غداة تحرير مدينة درنة من قبضة تنظيم "القاعدة" على يد الجيش الليبي، سرعان ما تبدل المشهد بعودة الحياة الطبيعية،حيث عمت الفرحة الأهالي بتخليصهم من شبح أيادي الإرهاب التي أظلمت المدينة لسنوات.ويأمل سكان المدينة في أن تستعيد مدينتهم بريقها واشعاعها كما كانت قبل سنوات الأزمة.

وكانت قوات الكتائب المسلحة، التابعة للجيش، قد نجحت خلال الأيام الماضية في اعتقال العشرات من قيادات عناصر "القاعدة"، و"أنصار الشريعة"، والجماعة الليبية المقاتلة، البارزة في درنة، من بينهم مجدي الشاعري، المعروف بـ"الحاج عمر"، وعصام سعد المنصوري، المعروف بـ"الذيب"، كما سلّم البعض منهم نفسه بعد تضييق الحصار عليهم.

آخر القيادات الإرهابية التي سقطت،كان سالم المقرحي، أحد أبرز العناصر القيادية في التنظيمات المتشددة بمدينة درنة،والذي قال مصدر لموقع "إرم نيوز"، إن قوات الجيش حاصرت منزله ، قبل أن يسلم نفسه، مؤكدًا أن "المقرحي بمثابة الصندوق الأسود للتنظيمات المتشددة داخل مدينة درنة.

ويعتبر سالم محمد منصور المقرحي المعروف أيضًا بسالم "الدرسي" كما يكنى بـ"طلحة" من أكثر القيادات المتشددة أهمية في درنة.والمقرحي من مواليد درنة العام 1993، ويسكن حي عمارات ”الكعب العالي“ في الجهة الغربية من مدينه درنة، كما أنه متزوج من ابنة القيادي المقتول سفيان بن قمو وأنجب منها ولدًا.

وتسببت الأوضاع الأمنية المنفلتة في درنة منذ عام 2014، في اجتذاب عناصر متطرفة من أنحاء مختلفة، ما شكل خطرا كبيرا على ليبيا،حيث تحولت المدينة إلى مركز لشن الهجمات الإرهابية في الأراضي الليبية وفي دول الجوار وخاصة مصر التي سبق أن شنت غارات على المتشددين في درنة ردا على هجمات إستهدفت أراضيها.

وبعد أن أعلن عن تحريرها في يونيو 2018،واصل الجيش الوطني الليبي عملياته العسكرية لملاحقة آخر الجيوب الارهابية التي تحصنت في أحياء المدينة القديمة.والأسبوع الماضي،أعلن الناطق الرسمي باسم القيادة العامة، العميد أحمد المسماري، انتهاء العملية العسكرية في مدينة درنة.وطالب المسماري في كلمة متلفزة من مطار سبها،"سكان درنة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية للقضاء على الخلايا النائمة".

من جهتها،أعلنت مجموعة عمليات عمر المختار القتالية، بقيادة اللواء - سالم عبدالله رحيل،الخميس 21 فراير الجاري، انها قد اكملت مهامها العسكرية داخل مدينة درنة، اعتبارآ من يوم السبت القادم الموافق 22 فبراير.وأوضح، مكتب إعلام، مجموعة عمليات عمر المختار، انه قد تم تكليفها بمهام خارج مدينة درنة، وان أي فرد أو سرية تكون داخل المدينة من بعد هذه التاريخ تكون غير شرعية.

وبالتزامن مع نهاية العمليات العسكرية،تتواصل عمليات تأمين مدينة درنة،حيث يمثل الملف الأمني أحد أبرز الملفات طرحا بعد تطهير المدينة.ويرى مراقبون أن توفير الأمن والمجاهرة به بات الموضوع الأهم حاليا لاسيما وأن المدينة غاب عنها هذا الملف منذ ما يقارب 8 سنوات في ظل سيطرة التظيمات الارهابية.

