أدركت الحملة الانتخابية التشريعية في تونس أسبوعها الثاني وقبل الأخير ، وبدأت موازين القوى السياسية تتوضح ، لتؤكد ما ذهبت اليه استطلاعات الرأي وما تجمع عليه الطبقة السياسية التونسية ، حول وجود استقطاب ثنائي  يجمع حركة النهضة الاسلامية ، الخارجة من الحكم تحت ضغط شعبي ، وحزب نداء تونس الحداثي والعلماني  ٠

الحزبان يسيطران على المشهد السياسي في تونس ،  وتأكد ذلك خلال الاجتماعات الشعبية التي استقطبت أعدادا كبيرة من الأنصار والناخبين ، متقدمين على أحزاب كبرى أخرى ترشحت في كل الدوائر الانتخابية لكنها لم تظهر بقواعد كبيرة تقترب من قاعدتي النهضة والنداء ٠

ومع انطلاق الحملة الانتخابية ، وربما قبلها، تم طرح فكرة حكومة الائتلاف أو الوحدة الوطنية التي تضم آكبر ما يمكن من الطيف السياسي الذي سيضمن وجودها في البرلمان الجديد لكن هذه الفكرة التي طرحتها كل الأحزاب الكبرى تقريبا بدأت تعرف بعض التراجع ، وهو ما برز لدى حزب نداء السياسي الذي يصرح قياديوه علانية بأنهم  يرفضون التحالف مع حركة النهضة الاسلامية ، وهو ما أعلنه زعيم الحزب ومرشحه للرئاسة الباجي قايد السبسي  الذي صرح أمس في مدينة نيس الفرنسية بأن حزبه يطرح " مشروعا للتقدم والتنوير والحداثة وخاصة إنقاذ البلاد عكس المشروع الاخر القائم على الدولة الدينية ،وأنه لا بد من الدفاع عن مشروع التقدم الذي نعد به التونسيين "

واعتبر السبسي أن النهضة ليست ديمقراطية وأضاف «ونحن في تونس لم نصل بعد الى الديمقراطية بل نسعى إلى الوصول اليها لان الديمقراطية هي سلطة الشعب وشعبنا مسلم ولا يحتاج لمن يعلمه الاسلام والحركات الاسلامية تستعمل الاسلام للوصول الى الحكم».

ومقابل هذا الرفض الواضح الذي تظهره حركة نداء تونس وزعيمها فان النهضة وعلى لسان شيخها راشد الغنوشي أعربت انها مستعدة للتحالف مع كل الأحزاب العلمانية بما في ذلك الأحزاب المنتمية للنظام السابق ولحزب التجمع المنحل ٠

ويبقى التساؤل اليوم وفي ظل نتائج الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد نحو أسبوعين هل تقاد تونس خلال السنوات الخمس القادمة بحكومة ائتلافية بين ممثلي الاسلام السياسي والأحزاب الحداثية والعلمانية ؟

لا يلتقيان أبدا

عن هذا السؤال يجيب الاستاذ بدري المدني الإعلامي وأستاذ العلوم الاسلامية  في تصريحه للبوابة " لا يمكن للماء والنار أن يلتقيا...فبينهما برزخ لا يبغيان ...كما لا يمكن للأحزاب الحداثية التونسية نداء تونس كان أو جبهة أو غيرها أن تلتقي مع مشروع النهضة "الاسلاموي" ...  فان التقت اثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 النهضة مع التكتل والمؤتمر فذلك بداعي طمع المؤتمر والتكتل في اقتسام "الغنيمة"

وان لبست النهضة هذه الأيام "جلد الحمل الوديع" إلا لأنها بدأت في رقصة "الديك المذبوح" والتي قد تؤدي بها إلى السقوط والخروج بالصندوق كما دخلت به ....فاستعدادها للتحالف - وهي تمثل الإسلام السياسي -  بعد فشله في مصر وليبيا وسوريا وغيرها - هو بمثابة العقدة الأخيرة والوحيدة التي مازلت تشد بقاء الإسلام السياسي "المحتضر" في خريطة الربيع العربي ...إن سعيها للتحالف ما هو إلا "مناورة" قد تسعفها بتجنب المحاسبة اثر انقضاء الانتخابات الجارية واحتمال انهزامها وقد تضمن بقاء البعض من شتاتها في الحكم ....

