لا يزال المشهد الليبي أمام واقع الحذر رغم التفاؤل الكبير والجهد الذي تبذله حكومة الدبيبة من أجل تجاوز سنوات الاضطراب والخلاف السياسي. فالكثير من متابعي تطورات الملف الليبي مازالوا ينظرون بحذر كبير لتطور الأحداث  ويعتقدون أن أمام الحكومة الجديدة عقبات كثيرة في علاقة بملفات مختلفة، فحالة الانقسام وتواصل انتشار المرتزقة قد يكونان تهديدا لأهم استحقاق ينتظره الليبيون وهو الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر المقبل.

وبعد سنوات الحرب وخاصة تطورات العام 2019 والنصف الأول من 2020، في طرابلس والمناطق المحيطة بها وما خلفته من دماء وجراح داخلية غائرة، بالإضافة إلى فوضى التدخل الخارجي قد لا يعيها اتفاق وقف إطلاق النار فرصة التجاوز وتبقى حالة الهشاشة السياسية سائدة رغم الدور الذي تعلبه الأمم المتحدة والقوى الإقليمية من أجل الحل الدائم.

وتقع على حكومة عبد الحميد الدبية مسؤوليات كبيرة للخروج بالبلاد من أزماتها الكثيرة. فمنذ تشكيلها في فبراير الماضي بدأت العمل على توحيد مؤسسات الدولة التي تعتبر إلى اليوم أكثر المشاكلة المعطلة للحل الدائم في ظل التعنت الذي تمارسه جل الأطراف غير المنتفعة من الهدوء في البلاد. كما تقع على عاتقها الانتخابات التي وعدت بإجرائها في موعدها رغم أن حالة التململ والشك وعدم الثقة التي تشعر بها بعض الأطراف مازالت تهدد هذا الاستحقاق الهام.


المنقوش وفضح نوايا المليشيات

في أهم تطور تعيشه العاصمة طرابلس منذ اتفاق وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة الوحدة، اقتحم مسلحون الأسبوع الماضي يرجح قربهم من الإخوان المسلمين، فندقا يستخدمه المجلس الرئاسي الليبي في طرابلس كمقر له، بعد أن أغضبت وزيرة الخارجية المؤقتة نجلاء المنغوش بعض الأطراف بمطالبتها تركيا بسحب المرتزقة الأجانب من بلادها باعتباهم يمثلون عقبة أمام أي تقدّم في العملية السياسية، لكن بالنسبة إلى تلك المليشيات ما صرحت به المنقوش في رسالة لتركيا التي تعتبر حليفهم وداعمهم الرئيسي ودونه قد يجدون أنفسهم على الهامش.

والمرتزقة الأجانب بالنسبة إلى الإسلاميين هم جزء من أدوات المناورة والضغط لبرح الوقت أولا من أجل تعطيل الانتخابات، وأيضا لربح نقاط في أي مفاوضات داخلية أو خارجية قد تقع وتحرمهم من أدوارهم التي يقومون بها. يشار إلى أن المرتزقة الأتراك ساهموا في إعادة توازن المعارك في طرابلس في 2019، عندما استنجدت بهم حومة الوفاق لمساعدتها في مواجهة الجيش.

وفي العام2019، وقعت أنقرة وحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس على مذكرتي تفاهم منفصلتين، إحداهما تخص التعاون العسكري والأخرى تخص الحدود البحرية لبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط وفيها أيضا امتيازات اقتصادية كبيرة تجعلها تلعب منفردة بالتجارة البحرية مع طرابلس.

وكانت حكومة الوفاق قد قدمت طلبا رسميا في بداية 2020 للحصول على دعم"جوي وبري وبحري"من الجيش التركي للمساعدة في صد هجوم للجيش الليبي، الذي كان يحاول في ذلك الوقت السيطرة على العاصمة طرابلس.كما يقدم الجيش التركي المساعدة لإعادة هيكلة قوات حكومة الوفاق.

موقف الوفاق كان مسنودا أيضا من بعض شيوخ الإخوان الذي يعتبرون تركيا حليفا رئيسيا وحاضنة لمشروعهم السياسي وبالتالي طلب مساعدتهم هو من صميم مشروعهم التمكيني، وعلى رأسهم المفتي المعزول والمقيم في اسطنبول الصادق الغرياني، الذي يعتبر ما تقوم تركيا معروفا لا يجب أن يُنسى، حيث قال في إحدى تصريحاته "يجب ألا ننسى أبدا ما فعله الأتراك من أجلنا... وأن أي شخص ينكر خيراتهم لا يستحق احترامنا."

يشار إلى أن مخرجات الحوار السياسي التي عقدت في برلين أكدت على ضرورة إخراج المسلحين الأجانب باعتبارهم يشكلون تهديدا للأمن وأيضا يعتبرون معرقلا للتقدم في العملية السياسية.

وعلى الرغم من أن جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة والأطراف الإقليمية قد أحرزت تقدما، لكن"من الواضح أن المسار الأمني لم يتبع المسار السياسي"

الخطر من تجدد الصراع

لم تكن حادثة المجلس الرئاسي الأسبوع الماضي سوى واحدة من عراقيل التقدم بالعملية السياسية والسلام في البلاد، حيث مازالت الوضعية الأمنية، هشة شرقا وغربا، ويعتبر تعطل فتح الطريق الساحلي جزءا من الخلل الأمني الذي يظهر أن حكومة الدبيبة لا تسيطر على الوضع الأمني بالكامل.

كما أن تعطل بعض اجتماعات الدبيبة وانفلات شبكات التهريب على الحدود الجنوبية والاحتجاجات التي رافقت زيارة المنقوش إلى القطرون، كل تذهب في أن هناك إشكاليات أمنية تؤكد أن الدولة لا تسيطر على كامل جغرافيتها، مما يهدد أداءها على كامل المرحلة المقبلة بالإضافة إلى فرضية حرمان بعض المناطق من لعب دورها في العملية الانتخابية المقبلة.