مع عودة الهدوء مجدداً إلى مدينة درنة الليبية،بعد أن غاب عنها منذ أن سقطت رهينة في أيدي التنظيمات الإرهابية قبل نحو 5 أعوام، وتوقف دوي القنابل وطلقات المدافع، بعد انتهاء العملية العسكرية، التي شنّها الجيش الوطني الليبي لتحريرها من قبضة المتطرفين،يتكشف حجم الدمار الذي أحدثه المتطرفون في المدينة وسط تفاؤل المواطنين بإعادة إعمار ما تهدم من مبانيها ومؤسساتها.

وخاضت القوات المسلحة الليبية، معارك عنيفة ضد "داعش" وجماعات إرهابية أخرى في درنة قبل أن تستعيد السيطرة على المدينة الساحلية.وأظهرت صور حديثة تداولتها وسائل إعلامية ومواقع التواصل الإجتماعي،حجم الدمار الذي لحق بوسط وأحياء المدينة جراء الإشتباكات العنيفة التي شهدتها.

وتقع درنة في شرق ليبيا،وقد خضعت المدينة الساحلية، التي تبعد بألف كيلومتر عن العاصمة طرابلس، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لسيطرة "مجلس شورى مجاهدي درنة"، ويضم ميليشيات إسلامية متشددة،والذي نجح في السيطرة عليها،منذ يوليو 2015، بعد معارك دموية مع تنظيم داعش،الذي سارع حينها بتعويض خسارته لدرنة بالسيطرة على سرت لأكثر من سنة.

وظلت مدينة درنة خلال السنوات الماضية، ورقة مهمة في أيدي المتطرفين الذين جعلوا منها مركزا لتجمع عناصرهم ومنطلقا لشن العمليات الإرهابية داخل وخارج ليبيا.وبدأت عملية تحرير هذه المدينة في السابع من مايو 2018؛ إذ أعلن القائد العسكري للجيش، خليفة حفتر، من بنغازي، بدء ساعة الصفر لتحرير درنة، بعدما انتهت مساعي التفاوض إلى الفشل.

وبعد أسابيع من القتال على أطراف درنة، الصيف الماضي، تمكنت قوات الجيش الليبي من دخول أغلب مناطق المدينة.وفي 28 حزيران/يونيو 2018،أعلن عن تحرير المدينة،لكن العمليات العسكرية إستمرت بهدف ملاحقة العناصر الفارة وتطهير المدينة وهو ما تحقق منتصف فبراير الماضي مع إعلان تطهير درنة بالكامل.

وبعد تحرير مدينة درنة من قبضة تنظيم القاعدة على يد الجيش الليبي، سرعان ما تبدل المشهد بعودة الأهالي على الفور لممارسة طقوس الحياة الطبيعية فرحين بتخليصهم من شبح الإرهاب الذي أظلم المدينة لسنوات.وتصاعدت الدعوات لإعادة إعمار المدينة وإصلاح ما أفسدته آلة الإرهاب خلال السنوات الماضية.

وبعدما بدأ مواطنو المدينة في العودة إليها تدريجياً، أطلق ناشطون ليبيون الأسبوع الماضي حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #إيدينا_في_إيدين_بعضنا_نبنوها"،دعوا فيها إلى إعادة بناء المنازل ومعالم المدينة، التي شوهتها الحرب، من ضمنها سوق الظلام، والبياصة الحمراء، والمسجد العتيق.

ودعا الشباب في حملتهم التي أطلقوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى التركيز على ترميم المدارس والمؤسسات الخدمية لتشجيع مواطني المدينة إلى العودة إليها.وأصبح عدد المشاركين في الحملة، يزداد ويشهد إقبالا من شباب المدينة الذين اضطهدوا، أبان تواجد داعش ومجلس الشورى في درنة.

وأبدى القائمون على الحملة، أمنيتهم أن تشارك جميع مدن ليبيا في الإعمار، فبعد أن كانت درنة مدينة يخشى الجميع من الدخول إليها، الآن تفتح ذراعيها للجميع، كمدينة مدنية لم يعد التطرف فيها موجودا.وكانت أغلب الحملات في وقت سيطرة الإرهابيين على المدينة، مقتصرة على أفراد بعينهم ومساعدات تتبع لجهات أيدلوجية فقط، وفقًا لأهالي درنة، الذين لم يستطيعوا التذمر من ذلك الوضع آنذاك.

ومع استمرار الجهود الشعبية لإعادة درنة إلى سابق عهدها، أعلنت لجنة حصر الأضرار الحكومية الاثنين 04 مارس 2019، استعدادها لتعويض المواطنين المتضررين من الحرب.ونقلت وسائل إعلام محلية عن عميد بلدية درنة عبد المنعم الغيثي قوله إنه لجنة حصر الأضرار في المباني بالمدينة ستقدم تعويضات للمواطنين بحسب حجم الضرر.

وأضاف الغيثي:"كلفت المستشار القانوني لبلدية درنة؛ لمراقبة لجنة حصر الأضرار للمباني، التي أطلعتنا عن حجم الأضرار وقيمتها، وأوعز رئيس اللجنة التابعة لهيئة المرافق والإسكان بحصر المباني المتضررة".وأشار الغيثي، إلى أنَّ اللجنة متجهة في الاتجاه الصحيح، حسب ما أفاد به المستشار القانوني، ولازالت مستمرة في عملها، وبعد أن يتم الحصر، سوف يتم تعويض تلك العائلات المتضررة.

وعادت حركة الشوارع لحركتها ولكن هذه المرة دون قيود، الأسواق والمحال التجارية شهدت حركة تجارية سريعة هي الأخرى بعد أسابيع من الحرب والتخوف من التجول.ويأمل سكان درنة التي كانت مركزاً للأدب والثقافة والفنون والحياة بأن ترجع أفضل من السابق علها تمحو سنوات الظلام العجاف.

وتعتبر مدينة درنة الواقعة في الشرق الليبي،من أجمل المناطق السياحية في ليبيا بسبب المناظر الخلابة التي تتمتع بها وشلالات المياه التي تزينها،وكانت وجهة مفضلة للسائحين بسبب المراكز الترفيهية والسياحية التي تزخر بها،ما جعل سكانها يطلقون عليها لقب "درة المتوسط"،دون أن يدور في خلدهم يوما أن تتحول هذه "الدرة" إلى ملاذ محبّذ للإرهابيين ومركز لتجميع وتوزيع السلاح.

وتعيد الجهود الرسمية والشعبية، الأمل إلى سكان المدينة الجبلية الواقعة على ساحل المتوسط،خاصة مع إعلان الأطراف الليبية الأسبوع الماضي الاتفاق على إنهاء المرحلة الانتقالية والاستعداد إلى إجراء انتخابات عامة في البلاد من شأنها أن تساهم في ارساء سلطة موحدة قادرة على مواجهة التحديات والتي يأتي في مقدمتها اعادة اعمار المدن الليبية وتحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية.