تزايدت في الآونة الأخيرة حدة الانقسامات السياسية والاجتماعية في ليبيا واصطبغت بها جميع أوجه الحياة في البلاد ليصبح الحوار الوطني الذي دعت له بعثة الأمم المتحدة في ليبيا واستضافته مدينة غدامس منتصف الأسبوع الحالي، آخر ضحايا هذا الانقسام والصراع المسلح للسيطرة على البلاد. فما ان أعلن عن انعقاد هذا الحوار وبداية جلساته بين نواب البرلمان ونظرائهم المعارضين لانعقاده في طبرق حتى انطلقت الحملات المؤيدة والمعارضة لانعقاد هذا الحوار. 

وكان أشد التصريحات المنتقدة للبرلمان ولانعقاد الحوار حدةً ما ورد على لسان عبد الرحمن السويحلي عضو البرلمان الليبي عن مدينة مصراتة حيث وصف خطاب رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح في الأمم المتحدة أثناء دورة انعقادها السنوية بانه بمثابة إعلان الحرب على البلاد وعلى ثورة 17 فبراير، متهماً في الوقت نفسه موقف المبعوث الأممي بانه لا يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف. وبرر السويحلي موقفه الرافض للحوار في مدينة غدامس قائلاً « ان برلمان طبرق « يستمر في إعطاء الغطاء السياسي لاستهداف المدنيين والمنشآت الحيوية بمدينتي بنغازي ودرنة وحصارهما وشل الحياة فيهما من خلال عصابات المدعو حفتر، وأيضًا دعمهم للمجموعات الخارجة عن القانون التي تحاول زعزعة الاستقرار في المنطقة الغربية. كل هذه العوامل تنسف أي جهود مزعومة لإجراء حوار حقيقي يحفظ الحقوق والتضحيات، ويضمن ان تجد العدالة طريقها إلى من أجرم في حق شهداء وجرحى ليبيا الحبيبة. 

وفي الجانب الآخر رحّب عدد كبير من نواب البرلمان منهم أبوبكر بعيرة وطارق الجروشي وعلي التكبالي عن تأييدهم لكل حوار ينعقد ويكون من شانه تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف في ليبيا واعتبروا حوار غدامس بداية طيبة لحلحلة الأزمة في ليبيا. 

وليس ببعيد عن المواقف المتناقضة للبرلمانيين في ليبيا من قضية الحوار الوطني ما صدر من تصريحات متباينة عن هيئة العلماء المسلمين في ليبيا و دار الإفتاء الليبية التي أصدرت بياناً طالبت فيه بتعليق الحوار مع ما وصفته ببرلمان طبرق في الوقت الحاضر حتى يقول القضاء كلمته في التجاوزات الدستورية والقرارات الخطيرة الصادرة عنه ومن ذلك مطالبته بالتدخل الأجنبي وفرض الهيمنة الدولية على البلاد ووصف عامة الثوار بل عامة من يخالفونهم في الرأي من أبناء الشعب الليبي بالإرهاب. وأكدت دار الإفتاء وهيئة العلماء في ختام بيانها بانه ليس من حق أحد ان يتحاور مع هذا «الجسم « والمقصود البرلمان الليبي الذي انحرف -على حد وصفهم- عن ثوابت الدين والوطن. 

وفي سياق مخالف باركت رابطة علماء ليبيا جولة الحوار الوطني الذي احتضنته مدينة غدامس وما صدر عنه من توافق وحسن نيات من أبناء هذا الوطن لدعوى وقف إطلاق النار، وتشد على أيدي المتحاورين للمضي قدماً في هذا الحوار. وقالت رابطة علماء المسلمين في بيانها: حتى لو شاب هذه الجولة شيء من القصور في نظر بعض أبناء الوطن، فهم يؤكدون للعالم ان أبناء ليبيا لا يمكن ان تفرقهم التوجهات السياسية ولا النعرات المقيتة ولا الأيديولوجيات الخارجية، وان مصلحة الوطن هي الأساس وفوق الجميع. ووصف البيان الاجتماع بانه يبعث الآمال في النهوض بحضارة هذا الوطن، بعدما ظن المرجفون ان أبناء ليبيا لا يحتكمون إلا للدماء والقتل والخراب.

 

*نقلا عن القدس العربي