لا يمكن الحديث عن تاريخ اليسار التونسي بكامل مراحله وتعرجاته الواصلة والفاصلة، النيرة والمظلمة على حد سواء بمعزل عن شخصية ملأت الدنيا و شغلت الناس إن سلبا أو إيجابا هي حمة الهمامي أو "الرفيق" كما يحلو لرفاقه تسميته الذي يمثل  الأب الروحي لليساريين في تونس بمختلف تفرعاتهم الاجتماعية و القومية والوحدوية والتقدمية و الوطنية الديمقراطية.

حمة الهمامي المناضل والمنظر والكاتب والسياسي المثير للجدل عاشق لغة "المضاددة" و شعار "اللاءات" في الدفاع عن مبادئه وقناعاته ووطنه أعلن مبكرا الثورة ضد النظام الواحد والرأي الواحد و زعاماتية الرئيس الواحد في عهدي بورقيبة وبن علي وكسر حواجز الصمت وجميع الخطوط الحمراء مدافعا شرسا عن المفقرين والمسحوقين، وعن الطبقات الهشة والعمال  والكادحين ضد رأسمالية وليبرالية الاقتصاد المنهكة لمقدرات الشعوب والناهبة لثرواتها مناديا طيلة مسيرته النضالية بالتصدي لناهبي ثروات الأوطان و سراق مصائرها.

كما دافع عن الحريات العامة والخاصة رافعا لراية تونس المتعددة والمختلفة مهشما لواقع ولنظرية النمطية السياسية والفكرية والنفسية في الوجدان التونسي. ولعل هذا النهج الفكري المختلف عن السائد وعن المعتاد في تونس بورقيبة وتونس بن علي كلف حمة الهمامي القادم من أعماق سليانة المعدومة والمنسية حيث ولد ذات 8 جانفي  1952 في بلدة "العروسة" وهي منطقة  مهمشة شأنها شأن أغلب الجهات التونسية الداخلية المتشحة بالفقر المدقع وانعدام فرص الأمل في غد أفضل، الكثير من الملاحقة والتشرد حيث عاش في السرية محاصرا تارة من بوليس بورقيبة وبن علي و طورا رافعا بقبضة يسراه شعار النصر القدر ، النصر لا مفر، حتى النهاية.

حمة المناضل الثوري كاسر لاءات النظام وخطوطه الحمر تعرض إلى الاعتقال والسجن حيث التعذيب والانتهاكات منذ أن كان طالبا في مرحلة السبعينات على خلفية انتمائه للاتحاد العام لطلبة تونس ومنظمة "آفاق العامل التونسي" الماركسية اللينينية  التي التحق بها سنة 1973 وكذلك على خلفية مشاركته في أحداث "السبت الأسود" حيث كان ثمن الماركسية اللينينية  المحظورة في تونس باهظا بثمان سنوات سجنا تعرض خلالها إلى التعذيب الوحشي مما إضطر بورقيبة إلى إرساله إلى العلاج على نفقة الدولة في فرنسا في اعتراف رسمي مضمن بوجود التعذيب في السجون التونسية.

متاعب "الرفيق" لم تتوقف بنهاية الحكم البورقيبي بل تواصلت مع صعود بن علي إلى سدة السلطة إثر إنقلاب 1987 إذ رفض الهمامي بصفته رئيس حزب العمال الشيوعي الذي أسسه مع ثلة من رفاقه سنة 1986 مبايعة الحاكم الجديد والتوقيع على بيان 7 نوفمبر الذي وقعت عليه جميع الأحزاب السياسية في تونس بما فيها حركة النهضة وكان هذا الرفض تحد جديد من الهمامي الذي أصر على مراوحة مكانه الثوري ولم يتزحزح قيد أنملة عن انتمائه لجيوب المقاومة التي آمن بها وتبناها فكرا وممارسة ليعود من جديد إلى العيش في السرية والسجون ليقضي في الإجمال 10 سنوات في العمل السري و 10 سنوات في السجون  خلال الحقبتين.

حرض حمة الهمامي على الثورة ضد نظام بن علي ورفض المساومات السياسية والإغراءات على غرار الحق في العمل وهو أستاذ التعليم الثانوي في اختصاص اللغة والآداب والحضارة العربية الإسلامية الذي لم يعمل طيلة حياته حتى حاز وعن جدارة  على لقب "شيخ المعطلين عن العمل" وكان حاضرا في كل المحطات الفاضحة لقمع النظام وممارسات التعذيب ومصادرة الحقوق والحريات في تونس النوفمبرية.

