يحاول تنظيم "داعش " الدموي بشكل مستمر اعادة الانتشار خارج مراكز نفوذه الرئيسية الأولى في العراق والشام،والتي سقطت فيها خلافته المزعومة، وتحديدًا فى شمال وغرب إفريقيا،وتتوالى التسريبات عن محاولة التنظيم التمدد داخل ليبيا،فيما تتزايد مخاوف دول الجوار وتحديداً تونس،التي مازالت تعيش على وقع الهجمات الارهابية بالرغم من تحسن الأوضاع الأمنية.
 الى ذلك،أظهر فيديو منسوب لتنظيم "داعش"،الثلاثاء الماضي، مجموعة من المسلحين يحضون على شن مزيد من الهجمات في تونس، ويؤكدون مبايعتهم لزعيم التنظيم المتطرف أبو بكر البغدادي.وحمل الفيديو الذي نشر على الحسابات الجهادية المعهودة على تطبيق تلغرام، توقيع "الدولة الإسلامية- المكتب الإعلامي في تونس.
ويأتي نشر الفيديو بعد هجومين نفذهما انتحاريان في العاصمة تونس في 27 حزيران/يونيو استهدفا قوات أمنية في شارع رئيس بالعاصمة وفي مركز أمني خلفا قتيلين، وتبناهما لاحقا تنظيم الدولة الاسلامية.وأعلنت وزارة الداخلية التونسية إثر ذلك أن "العقل المدبر" للعمليتين قتل إثر محاصرته من قوات الأمن التي أطلقت عليه النار ففجّر نفسه بحزام ناسف كان يرتديه في "حي الانطلاقة" بالعاصمة.
وظهرت في الشريط مجموعة من المسلحين ملثمين حاملين الرشاشات في لقطات عدة في منطقة خضراء وجبيلة.وقال أحدهم ذكر الشريط أن اسمه أبو عمر التونسي متوجها الى زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي المتواري عن الأنظار "إن جنودك وأبناءك في أرض القيروان (تونس) بخير ونعمة، ثابتون على الحق بإذن الله رغم الشدائد والابتلاءات، فأبشر بما يسرك وإخوانك".
وقال ملثم آخر عرف عنه الشريط المسجل بأنه أبو خالد التونسي "التحقوا بإخوانكم المجاهدين، ومن عجز عن ذلك فدونكم أعداء الله، حولوا أمنهم رعباً وفرحهم حزنا ودونكم رعايا دول الصليب في بلادكم، اكتموا انفاسهم وحولوا سياحتهم نياحا".
وبلغ تنظيم "داعش" في تونس ذروته في الفترة من أوائل عام 2015 وإلى أوائل عام 2016، مع شن هجمات واسعة النطاق ضد "المتحف الوطني باردو"، و"شاطئ سوسة"، وأفراد "الحرس الرئاسي" التونسي، إلى جانب مواقع عسكرية وأمنية في بلدة "بنقردان"، ومنذ ذلك الحين، تم حصر نشاط التنظيم في المناطق الجبلية.وعلى مدى العاميين السابقين 2017 و2018،بقي نشاط داعش" في تونس مقيدًا إلى حد كبير.
ونادرا ما تم التداول بأشرطة فيديو لجهاديين من تونس،وهو ما يشير الى أن هذا الفيديو هو محاولة دعائية واضحة للتنظيم لاثبات وجود عناصره في تونس.لكن التنظيم وبالرغم من اصراره على ضرب تونس فان تحركاته الأخيرة وظهور عناصره الدعائي تشير الى محاولته تشتيت الأنظار عن تحركاته في بلد آخر هو ليبيا والذي يمثل هدفه الرئيسي.
 فمنذ أيام، بث تنظيم "داعش" الإرهابي، إصدارا مرئيا جديدا،تحت عنوان "العاقبة للمتقين"،بثته الأذرع الإعلامية للتنظيم حيث أظهر عددًا من مقاتليه في بقعة صحراوية يرجح أنها في ليبيا.وتوعد التنظيم الارهابي في الفيديو بمواصلة ما أسماه الجهاد في ليبيا.وظهر في الفيديو شخص يدعى "أبو مصعب الليبي" كمتحدث رئيس والذي من المرجح أن يكون "محمود مسعود البرعصي"، وفقًا لمصادر إعلامية ليبية.وجدد مقاتلو التنظيم مبايعتهم لأمير التنظيم (أبوبكر البغدادي) في الفيديو مؤكدين استمرار قتالهم لما أسموه "ملل الكفر".
