قوّض النزاع الأخير في جنوب السودان الكثير من التقدم الذي تم إحرازه في مجال التعليم منذ اتفاق السلام المبرم عام 2005 بين الخرطوم والمتمردين الجنوبيين الذي أنهى عقوداً من الحرب الأهلية.ويشكل الأطفال ما يقرب من نصف النازحين داخلياً أو عبر الحدود والبالغ عددهم 1.5 مليون شخص منذ اندلاع القتال بين فصائل الجيش المتناحرة في منتصف ديسمبر.ويعيش العديد من النازحين داخلياً في مراكز حماية المدنيين، وهي مواقع مصممة لإيواء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ولا توجد فيها مساحات صغيرة لإقامة مدارس مؤقتة.

وأخبرت دون بورتر، رئيسة الاتصالات الإستراتيجية في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "المخيمات المؤقتة حيث يعيش النازحون لم تصمم لإيواء هذا العدد الكبير من الناس على الإطلاق، مما يعني أن إنشاء المدارس المؤقتة لا يزال يشكل تحدياً كبيراً. لقد أدى النزاع إلى تفاقم الوضع التعليمي في جنوب السودان".ففي المناطق الأكثر تضرراً بالنزاع تعرضت نحو 100 مدرسة للدمار أو تم إشغالها من قبل القوات الحكومية أو قوات المعارضة المسلحة أو المدنيين النازحين.وأضافت بورتر: "جلب العنف معه سوء التغذية وانعدام الأمن وتفشي الأمراض مثل الكوليرا، وكل ذلك يؤثر على تعليم الكثير من الأطفال هنا في جنوب السودان".ووفقاً لهولين هاموند، المنسقة المشاركة في مجموعة التعليم في جنوب السودان من منظمة إنقاذ الطفولة: "لم يتم دفع رواتب الكثير من المعلمين في الولايات الثلاث الأكثر تضرراً منذ ديسمبر 2013".

تمويل غير كاف

وتابعت حديثها قائلة: "لقد سمعنا أن الأطفال وأسرهم يفرون إلى الحدود إلى مخيمات اللاجئين من أجل الحصول على التعليم لأنه غير متوفر في المناطق المتضررة. نعلم أن الناس يريدون هذه الخدمات. كما أن الأطفال والمراهقين المقيمين في مخيمات النازحين داخلياً وقواعد [حفظ السلام] التابعة لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) لا يقومون بعمل شيء وهم يشعرون بالملل مما يشكل مصدراً للقلق على سلامتهم وسلامة الآخرين".

وقد تلقى 110,463 طفلاً التعليم الطارئ منذ منتصف ديسمبر مقابل هدف المجموعة لتعليم أكثر من 200,000 طفل. وتعد مجموعة التعليم واحدة من أقل المجموعات تمويلاً في جنوب السودان. فحتى تاريخ 31 مايو، تلقت المجموعة 32 بالمائة من احتياجاتها (مقابل 53 بالمائة للصحة و74 بالمائة للأعمال المتعلقة بنزع الألغام).وقالت هاموند أن "جهود [التمويل] الحالية غير كافية" مشيرة إلى أنه سيكون لذلك "أثر وخيم على قدرة المنظمات على توفير خدمات التعليم في حالات الطوارئ".وقالت بيتي جورل، منسقة دعم الاستجابة لحالات الطوارئ والاتصال لدى منظمة بلان إنترناشيونال، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن واحدة من المشاكل الرئيسية "للمدارس في كل من المواقع غير المتأثرة بالنزاع ومراكز النازحين داخلياً هي الزحام الكبير. فعندما زرنا مدرسة جوديل الابتدائية في جوبا في مارس كان هناك ما يقرب من 300 طفل في فصل دراسي واحد في حين استمع بعض الطلاب من خارج الغرفة".