شارك "الرفيق" في الانتفاضة الشعبية الجارفة ضد نظام بن علي التي اندلعت بتاريخ 17 ديسمبر 2010 وقبلها في انتفاضة الحوض المنجمي بقفصة في 2008 حيث مثل إلى جانب الشهيد شكري بلعيد و رفقاء دربه من حزب العمال الشيوعي وقود الاحتجاجات الشعبية المنادية بإسقاط النظام ومنظومة الفساد نحو ضمان أولوية بل قدسية الخبز والكرامة لكل التونسيين في مجتمع عادل وعامل وديمقرطي. ورفض الهمامي كل مقترحات بن علي إبان جانفي 2014 حول المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية  ومحاسبة من "غلطوه" مطالبا  ببديل سياسي يقطع مع الحقبة البورقيبية والنوفمبرية على حد السواء مما كلفه السجن بزنزانات الداخلية التي لم يغادرها إلا بعد سقوط بن علي و بعد أن رابطت زوجته الحقوقية راضية النصراوي أمام الوزارة وتعرضت إلى الهرسلة المعنوية والجسدية من قبل بوليس بن علي.

بعد ذلك طالب الهمامي بحل حزب التجمع وجميع مؤسسات الحكم وصياغة دستور جديد للبلاد وتشكيل مجلس تأسيسي وحكومة وطنية مؤقتة من مهامها الإعداد لانتخابات حرة وشفافة وتكريس بديل سياسي واقتصادي واجتماعي يقطع مع الاستبداد وتراعى فيه الحريات والواقع المعيشي للفئات الاجتماعية الضعيفة والوسطى وتضمن فيه كرامة كل التونسيين.

ولأنه سيد اللاءات السياسية بدون منازع، عارض الهمامي حكومة محمد الغنوشي الأولى والثانية وحكومة الباجي قايد السبسي بسبب رفضه لتواجد رموز النظام السابق في الحكم. كما عارض المنوال الاقتصادي لتونس ما بعد بن علي وظل وفيا لمبادئ الماركسية اللينينية التي تقوم على تقاسم الثروة والإيمان بحق البروليتاريا في خيرات بلادها وحق الشعوب في تقرير مصيرها دون وصاية ودون هيمنة من الأجنبي.

إثر انتخابات 2011  كانت نتائج حزب العمال الشيوعي و اليسار بصفة عامة مخيبة للآمال حيث فشل حزب "الرفيق" والكتلة اليسارية التونسية في اعتلاء مقاعد مشرفة في البرلمان وذلك بسبب "فقر الرفاق" وعدم وجود أموال سياسية تصب في حساباتهم وعدم تحييد المساجد التي تم استعمالها في تلميع صورة الإسلاميين كراعين وممثلين رسميين للدين، وفي المقابل تكفير خصومهم وتشويههم .

بدورها كانت حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية في مرمى نيران الرفيق بل أن هذه النيران كانت أشد لهيبا من سابقاتها حيث ندد الهمامي بضعف أداء حكومة النهضة في نسختيها الأولى والثانية في تسيير شؤون البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا مصنفا إياها ب "حكومة الفشل" ليؤسس بعد ذلك مع الشهيد شكري بلعيد وآخرين ائتلاف سياسي تحت اسم  "الجبهة الشعبية" بتاريخ 7 أكتوبر 2012 بهدف توحيد اليسار وتحقيق ما يسمى ب "حلم اليسار الكبير" والتصدي لتغول الإسلامين وإيجاد توازنات سياسية في البلاد وعين حمة الهمامي ناطقا رسميا لها. إلا أن حلم اليسار الكبير سرعان ما ضرب في مقتل بعد حوالي العام على تأسيسه باغتيال أهم رموزه ومؤسسيه شكري بلعيد بتاريخ 6 فيفري 2013 ثم محمد البراهمي الذي اغتيل بعيد مدة وجيزة من التحاقه بالجبهة الشعبية وتحديدا بتاريخ الخامس والعشرين من جويلية 2013  ليجد حمة الهمامي نفسه وحيدا في مواجهة الإسلاميين والتنديد بفشلهم في الحكم إضافة إلى المطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات الفاجعة التي طالت رفقاء دربه وأهم قيادات اليسار في تونس والتنديد بتغلغل الإرهاب واستهدافه لأعوان الأمن والجيش والسياسيين  والمواطنين وغيرهم.

