بالرغم من الهدنة المعلنة التي تشهدها ليبيا منذ الثاني عشر من يناير الماضي،بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق لازال التوتر على الأرض سيد الموقف مع تواصل الاشتباكات المتقطعة وسط عمليات تحشيد متواصلة بين الطرفين المتصارعين.وفي ظل المخاوف من انهيار وشيك للهدنة تتصاعد الأصوات المطالبة بالتهدئة لاعطاء فرصة للجهود الحثيثة للتوصل الى تسوية سلمية للأزمة في البلاد.

الى ذلك،شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، اليوم الأحد، على ضرورة وقف إطلاق النار في ليبيا، قائلا إن "الحل السياسي وحده ما سيجلب السلام للشعب الليبي".جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مشاركته بالقمة الأفريقية العادية الـ33، تحت شعار "إسكات صوت البنادق وتهيئة الظروف للتنمية في أفريقيا"، في إثيوبيا.

وأضاف غوتيريس أنه يتعين وضع حد للصراع في ليبيا،"علينا ألا ننسى أن الأزمة فيها مثل أزمة المناخ لديها تأثير مباشر على دول الساحل الأفريقي وما وراءها"، موضحا أن  الدول الأفريقية تشاطر مشاعر الإحباط بشأن الوضع في ليبيا منذ 2011.وتابع وضعنا إطار شراكة جديدة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لتنسيق جهودنا المشتركة بشكل أفضل.

ولفت غوتيرش إلى أن اجتماع لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى حول ليبيا والذي انعقد أخيرا في برازافيل عاصمة الكونغو، خطوة إيجابية في المسار الصحيح،وتابع "أدعم بشكل كامل فكرة تنظيم اجتماع في أفريقيا لمصالحة الأطراف المتحاربة بليبيا، وأريد أن أؤكد أن الحل السياسي وحده من قبل الليبيين كفيل بتحقيق السلام للشعب الليبي"، مؤكدا أن وقف إطلاق النار في ليبيا هو ضرورة قصوى.

وانطلقت القمة الإفريقية العادية الـ33، اليوم الأحد،بحضور رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي بمشاركة ليبيا.وتستمر القمة الأفريقية ليومين، إذ ستنتقل رئاسة الاتحاد الأفريقي من مصر إلى جنوب أفريقيا.وتنعقد القمة هذا العام بمشاركة إفريقية ودولية واسعة، وتركز على العديد من الملفات، أبرزها مبادرة "إسكات البنادق" في إفريقيا، وتهيئة الظروف للتنمية، بالإضافة إلى الإرهاب والأزمة الليبية وتطوير البنية التحتية في إفريقيا.

وتتصاعد المخاوف من تأزم الأوضاع في ليبيا في ظل التوتر المتواصل الذي يهدد بعودة الاقتتال في البلاد وتحويلها الى بؤرة للتنظيمات الارهابية خاصة مع التدخلات الخارجية وفي مقدمتها التدخل التركي عبر ارسال المرتزقة والعناصر الارهابية الى الأراضي الليبية وهو ما يهدد امن المنطقة ككل.

وحذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي،من تفاقم الأوضاع في ليبيا في ظل تواصل الاشتباكات في البلاد التي تغذيها التدخلات الخارجية.وقال فكي خلال كلمته في افتتاح قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي إن "الوضع في ليبيا يتفاقم والحرب ما زالت مفتوحة، ونعمل مع الأمم المتحدة لعقد مؤتمر في ليبيا" مطالبا "بضرورة وقف التدخلات الخارجية في ليبيا.

من جانبه،اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن ليبيا تشهد تصعيدا خطيرا للأزمة مع تعدد مظاهر التدخلات الخارجية المكشوفة في البلاد مؤكدا أن الجامعة العربية تسعى لحل الأزمة في البلاد.وأعرب أبو الغيط عن ثقته في أن جهود الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ستأتي بنتائج إيجابية على رأسها تثبيت الهدنة ووقف التدخلات الخارجية في إطار اتفاق الصخيرات ضمن جهود بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.