وأضافت أن نقص التمويل يعد مشكلة رئيسية. "ونتيجة لذلك، هناك مساحات محدودة للتعلم وكميات محدودة من المواد التعليمية لتلبية الطلب المرتفع على التعليم".ووفقاً لليونيسف، فإن إشغال المدارس من قبل الجماعات المسلحة في ولايات الوحدة وأعالي النيل والبحيرات وجونقلي والاستوائية قد منع ما يقدر بنحو 120,000 طفل من الذهاب إلى المدرسة.وفي بانتيو، قال عمال الإغاثة لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الأمطار الغزيرة قد أعاقت الجهود المبذولة لتوفير التعليم.

وتحدث هنري أنيول نييث، وهو مدرس متطوع في جوبا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلاً: "الأطفال على استعداد للحضور الى المدرسة لكنهم لا يستطيعون التعلم بشكل جيد في كل مرة تغرق فيها المدرسة حيث لا يستطيعون الجلوس على الطين. وتظهر على العديد من الأطفال علامات الصدمة".وحتى قبل منتصف ديسمبر، كان جنوب السودان ونتيجة للحرب الأهلية مع الخرطوم، قد سجل بعضاً من أسوأ مؤشرات التعليم في العالم، مع عدم التحاق حوالي 1.3 مليون طفل بالمدارس أي ما يقرب من 50 بالمائة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية. وفي عام 2012، ذكر معهد التنمية الخارجية أن أقل من اثنين بالمائة من السكان البالغين في البلاد قد أنهوا تعليمهم الابتدائي.

وبالرغم من ذلك، تم تحقيق مكاسب كبيرة بعد اتفاق السلام الذي أبرم عام 2005 وأدى إلى عودة واسعة النطاق للاجئين. وذكر تقرير البنك الدولي الذي نشر في عام 2012 أنه قد "تم تسجيل حوالي 700,000 طفل إضافي في المدارس الابتدائية بين عامي 2005 و2009. وتبلغ حظوظ الأطفال في جنوب السودان في تلقي بعض التعليم المدرسي 60 بالمائة الآن، مرتفعة عن نسبة 40 بالمائة قبل عشر سنوات".وفي شهر مايو، قالت منظمة وورلد فيجن أنها تشعر بالقلق حيال تآكل هذه الإنجازات وأنه "وفقاً للقانون الدولي، من الضروري إخلاء المدارس لمصلحة الاستخدام المدني على الفور من قبل أطراف النزاع".

وقالت الوكالة في تقرير بعنوان دق ناقوس الخطر: "من المهم بالنسبة للمنظمات الإنسانية أيضاً توسيع نطاق الوصول إلى مساحات تعلم شاملة وآمنة وتوفير الحماية في حالات الطوارئ للأطفال والشباب المتأثرين بالنزاع، إلى جانب توفير التدريب على المهارات الحياتية والدعم النفسي والاجتماعي".وصرّحت إحدى عاملات الإغاثة لدى منظمة غير حكومية دولية لم ترغب في الكشف عن هويتها لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه حتى في مناطق أكثر أمناً نسبياً، ظلت المدارس مغلقة إما بسبب غياب المدرسين أو تردد الأهالي في إرسال أبنائهم إلى المدارس خوفاً من الهجمات.

وأضافت قائلة: "يقول بعض الآباء أيضاً أنهم يخشون من شن الهجمات من قبل المتمردين أو جنود الحكومة حتى على المدارس كما حدث ببعض المرافق الصحية. أنهم قلقون جداً من ذلك".مع ذلك، واصلت وكالات الإغاثة استخدام المتطوعين لتشجيع الآباء على السماح لأبنائهم بالذهاب إلى المدارس.ففي مقاطعة أويريال على سبيل المثال، قامت منظمة إنقاذ الطفولة بإنشاء ثلاث مدارس مؤقتة بـ 23 فصلاً دراسياً في حين تقوم بدعم 20 مدرسة إضافية في أكوبو، لتوفر التعليم لأكثر من 4,000 طفل. كما أنشأت منظمة بلان إنترناشيونال سبعة أماكن مؤقتة للتعلم في جميع أنحاء المقاطعة. ولكن، لا تزال المدارس مكتظة مع حضور ما يصل إلى أربعة أضعاف عدد التلاميذ الذي صممت من أجله تلك الفصول الدراسية.