لازالت المخاطر تتربص بليبيا من خلال التنظيمات الارهابية التي تحاول إعادة مد أذرعها ونشر جرائمها،بالرغم من الحرب التي تخوضها القوات المسلحة الليبية لتطهير البلاد.وياتي على رأس هذه التنظيمات،"داعش" الذي مني بخسائر كبيرة في معاقله الكبرى ولكنه رغم ذلك مازال يمثل الخطر الأكثر تداولا في الأوساط المحلية والدولية.

ومع تصاعد مؤشرات نهاية داعش في الأراضي العراقية والسورية التي كانت المركز الأقوى والمعقل الأبرز للتنظيم،تتزايد التحذيرات الدولية من خطر تحول ليبيا الى مركز جديد لتجمع عناصر التنظيم الارهابي مستغلة في ذلك الوضع الأمني المتدهور جراء تواصل الانقسامات وغياب سلطة موحدة.

آخر هذه التحذيرات،جاء عبلى لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف،الذي أعلن الثلاثاء،أن إرهابيي تنظيم داعش يتمركزون بصورة كبيرة في ليبيا في الآونة الأخيرة، وباتوا يعززون من صلاتهم مع تنظيم القاعدة الإرهابي.

وقال بوغدانوف، خلال مؤتمر "الشرق الأوسط: مرحلة جديدة، ومشاكل قديمة؟" الذي يعقد في إطار نادي فالداي:"في ليبيا، بما في ذلك طرابلس، يعزز تنظيم داعش نشاطاته، ويستغل انهيار الحكومة وتجزئة البلاد، ويقوم بتعزيز العلاقات مع تنظيم القاعدة، المتواجد بالقرب من الهلال النفطي، وموانئ النفط، على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ، شرقًا، ومدينة درنة في الجنوب".

وأشار نائب وزير الخارجية الروسي الى أن الوضع في جنوب البلاد معقد بسبب اختراق المتطرفين من تشاد للحدود الليبية.

وسبق أن شن تنظيم "داعش" هجمات ارهابية استهدفت مؤسسات حكومية في العاصمة الليبية طرابلس،ففي مايو 2018،شنت عناصر التنظيم هجوما على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بغوط الشعال،طرابلس،وتوعد التنظيم حينها عبر وكالة أنباء "أعماق"،بالمزيد من الهجمات.وأسفر الهجوم حينها عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح وتسبب في إحداث دمار كبير في مقر المفوضية بحسب ما نقلت وسائل الإعلام.

وسرعان ما نفذ التنظيم تهديداته،حيث ففي سبتمبر 2018، هاجمت عناصره مقر المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد من الانفجارات داخل المبنى وإطلاق نار كثيف،وأدى الهجوم إلى مقتل شخصين اثنين من موظفي المؤسسة كما جرح 10 أفراد وتم نقلهم للمستشفيات لتلقي العلاج.

وفي 25 ديسمبر 2018،استهدف التنظيم مقر وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، بعجوم عنيف سقط على إثره 3 قتلي و9 جرحى.وأفادت مصادر مطلعة،  في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الليبية،  بأن الهجوم الارهابي نفذه اربعة مسلحين؛ حيث فجر اثنان نفسهما،  فيما قتل الثالث في تبادل لإطلاق النار مع حراس المبنى.

ولفتت هذه الهجمات الأنظار إلى خطورة تنظيم "داعش" المتواصلة بالرغم من إنكساراته السابقة، كما ألقت الضوء على الهشاشة الأمنية التي تعاني منها عدة مناطق وخاصة العاصمة طرابلس، على الرغم من إنطلاق حكومة الوفاق في تنفيذ الترتيبات الأمنية، بهدف إرساء الأمن داخل العاصمة الليبية بقوات شرطة نظامية، وإنهاء دور الميليشيات المسلحة.

وسبق أن حذرت تقارير من أن ظهور تنظيم داعش في العاصمة طرابلس سيكون من خلال خلاياه النائمة والتي ستعمل عناصرها على تغيير الملامح كحلق اللحى وإزالة الجلابية والقمصان القصيرة، لتتمكن من التحرك في المدينة بسهولة ودون لفت النظر وتنفيذ عمليات تثير البلبلة والرعب.وتشكل هذه العمليات الإرهابية تحديًا أمنيًا كبيرًا، لأن مواجهتها والاستعداد لها ومجابهتها عمل جد صعب، كونها جد معقدة وسرية ومنسقة.