وفي ذات السياق، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه تم خرق التوافق الدولي الذي تم التوصل إليه يناير المنقضي في مؤتمر برلين بشأن ليبيا.ورأى الرئيس المصري، إلى أنه لن يكون هناك استقرار في ليبيا ما لم يكن هناك توزيع عادل لعوائد الثروة"، مشيرا إلى أن المنطقة تواجه تحديات جمة أبرزها الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب البشر.

وتتسارع الجهود لحث الطراف الليبية على الحوار للتوصل الى تسوية شاملة في البلاد،وانطلقت بعد ظهر،الأحد في العاصمة المصرية القاهرة، جولة حوار المسار الاقتصادي الليبي، بمشاركة خبراء اقتصاديون وماليون يمثلون عدة مؤسسات ليبية إضافة لمسؤولين سابقين، وذلك برعاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا.

وتأتي هذه الجولة بعد جولة سابقة عقدت في بداية شهر يناير الماضي بالعاصمة التونسية،ووفقا لمصادر بالبعثة الأممية فأن هذه الجولة تهدف لوضع خطة لإنشاء هيئة تقوم بالتخطيط للمواؤمة بين السياسات الاقتصادية والمالية في ليبيا للوصول إلى صيغة لتوحيد مؤسسات الدولة الاقتصادية السيادية مثل المصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، وغيرها.

وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا السبت انتهاء الجولة الاولى من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والتي كانت قد بدأت أعمالها يوم الاثنين الماضي مؤكدة أنها اقترحت تاريخ الثامن عشر من فبراير الجاري موعداً لجولة جديدة من التفاوض بينها في جنيف.وأوضحت البعثة في بيان لها أن عمل هذه اللجنة يشكل أحد المسارات الثلاث التي تعمل عليها البعثة إلى جانب المسارين الاقتصادي والسياسي.

ودعت هولندا الى البناء على هذه الاجتماعات ومواصلة التهدئة للوصول الى تسوية في البلاد.وعبر سفير هولندا لدى ليبيا "لارس تومرز"،في تغريدة له بموقع "تويتر" عن ترحيبه "باختتام أول محادثات أمنية ليبية لوقف إطلاق النار" مشيرا "لا يزال الطريق طويلاً ولكن تم تحديد موعد جديد مشجع لإجراء مزيد من المحادثات".ودعا تومرز "جميع الأطراف إلى التفاوض والتصرف بحسن نية لصالح ليبيا وجميع الليبيين والامتناع عن أي عمل عسكري".

وتاتي دعوات التهدئة في أعقاب تطورات ميدانية تنذر بانهيار وقف اطلاق النار،حيث نفذ الجيش الوطني الليبي مساء السبت عملية تقدم ناجحة في مدينة القرابوللي "60 كم" شرق العاصمة الليبية طرابلس.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن مصدر عسكري،قوله،إن وحدات من اللواء التاسع- مشاة سيطرت بعملية نوعية مفاجئة على منطقة الرواجح الواقعة جنوب المدينة، بعد أن اشتبكت مع مليشيات حكومة الوفاق وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وأجبرتها على الفرار.

ومن جانبه،كشف الضابط بالجيش الليبي المقدم مهندس جبريل الشيخى، في تصريح خاص لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"،أن "الجماعات الإرهابية والمرتزقة حاولت التقدم إلى مراكز متقدمة اتجاه تمركز القوات المسلحة، وقامت كما هي العادة في اختراق الهدنة محاولة إحراز تقدم على الأرض"،وأكد أنه "تم التعامل السريع مع عملية التفاف سريعة، تمكنت خلالها قوات الجيش الليبي من فرض وبسط كل السيطرة على منطقة الرواجح، بعد أن كانت خارجها وإرجاع الجماعات الإرهابية إلى منطقة القربوللي المدخل الشرقي للعاصمة المحتلة طرابلس".

