت وجوه ارهابية الى جانب حكومة السراج بحكم تلاقي مصالح هذه الأطراف في استمرار الفوضى وغياب سلطة الدولة والقانون.

وأبانت معركة طرابلس بشكل كبير مدى تعويل حكومة الوفاق على المليشيات والعناصر الارهابية اضافة الى ارتهانها لأجندات خارجية حيث باتت حكومة السراج واجهة تتحرك من ورائها تركيا وقطر اللتين تسعيان لتسليم البلاد لتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه "جماعة الاخوان" التي تمثل الذراع التخريبي للمحور التركي-القطري في المنطقة العربية.

وقوف حكومة الوفاق في وجه الجيش الليبي وتكشف الدور الذي باتت تلعبه في شرعنة العديد من العناصر الارهابية والمطلوبين الدوليين، وضعها في موقف صعب وباتت تجاهد للحفاظ على بقايا شرعية دولية تتواصل المطالبات باسقاطها.ففي أغسطس الماضي، تقدمت "مجموعة أبناء ليبيا" التي تضم عددا من المثقفين والناشطين السياسيين والإعلاميين بمقترح في رسالة وصفتها بـالهامة موجهة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة طالبته خلالها بالنظر الجاد والعاجل في سحب الاعتراف الأممي بالمجلس الرئاسي وحكومته.وعددت المجموعة في رسالتها 10 أسباب دفعتها إلى طلب سحب الاعتراف الدولي من حكومة الوفاق، مؤكدة أن المجلس الرئاسي غير منتخب، ولم يختره جسم منتخب أصلا وأنه لا يجسد إرادة الشعب التي هي أساس الشرعية، وفقا للرسالة.

وأكدت الرسالة فشل المجلس الرئاسي مرتين في نيل ثقة مجلس النواب المعترف به دوليا وبأن حكومته لم تقسم اليمين القانونية أمام البرلمان، مضيفة أن المجلس الرئاسي برئاسة السراج قد خسر كل القضايا المرفوعة ضده في المحاكم الليبية والتي حكمت في عدة قضايا بأنه "ليس ذا صفة" وبأن إجراءاته وتصرفاته كلها غير قانونية في ليبيا، وبذلك تعد جرائم اقتصادية لا تسقط بالتقادم.

وأشارت مجموعة أبناء ليبيا في رسالتها إلى أن المجلس الرئاسي الحالي يعد مجلسا منقوصا وفاقدا لثلث أعضائه إما بالاستقالة وإما بالمقاطعة، وهو ما يلغي شرط اتخاذ قراراته بشكل جماعي.وتابعت المجموعة قولها "وفقا لاتفاق الصخيرات (والذي لم يتم تضمينه في الإعلان الدستوري أصلا) فإن مدة المجلس الرئاسي سنة قابلة للتجديد لسنة أخرى على الأكثر، وهو يكاد يتم السنة الرابعة دون أي سند قانوني أو توافقي".

وكان رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، كشف في وقت سابق، عن أسباب عدم منحه الثقة لحكومة فايز السراج التي يعترف بها المجتمع الدولي في ظرف يعد فيه مجلس النواب طرفا في الخلاف الليبي.وقال رئيس البرلمان الليبي في حواره مع مركز الأداء الاستراتيجي في مدريد بإسبانيا، إنه "عندما قُدمت حكومة الوفاق بقيادة فائز السراج كنت من ضمن من رفضوا هذه الحكومة باعتبار أنني أرى أنها ضعيفة ولا يمكنها قيادة ليبيا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد". وأضاف: "وهذا ما حدث بالفعل، الحكومة لها ما يقارب عن عامين ولم تتمكن من انجاز استحقاق مهم وهو بسط الأمن وتوحيد المؤسسات الدولة".

ويرى الكثيرون أن حكومة الوفاق فشلت في فرض نفسها بسبب ضعفها وإعتمادها على المليشيات،كما كشفت معركة طرابلس تحول حكومة السراج الى بوابة لتدخل العديد من الدول في الشأن الليبي وخاصة المحور التركي-القطري الذي يسعى لتمكين تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" الموالية له من السلطة بهدف تمرير أجنداته ليس فقط في ليبيا وانما في المنطقة ككل.