وظهر في الفيديو عشرات العناصر وبحوزتهم سيارات دفع رباعي مسلحة وغير مسلحة، معظمها سرقت من "تمنهنت" في وقت سابق، وهم يحملون أنواعًا من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل بندقية "الكلاشنكوف" وقاذف الـ"آر بي جي" ورشاش الـ"14.5" المضاد للطيران.وبدا واضحا محاولة التنظيم تقوية عناصره بعد الهزائم الكبيرة التي لحقت بها.
وترافق هذا الاصدار المرئي الجديد مع شن التنظيم لعدة هجمات ارهابية على نقاط تفتيش تابعة للجيش الوطني الليبي في الجنوب،حيث تعرض مركز لتدريب الجيش الوطني الليبي في مدينة سبها لهجوم في شهر أيار/مايو الماضي تبناه تنظيم "داعش"، أسفر عن قتل 9 جنود، قطعت رؤوس معظمهم، وأعدم الآخرون بالرصاص.
وجاءت الهجمات في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المعارك على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،لتكشف سعى تنظيم "داعش" الارهابي لترسيخ وجوده مجددا في الأراضي الليبية في محاولة لبناء معقل جديد وملاذ آمن في أعقاب الهزائم المتتالية التي مني بها وسقوط دولته المزعومة في سوريا والعراق.
وارتبطت تحركات "داعش" الاخيرة بالحرب الدائرة في العاصمة الليبية،حيث تصاعد الحديث عن انتقال العناصر الارهابية من مدينة ادلب السورية الى ليبيا وذلك عبر تركيا التي لم تتوقف عن دعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس رغم التحذيرات والتهديد بالعقوبات، ورغم علمها بمخالفة القوانين الدولية.وبعد شحنات السلاح والطائرات المسيرة والضباط الأتراك اتجه أردوغان نحو نقل الارهابيين لتعزيز سيطرة المليشيات الموالية لأنقرة على العاصمة الليبية.
وبعد الهزائم التي منيت بها التنظيمات الارهابية في سوريا وسقوط معاقلها هناك،تصاعدت التساؤلات حول مصير هذه التنظيمات وعلى رأسها "جبهة النصرة" و"داعش".وأشار العديد من المراقبين أن تركيا المرتبطة بعلاقات وطيدة مع هذه التنظيمات ستعمل على نقلهم الى دول أخرى لخدمة أجنداتها على غرار ليبيا حيث تسعى أنقرة لاطالة أمد الفوضى هناك.
هذه التقارير دعمها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أعرب منذ أيام في مؤتمر صحفي في روما الخميس بعد أن أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،عن قلقه من تدفق المسلحين من إدلب إلى ليبيا، كما حذّر من تدهور الأوضاع هناك. وهذه المرة الأولى التي يحذر فيها مسؤول غير ليبي من عمليات نقل مقاتلين من سوريا نحو ليبيا.
وتمثل ليبيا مرتكزا أساسيا لداعش،وبرغم خسائره المتوالية وفقدانه لمناطق النفوذ في البلاد، فإن قيادة التنظيم تولي اهتماما كبيرا للعمل في ليبيا، خاصة مع انحسار المشروع الداعشي في سوريا والعراق.ويكفل المناخ السياسي والأمني الذي يتميز بالفوضوية في ظل الصراعات والانقسامات التي تعيق بناء دولة ذات سيادة، فرصة لداعش للعودة من جديد الى واجهة المشهد الليبي.
اهتمام "داعش" بليبيا بدا واضحا في فيديو زعيم التنظيم الإرهابي، أبو بكر البغدادي،الذي ظهر فيه في وقت سابق مع عدد من أنصاره،حين خصها بحديثه موجها عبارات التشجيع لأنصاره بعد تنفيذهم عدة هجمات إرهابية، لا سيما في بلدة الفقهاء القريبة من مرتفعات الهروج جنوب البلاد..
وظهر البغدادي في فيديو بثته مواقع التنظيم عبر تطبيق "تليغرام" في 29 إبريل/نيسان الماضي،موجّها تشجيعه لأنصاره في ليبيا وحثّهم على مضاعفة هجماتهم الإرهابية، لأول مرة منذ فقدان أثره في سورية، في فبراير/شباط الماضي، إثر هزيمة مقاتليه في بلدة الباغوز.وحث البغدادي،أنصاره على مواصلة العمليات الإرهابية في جنوب ليبيا، فيما سماه "استنزاف العدو، وضربه في كل مكان" في إشارة إلى قوات الجيش الوطني الليبي.كما أشاد البغدادي،باستهداف أنصاره لبلدة الفقهاء جنوب البلاد، التي قضي فيها مدنيون وعسكريون تابعون للجيش الليبي نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولم يستبعد حينها محللون لجوء البغدادي إلى ليبيا في ظل تواجد قادة مليشيات تابعة لتنظيمه في المنطقة، بإمكانهم توفير شتى السبل له لخوض حرب أخرى طويلة في المنطقة الممتدة من ليبيا على البحر الأبيض المتوسط، وحتى إلى أقصى الساحل الصحراوي حيث ينشط التنظيم الإرهابي، وحيث يخوض الجيش الوطني الليبي معركته ضد الإرهاب.