وبالتزامن مع تصاعد وتيرة التدخلات التركية صعدت قيادات "الاخوان" من خطاباتها التحريضية وسعيها لمزيد تأجيج الصراع في البلاد،حيث دعا مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني،إلى إستخدام أموال الزكاة لقتال الجيش الليبي.وكان الغرياني قد طالب في وقت سابق وزير تعليم حكومة الوفاق محمد عماري زايد، بوقف الدراسة في طرابلس للدفع بطلاب المدارس الإعدادية والثانوية في محاور القتال ضد الجيش.

من جانبه،خرج صلاح بادي، قائد "لواء الصمود" بمصراتة،ليعلن انقلابه على الهدنة.وأكد بادي في مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة لقوات الوفاق على مواقع التواصل الاجتماعي، مواصلة العمليات القتالية في منطقة أبو قرين والوشكة الواقعتين بمدينة مصراتة، لاستعادتهما من الجيش الليبي الذي سيطر عليها قبل أسبوع، كما دعا قوات مصراتة إلى الخروج للدفاع عن مدينتهم والحشد للمعركة القادمة.

وتتزامن تصريحات قيادات تيار الاسلام السياسي في ليبيا التحريضية مع أخرى مشابهة لحليفهم الرئيسي الئيس التركي رجب أردوغان،الذي كثف خلال الفترة الأخيرة من انتقاداته وتهديداته للجيش الليبي.وتشير تصريحات قيادات تيار الاسلام السياسي وعرابيه الاقليميين الى محاولة تأجيج الصراع في البلاد وتوتير الأجواء بما يجهض محاولات التوصل الى حلول سلمية.

وفي وقت سابق،عبرت السفارة الأمريكية في ليبيا في سلسلة تغريدات بموقع "تويتر" عن قلقها ازاء التقارير التي وصفتها "بالموثوقة" والتي "تفيد بأن هناك عمليات عسكرية هامة يتم التخطيط لها من قبل القوات التابعة لكل من القوات المسلحة العربية الليبية وحكومة الوفاق الوطني في المستقبل القريب" مضيفة "سواء كانت عدائية أو استباقية، فإن مثل هذه الأعمال تنتهك الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في برلين".

وأوصى مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 أي النار/ يناير الماضي، بحضور 12 دولة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، تحت إشراف الأمم المتحدة،بضرورة وقف تدفق المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، والرفض القاطع للإرهاب والعنف أيا كان شكله ومصدره، وهو الأمر الذي دعا له أيضا مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر.ولكن تركيا لا تلتزم بمخرجات مؤتمر برلين حيث واصلت عمليات نقل الأسلحة والمرتزقة عبر الجو والبحر إلى ليبيا بهدف تأجيج الصراع في البلاد.

وأكد مسؤولون دوليون صحة التقارير التي تحدثت عن نقل تركيا للأسلحة والمقاتلين الى ليبيا،وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول،في حديث لقناة "العربية"،"منذ فترة هناك أعمال واضحة تقوم بها تركيا ولم تحترم من خلالها التزاماتها بوقف إرسال الرجال والسلاح إلى ليبيا. فيما اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتأزيم الأوضاع في ليبيا حيث اعتبر في تصريحات صحافية أن نظيره التركي لا يحترم كلامه المتعلق بإنهاء التدخل في الأزمة الليبية ولاسيما عدم إرسال سفن تركية تقل مرتزقة للقتال إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة طرابلس.

مازالت ليبيا تدفع ثمن التدخلات الخارجية التي تدفع نحو تأجيج الصراعات،حيث  تواصل عدة دول وعلى رأسها تركيا تدخلاتها السلبية مستغلة غياب سلطة الدولة وتواصل الصمت الدولي حيال تجاوزاتها التي تغذي الفوضى والعنف في هذا البلد الممزق بالإنقسامات.ويرى مراقبون أن الأجندات الخارجية من شأنها تعميق الانقسامات بين الأطراف الليبية والابقاء على حالة الفوضى،ويبقى الحل في حوار ليبي-ليبي يؤسس لتوافق شامل لانهاء الأزمة في البلاد.