مشاهد معقدة، تعتري المشهد السياسي الليبي، في ظل تطورات متسارعة، تكشف مدى احتدام الصراع والخلافات بين الفرقاء،في دولة تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.

فصل جديد، من فصول الصراع المحموم،الذي تشهده ليبيا،دارت رحاه هذه المرة بين حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة،والمجلس الأعلى للدولة،برئاسة خالد المشري،مع تصاعد حدة التوتر بين الطرفين وتبادل الاتهامات ما ينذر ببروز أزمة جديدة في الملف الليبي المتخم أصلا بالأزمات والخلافات المعقدة.

بداية الأزمة

البداية كانت مع فشل المجلس الأعلى للدولة الليبي، عقد جلسة يوم الإثنين؛ بسبب انتشار مجموعات مسلحة على بوابة المجلس.ونشر المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، صورا لآليات مسلحة تنتشر أمام فندق "المهاريفي طرابلس، قائلا إن "قوة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية تمنع أعضاء المجلس من الدخول إلى قاعة الاجتماعات بالفندق، لعقد جلستهم.

وعقب ذلك، تقدم رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بشكوى رسمية ضد رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، لدى النائب العام بشأن واقعة "منعانعقاد الجلسة، مطالبا بمنعه وآخرين من السفر.كما دعاالمشري، المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، إلى فتح تحقيق عاجل في ملابسات منع عقد جلسة للمجلس معتبرا أن ما حدث يعد سابقة معرقلة للجهود السياسية.

وتأتي هذه الحادثة بعد أيام قليلة من توصل المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إلى تفاهمات في المغرب، نهاية شهر تشرين الأولأكتوبر الماضي، بشأن قضايا المناصب السيادية والقاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات المقبلة.وأكد المشري،إن مجلس الدولة كان يعتزم التصويت خلال الجلسة على مشروع القاعدة الدستورية في صيغته النهائية كما كان سيناقش آلية توحيد المناصب السيادية والسلطة التنفيذية.

حرب الاتهامات

رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة،سارع للتعليق على الحادثة،متهما رئيس مجلس الدولة "بتضخيم وتأجيج الصراع".وقال الدبيبة، إنه "تابع التصريحات الصادرة بشأن انعقاد جلسة المجلس الأعلى للدولة"، رافضا الإنجرار وراء ما اعتبرها مزاعم قد تبدو مضللة من طرف ذي مصلحة.

وفي اتهام مبطن للمشري، أضاف الدبيبة أنه "بات واضحاً أنّ طرفاً لديه طموحات في القفز إلى السلطة التنفيذية، بعد 11 عاماً في السلطة التشريعية، عبر صفقة تبادل سلطة تؤجل الانتخابات، لكن الشعب الليبي لن يقبل ذلك، ونحن وراءه حتى تحقيقها".وطالب الدبيبةمن أسماهم "الوطنيينمن أعضاء مجلس الدولة، بـ"عدم السماح بزج المجلس في مقامرات سياسية فردية، والصمود أمام فترة التمديد الثانية، والتركيز على كل ما من شأنه الإسراع بالانتخابات.

وسرعان ما تفاعل رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري،مع بيان الدبيبة،الذي اتهمه فيه دون ذكر اسمه بمحاولة "القفز إلى السلطة التنفيذية"،وقال المشري: "الجميع يعلم من الذي يعقد الصفقات وصفقة المؤسسة الوطنية للنفط خير دليل".

واتهم المشري رئيس حكومة الوحدة،بممارسة "التضليل"،ردا على تصريحات الأخير حول وجود محتجين أمام مقر انعقاد المجلس الأعلى للدولة.وأكد المشري،أنه "لم يكن هناك حتى محتج واحد، بل كانت هناك مدرعات وأسلحة ثقيلة تابعة لوزير الدفاع".كما عبّر المشري عن رفضه إعطاء الدبيبة "تعليمات إلى وزارة الداخلية لتأمين مكان انعقاد جلسة المجلس الثلاثاء في طرابلس"، وقال: "سنعقد جلسة المجلس بالظروف المناسبة لنا ولست أنت من يقرر موعدها، ولا نريد تأمينك".وفق تعبيره.

أصداء محلية ودولية

الأزمة المشتعلة، قوبلت بردود فعل محلية ودولية،حيث استنكر رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، محاصرة مجموعات مسلحة لأعضاء المجلس الأعلى،وأشار الى أن ما حدث "يمثل تهديدا لحياة أعضاء مجلس الدولة وانتهاكا لحريتهم الشخصية التي يكفلها لهم القانون"، مطالبا النائب العام بفتح تحقيق في الحادثة ومحاسبة المسؤولين عنها وتقديمهم للعدالة.

من جانبه،عبر المجلس الرئاسي الليبي،عن رفضه ما تعرض له المجلس الأعلى للدولة، من محاولة منع انعقاد جلسته العادية الـ 82، مذكّرًا في الوقت نفسه بأن حق التعبير مكفول للجميع في إطاره الدستوري.وطلب المجلس، في بيان نشره عبر صفحته علي "فيسبوك"، من الأجهزة الأمنية المختصة بالعمل على حماية وتوفير بيئة آمنة تضمن حرية التعبير للجميع، وفي الوقت نفسه سلامة القرار للمؤسسات السياسية، في إطار الإعلان الدستوري وخارطة الطريق".

وعلى الصعيد الدولي،حذرت الولايات المتحدة الأمريكية،عبر سفارتها في ليبيا،الأطراف الليبية من أن التهديد باستخدام القوة من شأنه أن يزعزع الاستقرار ويقوض الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية.وطالبت السفارة،عبر تغريدة على حسابها في "تويتر"، قادة ‎ليبيا بـ"حل خلافاتهم السياسية من خلال الحوار والتسوية وإجراء الانتخابات الموثوقة والشفافة والشاملة التي يريدها الليبيون ويستحقونها".

وفي السياق ذاته،علقت سفارة المملكة المتحدة البريطانية،على الحادثة،حيث أعربت عن قلقها الشديد ازاء هذا التطور الخطير.وقالت السفارة عبر حسابها في "تويتر": "ينبغي السماح للمؤسسات المدنية بالوفاء بمسؤولياتها والاضطلاع بها"، معتبرة أنّ أي محاولة لعرقلة نشاطهم بالاشتراك مع المجموعات المسلحة "أمر غير مقبول"،وفق تعبيرها.

توافق مقابل إنقسام

وشهدت ليبيا مؤخرا،توافقا هاما بين رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح،حي أعلن الطرفين، في أكتوبر الماضي،توصلهما إلى تفاهمات في المغرب بشأن القاعدة الدستورية، وكذلك تسمية شاغلي المناصب السيادية وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة،وهي الخطوة التي قوبلت بترحيب وتفاؤل واسع.

لكن هذا الاتفاق،قوبل برفض من رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة،الذي دعا حينها، "رئيسي البرلمان ومجلس الدولة الى الإسراع باعتماد قاعدة دستورية تنهي الإشكال بشأن الانتخابات"، مضيفاً أن "الحديث عن مسارات موازية مثل تقاسم المناصب السيادية لم يعد مقبولاً".وفق تعبيره.

وتعاني ليبيا، منذ فبرايرشباط الماضي، انقساماً حكومياً إثر تكليف مجلس النواب حكومة جديدة، برئاسة، فتحي باشاغا، التي لم تتمكن من استلام مهامها بشكل رسمي من حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها، عبد الحميد الدبيبة.وشهدت الفترة الماضية،توترا كبيرا بين الحكومتين وصل حد الاشتباكات المسلحة في أكثر من مناسبة.