وكانت غرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر،قالت منتصف مايو الماضي،أن فتح الجماعات الإرهابية الباب أمام تدفق الإرهابيين المطلوبين دولياً للدخول إلى البلاد في الآونة الأخيرة ربما يجعل من المرجح وجود زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي داخل ليبيا.من جهته،رجح مدير المركز الإعلامى لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبى، العميد خالد المحجوب، فى تصريحات لـ"اليوم السابع" من ليبيا،في 22 مايو الماضي، تواجد زعيم تنظيم داعش الإرهابى، أبو بكر البغدادى، فى الأراضى الليبية، عقب هزيمة التنظيم فى سوريا والعراق.
هذه الفرضية زاد في تأكيدها مؤخرا وزير المالية الأسبق، باقر جبر الزبيدي،الذي نقلت وسائل اعلامية عراقية عنه تأكيده وجود البغدادي في ليبيا، لافتا إلى أن "الانتصارات التي حققتها عملية "إرادة النصر"، أكدت ما أعلناه سابقا، بأن البغدادي غير موجود في العراق، حيث تؤكد المعلومات الواردة انه حاليا في ليبيا".وتوقع القيادي البارز في المجلس الأعلى الإسلامي كذلك أن "يهاجم  التنظيم أيضا مصر وتونس، محاولا اقتطاع جزء من إفريقيا، منطلقا من ليبيا".
وتمثل ليبيا بحسب الكثير من المراقبين الملاذ الأبرز لعناصر تنظيم "داعش"،حيث يسمح استمرار الفوضى الكاملة في البلاد وانعدام السلطة المركزية،إضافة إلى الجغرافيا الليبية،بنمط جديد من الانتشار الداعشي بالتمدد، من خلال لخروج للصحراء الواسعة بعيداً عن مدن الساحل المركزية، والتحصن بالوديان والجبال في سبيل إعادة تنظيم نفسه وإمكاناته.
وتتصاعد المخاوف من تحركات داعش في الجنوب حيث أكد النائب بالبرلمان عن مدينة سبها، جبريل أوحيدة أن ما يحدث في الجنوب هذه الأيام "كارثة"، بعدما أصبحت الصحراء مرتعا للعصابات الإجرامية من تنظيم داعش وبقايا تنظيم القاعدة الفارين من سرت وبنغازي ودرنة، مضيفا أنهم "يجهزون الآن للسيطرة على مناطق حقول وموانئ النفط بدعم تركي وقطري".
وتمثل الثروة النفطية احدى أبرز أهداف التنظيم الإرهابي في المناطق التي نشط فيها وذلك لأن السيطرة عليها تمثل مصدر تمويل  لعناصره،لكن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،قلل خلال مؤتمر صحفي له من خطر التحركات الأخيرة للعناصر الارهابية في الجنوب الليبي حين أشار إلى إن مبايعة تنظيم داعش زعيماً جديداً له في ليبيا ونشر فيديو يظهر ضعف الجماعة وأن التنظيم بدأ يتلاشى.
ودفعت الأزمة الليبية وغياب حل سياسي واستمرار الانفلات الأمني الى تحويل ليبيا الغارقة في الفوضى لمركز أساسي لتجمع المقاتلين الأجانب خلال السنوات الماضية.وقد مثل الصراع المحموم بين الفرقاء الليبيين،البوابة التى سهلت دخول التنظيمات الإرهابية إلى الأراضي الليبية وعلى رأسها تنظيم "داعش" الذى سعى إلى إستغلال الإنقسامات والفوضى لتأسيس موطئ قدم له فى المنطقة.
وبالرغم من التفاؤل الذى أعقب دحره في عدة مناطق ليبية،فإن خطر "داعش" ما يزال قائما فى ظل التحركات المستمرة لعناصره.ويرى مراقبون، أن خطر التنظيم سيظل قائما،وستكون ليبيا أمام خيارين،إما التوحد لبناء دولة قوية قادرة على فرض الأمن ودحر الإرهاب نهائيا من أراضيها،وإما الإستمرار في الإنقسامات وما ينجر عنها من فوضى وتردى أمني يمثلان بيئة خصبة للعناصر الإرهابية لتدعيم وجودها،وهو ما سيكون ثمنه إراقة المزيد من دماء الليبيين علاوة على أن الخطر سيكون إقليميا ودوليا.