وان ما يؤكد استحالة هذا الشكل من التحالفات هو انعدام الثقة بين الطرفين خصوصا وان حركة النهضة ومثيلاتها من حركات الإسلام السياسي اشتهرت بازدواجية الخطاب و"المداهنة " والتقية ...كما أنها تبطن مشروعا وهابيا اخوانيا جاء ليدمر "المدنية" و الدولة وينشئ الخلافة  السادسة  والاستبداد الديني ويقضي على صور الحداثة ويؤسس لنمط مجتمع ملفوظ منذ قرون وهذا هو العامل الأساسي العميق الذي يحول دون هذا النوع من التحالف ...."

تحالفات شاذة

 وفي المقابل يرى الإعلامي حسان العيّادي أن " الخوض في التحالفات القادمة يبدو نظريا  امرا مؤجلا الى ما بعد صدور النتائج ومعرفة أوزان الأحزاب وثقلها البرلماني الذي قد يفرض تحالفات قد تبدو "شاذة" من وجهة نظر البعض، لكن المشهد السياسي القادم في تونس بعد 26 أكتوبر بدأت ملامحه تتضح تدريجا من خلال اعلان النوايا والتصورات لما بعد الانتخابات  الصادر من مختلف الأطراف وأبرزها حركة النهضة التي تعلن في اكثر من مناسبة انها تتبنى مقاربة التوافق وتبحث عن تحالف وساع يشكل حكومة وحدة وطنية. 

هذه الدعوة الصادر من الحركة تنبع من قراءة انتهت اليها النهضة وقوامها ان الوضع الداخلي والإقليمي لا يسمح لها بان تكون طرفا وحيدا في السلطة او الطرف المهيمين، ولذلك غيرت توجهاتها من التجذر في السلطة ومؤسسات الحكم الى التجذر في المشهد السياسي التونسي وذلك عبر بوابة التحالفات الواسعة التي ستحتوي بها الحركة وتجذرها في المشهد السياسي كحركة سياسية "ديمقراطية" تقبل بالعمل مع أعداء الأمس، فرئيسا راشد الغنوي أعلن ان حزبه لا يرفض التحالف مع " إلزام النظام السابق" وبالاساس وزراء بن علي.

هذه الدعوات الصادرة عن الحركة تجد من قبل الأحزاب السياسية الديمقراطية التونسية، الجمهوري النداء المسار الجبهة الشعبية، تجاوب مختلف، فان خيرت كل الأطراف باستثناء الجبهة الإعلان انها لا تعترض على التحالف مع حركة النهضة في حكومة وحدة وطنية يترأسها مستقل، والأغلب انه المهدي جمعة، ان كانت النتائج متقاربة ولم تثمر عن طرف فائز بالأغلبية المريحية. 

هذا التصور القائم على ان التحالف مع النهضة ستعرضه نتائج الانتخابات هو محاولة لتخفيف وقع التخالف خصوصا وان حالة العداء بين جميع الأطراف  بلغت مرحلة غير مسبوقة خصوصا بين الحركة والجبهة الشعبية التي تعلن انها ستكون في المعارضة ولن تقبل بالتحالف مع الحركة، ولكن هذا قابل للتغيير لان الجبهة لم تصدر موقفا نهائيا بعد. " 

فهل تكذب الحسابات السياسية بعد الانتخابات التصريحات النارية وتحصل التنازلات مثلما تم عند التصويت على الدستور وعلى الانتخابي ؟