تعيش حركة النهضة التونسية، منذ أسبوع، على وقع أزمة داخلية هي الأعمق والأقوى منذ صعودها إلى الحكم في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي في العام 2011. وبدأت الأزمة عندما قرر المكتب التنفيذي للحركة، والذي يرأسه راشد الغنوشي، القيام بتغيرات على مستوى القائمات الانتخابية، التي ستقدم للاستحقاق التشريعي القادم في أكتوبر القادم، وذلك خلافاً لما أفرزته الانتخابات التمهيدية التي جرت داخل الحركة في مايو الماضي.

وقام الغنوشي وأعضاء المكتب التنفيذي بتجاوز نتائج الانتخابات الداخلية، ووضع أشخاص أخرين على رأس القائمات المترشحة، بدلاً من الأعضاء الذين تم انتخابهم، وخاصة وضع أشخاص من خارج الحركة بينهم رجال أعمال بارزين، وإلغاء ترشح أعضاء لهم أقدمية تاريخية في التنظيم الإسلامي. الأمر الذي أعتبره الكثير من القيادات ''ضرب للديمقراطية الداخلية وهيمنة للغنوشي على القرار داخل الحزب".

وكشف تقرير نشرته صحيفة الشارع المغاربي المحلية عن أن حركة النهضة ''قد اتصلت بعدد من المستقلين في قائمة تضم 80 شخصية منها وزراء سابقين على غرار وزيرة الثقافة السابقة سنية مبارك وتضم القائمة ايضا المنصف بركوس وفتحي عبيد وحمودة بن سلامة وطارق ذياب ، وعددا من رجال وسيدات الاعمال الذين اصبح وجودهم يمثل احدى نقاط الاستفهام في مجلس نواب الشعب وجلهم يتصدر قائمة المتغيبين ولم يقدم اية اضافة لجهته ( مع بعض الاستثناءات) وبات بحثهم عن موقع في البرلمان يثير التساؤلات خاصة ان الفترة النيابية تمكن من حصانة ومن امتيازات في فرض قوانين والتقرب من وزراء.''

ويبدو أن التغيرات قد جاءت في سياق ترشيح الغنوشي لنفسه للانتخابات التشريعية. فقد أعلنت حركة النهضة، عن وجود احتمال لأن يترشح رئيسها الغنوشي، للانتخابات التشريعية المقبلة بدائرة العاصمة. وقال الناطق باسم الحركة، عماد الخميري، في تصريحات للصحافة المحلية "إن القانون الأساسي للحركة يقول إن رئيس الحركة يبقى دائما مرشح الحزب في استحقاقات الانتخابات الكبيرة سواء كانت تشريعية أو رئاسية". وأضاف الخميري أن ترشح رئيس الحركة على رأس قائمة "تونس-1" (العاصمة) للانتخابات التشريعية، "إمكانية واردة ولكن ليست نهائية إلى حد الآن".

وفي السياق ذاته، نشر القيادي البارز في الحركة، عبد اللطيف المكي، رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيسه الغنوشي، دعاه فيها إلى احترام نتائج الانتخابات الداخلية التي أجراها الحزب. كما وصف قرار الغنوشي بالترشح للتشريعية بالمرتجل، داعيا إياه مقابل ذلك إلى احترام بقية الناخبين على مستوى الترتيب، مشيراً بالقول "وإني أدعو بعض القيادات إلى أن يعينوا إخوانهم بالصمت إذا لم يستطيعوا رد المنكر وأدعو رئيس الحركة أن يتقي الله في حركتنا وشبابنا ونسائنا وإخوتنا".

ويقول الكاتب التونسي، طارق الكحلاوي، في عمود نشره بصحيفة المغرب المحلية:"إن ترشح الغنوشي على راس قائمة تونس العاصمة يحسم بوضوح خيار الترشح للرئاسية ويعكس اقتناعه ان مسألة استطلاعات الرأي مضيعة للوقت وانه في أحسن الحالات سيتجاوز الدور الاول إذا استطاعت حملة التشريعية خلق ديناميكية كبيرة. لا أكثر من ذلك. كان عليه في الاسابيع الاخيرة ان يجد حلما بديلا عن قرطاج. وقد تم التداول في الكواليس طيلة الاشهر السابقة عن خيار تموقعه في القصبة او في باردو. ومن الواضح انه حاول أن يضع كل الخيارات واستأنس بآراء مختلفة خاصة في جولاته المختلفة محليا او اقليميا وفي الخارج".

وفي في بداية يونيو الماضي، أعلنت حركة النهضة، أن عدد مرشحيها للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر المقبل، بلغ 793 مرشحا، سيتم لاحقا التصويت عليهم داخليا لتكوين القوائم النهائية. وقال محسن النويشي، عضو المكتب التنفيذي المكلف بالانتخابات في الحركة، على هامش مؤتمر صحفي بمقر الحركة بالعاصمة إن "حركة النهضة تدير شأنها الداخلي على أساس ديمقراطي، وأنها تركز على الكفاءات الحزبية والوطنية لخدمة البلاد، من خلال أهم مؤسسة تصنع فيها الخيارات والتوجهات السياسية، وأعلى سلطة بالبلاد وهي البرلمان". والعام الماضي نظمت الحركة قرابة الثلاثمائة مؤتمر بين محلي وجهوي تحت شعار "التجديد الهيكلي: إصلاح وتطوير"، وبحسب الحركة، فإن هذه المؤتمرات تأتي في سياق "تعزيز الديمقراطية الداخلية".

ويبدو الأمر للمتابع الخارجي أن حركة النهضة تدير فعلاً شأنها الداخلي بالديمقراطية وتصعد مرشحيها بالانتخابات الداخلية، شأنها شأن الأحزاب في الديمقراطيات الغربية الليبرالية العتيدة. لكن وقائع عديدة تكشف عن عكس هذا التمشي الظاهر، وتؤكد سطوة أقلية قيادية على القرار الحزبي الداخلي، وتكشف أيضاً عن "شكلية" هذه المظاهر "الديمقراطية"، ويبدو أن الأمر يأتي في سياق التسويق للصورة الجديدة للحركة، والتي بدأت في ترويجها منذ مؤتمر العاشر – في ماي 2016-وخروجها من الإسلام السياسي نحو الإسلام الديمقراطي. لكن الأزمة القائمة داخل الحركة، طرحت مدى صحة هذه الشعارات التي ترفعها قيادة الحركة منذ سنوات، حول تحولها إلى حزب مدني ديمقراطي، والحال أن الشيخ الغنوشي مازال مسيطراً على القرار داخل التنظيم الحزبي.