وتأتي التحذيرات الروسية من خطر "داعش"،لتؤكد التحذيرات التي سبق أن أطلقها الجيش الوطني الليبي حول خطورة الأوضاع في الجنوب الليبي في ظل انتشار العناصر الارهابية الفارة من المناطق المحررة ناهيك عن العصابات الاجنبية علة غرار قوات المعارضة التشادية التي يشكل وجودها خطرا كبيرا على سكان المنطقة.

ودفعت هذه الأوضاع الخطيرة الجيش الليبي للتحرك نحو الجنوب في حملة عسكرية تهدف للمحافظة على وحدة وسلامة التراب الليبي، وتأمين مقدرات الشعب الليبي من النفط والغاز، وحماية منظومة النهر الصناعي، وإيصال الخدمات الأساسية للمواطن وفتح الطرق وتأمينها، وفرض القانون ووقف الهجرة غير الشرعية، وتأمين الشركات النفطية والأجنبية.

وتتالت انتصارات الجيش الليبي منذ بدا العملية حيث نجح في السيطرة على عدة مواقع استراتيجية في المنطقة على غرار حقل الشرارة النفطي أحد أهم حقول النفط في الجنوب الغربي،بالإضافة الى سيطرته على أكبر محطات الكهرباء الغازية في ليبيا وهي محطة أوباري.كما يواصل الجيش خوض معارك عنيفة ضد العصابات المختلفة في جنوب مدينة سبها.

وقال الناطق باسم الجيش الوطني الليبي العميد أحمد المسماري في مؤتمر صحفي عقده من مدينة سبها إن هناك معارك عنيفة يقودها الجيش الوطني ضد العصابات المختلفة جنوب سبها، مؤكدًا أن هذه العصابات سيتم إخراجها بالكامل من المنطقة.وأشار المسماري إلى أن الأوضاع بالمنطقة الجنوبية تسير بحسب الخطة الموضوعة وأن المراحل الأولى من عملية تحرير الجنوب تمت بنجاح وفي وقت قياسي.

وأوضح أن جل القوات المشاركة في معارك الجنوب من الدفعات التي تم تخريجها مؤخرا وبأرقام عسكرية، عكس ما تم في معارك بنغازي التي شارك فيها المدنيون أكثر من الجيش، مضيفاً أنه بعد انتهاء المعارك سيتم مباشرة الانتقال إلى الحدود لتأمينها والتواصل مع جيوش الدول المجاورة.

وقوبل تحرك الجيش الليبي في الجنوب بمعارضة من حكومة الوفاق التي سعت بضغط من تيار الاسلام السياسي لعرقلة تقدم القوات الليبية في حربها للسيطرة على الجنوب ودحر الارهاب.وحاول المناوئون للجيش الليبي تصوير ما يجري في الجنوب على أنه حرب أهلية وتصفية عرقية.

ويبدو أن التحذير الروسي يمثل تأييدا للعملية العسكرية التي يشنها الجيش الليبي لتحرير الجنوب،والذي قوبل برفض أمريكي جاء عبر بيان أصدرته الخارجية الأميركية نهاية الأسبوع الماضي،وأكدت فيه استمرار دعمها لحكومة الوفاق، داعية إلى ضرورة استئناف ضخ النفط من حقل الشرارة الذي سيطر عليه الجيش مؤخرا.

وقالت الخارجية الأميركية في بيانها إن "المنشآت النفطية الليبية وعملية إنتاج النفط وعائداته هي ملك لكل المواطنين"، مؤكدة أن مؤسسة النفط يتحتم أن يُسمح لها باستئناف عملها دون أي عوائق، وأن كل هذه الموارد الليبية المهمة ينبغي أن تظل تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط ورقابة حكومة الوفاق الوطني وحدها.

وقد سبق أن جعَل التنظيم من ليبيا في الفترة من 2015-2016 قلعةً له في شمال أفريقيا، واستولى على مدينة (سرت) في 2015،مستغلا حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد جراء الانقسامات.ويرى مراقبون أن  تصاعد التوتر بين الفرقاء الليبيين يمثل فرصة للتنظيمات الارهابية وعلى رأسها "داعش" للعودة من جديد خاصة وأن منطقة الجنوب الليبي تمثل منذ فترة ملاذا جديدا للعناصر الارهابية،وهو ما يمثل خطرا كبيرا على البلاد والمنطقة عموما.