وفي هذا الخضم كان الهمامي في كل الساحات وفي كل المنابر محملا حركة النهضة والترويكا بصفة عامة المسؤولية السياسية و الأخلاقية في الاغتيالات والأحداث الدامية التي شهدتها تونس ولم يهدأ له بال إلا باستقالة حكومة حمادي الجبالي على إثر اغتيال بلعيد وحكومة علي العريض على إثر اغتيال البراهمي وتولي حكومة التكنوقراط الحكم التي لم تسلم بدورها من انتقادات "الرفيق" لا سيما من حيث عدم كشف حقيقة الإغتيالات و التلكؤ في مراجعة التعيينات الحزبية التي تمت في عهد الترويكا.

حمة الهمامي واصل نضالاته حتى موعد انتخابات 26 أكتوبر 2014 التي أسفرت عن اكتساح هام للجبهة الشعبية لمقاعد البرلمان المقبل ب 15مقعدا إضافة إلى مقعدي قائمتين مستقلتين لكل من أحمد الخصخوصي و عدنان الحاجي وبالتالي 17 مقعدا في الإجمال وهي نتيجة اعتبرتها الجبهة الشعبية المخضبة بدماء شهدائها مشرفة في ظل غياب المال السياسي حسب ما صرح به أغلب قياداتها. كما أعلن كذلك ترشحه لرئاسة تونس مدفوعا برصيد نضالي كبير قلما أن يحظى به أغلب منافسيه باعتراف حتى أشد خصومه.

ولكن رغم بريق التاريخ النضالي لحمة "النصراوي" كما يحلو له تسمية نفسه في إشارة واضحة إلى علاقة الحب والاحترام النادرة التي تجمعه برفيقة دربه وزوجته وأم  بناته الثلاث أسيمة ونادية وسارة راضية النصراوي أو كما يناديه بذلك خصومه في معرض تهجماتهم عليه بسبب "ضعف شخصيته و تفسخها أمام هيمنة شخصية زوجته القوية التي تتحكم في كل قراراته و مواقفه السياسية" حسب تعبيرهم، يعاب في "الرفيق" تصلبه الإيديولوجي و نرجسيته السياسية وعدم القدرة على اقتناص الفرص السياسية الاستثنائية نتيحة عدم توفر معطى هام في شخصية الزعيم أو السياسي الكبير وهو معطى"الدهاء السياسي" وكذلك عدم القدرة على تفعيل قراءة استشرافية واقعية لمطبات السياسة في تونس وفي الخارج.

حمة الهمامي المناضل اليساري المثقف والأكاديمي فشل كذلك في التخلص من عنجهية الإيدولوجيا الماركسية اللينينية وتعاليها عن الواقع أحيانا حيث يعاب عليه عدم مراعاة التطور الطبيعي لكل المنظومات والإيديولوجيات والتقوقع الذي لا يتزحزح صلب مبادئ الاشتراكية التي تجاوزتها الأحداث بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة نتيجة طغيان العولمة ورؤوس الأموال واقتصاد السوق.

 كما يلام على الهمامي صداميته غير المبررة أحيانا و وقوفه دائما أبدا في صف الرافضين المحتجين المنددين المعارضين  بسبب وبدون سبب ورفعه دائما لشعارات اللاءات وعرقلته لكل السياسات والمنظومات التي لا تستقيم و أفكاره أو تطلعاته الفكرية والسياسية وكذلك بسبب ما يطرحه من مشاريع اقتصادية اشتراكية منغلقة لا تستجيب لمتطلبات المرحلة الموسومة بالانفتاح الاقتصادي اللبيرالي وبالتالي الإنزياح عن الواقعية والبراغماتية نحو العدمية أو العبثية حتى أن هذا الأمر أصبح يثير تندرات وفكاهة التونسيين بمختلف اتجاهاتهم.

"الرفيق" تلاحقه كذلك تهم "الشيوعية" المرتبطة ب "الإلحاد" وهي تهم ألصقها به خصومه السياسيون فصدقتها العامة وكانت من أهم أسباب فشل حزب العمال الشيوعي في انتخابات 2011 إلا أن هجمة الدين التي تعرض إليها الهمامي خفتت مؤخرا بعد أن بدأت العامة تستوعب أن تهمة الإلحاد لها غايات سياسية وتهدف إلى تشويه الأب الروحي لليساريين لإزاحته من اللعبة السياسية بالبلاد.

ورغم جميع الانتقادات الموجهة إلى الهمامي يجمع "الرفاق" على أنه الزعيم والأب الروحي لليسار التونسي. كما يجمع التونسيون بمختلف انتماءاتهم وحتى خصومه السياسيون على نضالية "الرفيق" ضد الاستبداد منذ عهد بورقيبة إلى عهد الترويكا وعلى وطنيته الخالصة وشراسته في الدفاع عن الحريات وعن الفئات المسحوقة ديدنه في ذلك الصدق الإيديولوجي والسياسي.