وأعلنت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة أواخر العام الماضي، عن وضع خطة بالاشتراك مع الجيش لتأمين درنة ومحيطها بعد تحريرها من قبضة الجماعات الإرهابية.وهدف تحرك الوزارة للخروج بخطة مشتركة بين كافة الوحدات الأمنية والعسكرية في درنة تنشد تشديد الأمن في المدينة ومحيطها والعمل مع القوات المسلحة في تنفيذ الخطط والبرامج الأمنية التي من شأنها تعزيز الأمن في تلك المناطق.

من جهة أخرى،يضع انتهاء العمليات العسكرية بمدينة درنة،المسؤولين أمام تحدى جديد وهو إعادة إعمار المدينة التي شهدت خلال السنوات الثماني الماضية معارك عنيفة أثرت بشكل كبير على البنية التحتية للمدينة وتحولت العديد من الأحياء والمباني السكنية الى ركام نتيجة الاشتباكات المسلحة.

.ويرى الكثيرون أن ملف اعادة الاعمار يمثل أولوية قصوى لأهالي درنة الذين يأملون أن تعود مدينتهم الى سابق عهدها.ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن عدد من مواطني درنة،تعبيرهم عن فرحتهم بعودة الأمن إلى مدينتهم، وخلوها من الجماعات المتطرفة، وقالوا إنهم يحلمون بحياة في كرامة وإنسانية، ويأملون في إعادة الأسر النازحة إلى ديارها، بعدما عانوا كثيراً خلال 5 سنوات في ظل تنظيم داعش، الذي يقطف رؤوس المواطنين في وضح النهار بالسيوف.

وقال إمحمد بعيو:"سننتظر ماذا ستقدم لنا الحكومة في ليبيا، بعد عملية الجيش الناجحة في تطهير بلدتنا من المتطرفين... كفانا مذلة، وتشريد... نحن نريد أن نعمل بعدما ظلت درنة تعيش أجواء حرب وحصار لسنوات".بحسب ما نقلت الصحيفة.

وكان رئيس مجلس النواب المستشار، عقيلة صالح،إلتقى بمقر إقامته بمدينة القبة عميد بلدية درنة عبد المنعم الغيثي، ومدير مديرية أمن درنة العقيد طارق عبد الجواد، حيثُ اطلع رئيس مجلس النواب خلال اللقاء على الأوضاع المعيشية والخدمية والأمنية عقب تحريرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة.

وحث رئيس مجلس النواب، عميد بلدية درنة على العمل على توفير خدمات المواطنين بالمدينة وتذليل كافة الصعوبات أمامهم بالتنسيق مع الحكومة الليبية المؤقتة، بالإضافة إلى عودة الأجهزة الأمنية وتفعيلها بشكل كامل وتذليل كافة احتياجات الأجهزة الأمنية لأداء دورها المناط بها على أكمل وجه، مثنياً على دور أهالي درنة بكافة تركيباتها الاجتماعية في دعم القوات المسلحة ورجال الأمن إلى ان تحررت المدينة من الجماعات الإرهابية.

ويمثّل تحرير درنة مرحلة مفصليّة في الحرب التي يخوضها الجيش الليبي ضدّ التنظيمات الإرهابيّة التي انتشرت في عديــد مناطق البلاد مستغلّة حالة الفوضى التي استشرت في عموم ليبيا منذ العام 2011. فالمدينة التي كانت تعتبر من حواضر الثقافة والفنّ في البلاد،علاوة على موقعها الساحلي وتواصلها مع الجبل الأخضر، تحوّلت إلى أهمّ مواقع الإرهاب حين استوطنها المتطرفون.

ومكن تحرير مدينة درنة الساحلية،الجيش الليبي من التحرك نحو مناطق أخرى حيث أطلق في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي عملية عسكرية لتطهير جنوب غربي ليبيا من التنظيمات الإرهابية والعصابات التشادية التي باتت تشكل خطرا يتهدد كامل البلاد.وتمكن خلال الأيام الماضية من السيطرة على عدة مناطق حيوية ودحر العصابات المسلحة.ويشير المتابعون للشأن الليبي الى أن القوات الليبية في طريقها لتحقيق انجاز عسكري جديد يتمثل في تحرير كامل جنوب ليبيا وهو ما سيكون خطوة كبيرة نحو تطهير كامل البلاد.