اندلعت المواجهات في جوبا عاصمة السودان الجنوبي، ليلة الأحد 15 ديسمبر 2013، بين قوات موالية للرئيس سلفاكير وقوات موالية لنائبه المقال رياك مشار، فوقع آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، وتدفق آلاف من النازحين (122000 منذ اندلاع المواجهات)، وخرج سلفاكير بزيه العسكري في صباح اليوم التالي ليعلن في مؤتمر صحفي أن قوات الحكومة أحبطت محاولة انقلابية يقف على رأسها رياك مشار الذي أقاله من منصبه في يوليو/تموز الماضي مع مجموعة كبيرة من قيادات الصف الأول بالحركة الشعبية،

لكن مشار نفى ذلك واتهم خصمه بالسعي إلى إقصاء خصومه السياسيين، وتلت ذلك حركة اعتقالات واسعة شملت العشرات من قادة الحركة ووزراء في الحكومة لكن فى الآونة الأخيرة, أعلن جيش جنوب السودان فقدانه السيطرة على مدينة بور المضطربة، في أول اعتراف له بالانقلاب بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات بين جماعات متناحرة من الجنود، الأمر الذي أثار تحذيرات بانزلاق البلاد في حرب أهلية. في هذا الصدد قال الرئيس سلفا كير في وقت سابق أنه على استعداد للحوار مع نائبه المفصول رياك مشار الذي يتهمه ببدء القتال، الذي قال دبلوماسيون إنه أدى إلى مقتل 500 شخص، والتخطيط للقيام بانقلاب. ووفقا للأمم المتحدة، فإن التوترات لا زال منتشرة في جميع المدن النائية بجنوب السودان، حيث انتقل العنف الذي اندلع في العاصمة جوبا شمالاً إلى مدينة بور التي شهدت مذبحة عرقية عام 1991, حيث اندلع القتال في ثكنتين في بور بين القوات الموالية لـكير، من جماعة الدنكا العرقية بجنوب السودان، ورياك مشار، وهو من قبيلة النوير. برغم سطحية التقارير, قال المتحدث باسم جيش جنوب السودان, فيليب أجويرو, دون الخوض في مزيد من التفاصيل "نحن لا نسيطر على بور", بينما أوضح جيرار أرو، سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن، "أن الجماعتين العرقيتين، الدنكا والنوير، قد تنخرطان في حرب أهلية شاملة في البلاد. كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "إن العنف قد ينتشر, ولا تزال جنوب السودان، التي أعلنت استقلالها عن السودان في 2011، واحدة من الدول الأقل نمواً في أفريقيا رغم كل احتياطاتها من النفط الذي يزود حكومتها بالإيرادات والعملة الصعبة,

وحتى الآن، يبدو أن القتال لا يزال بعيداً عن حقول النفط". وإذا اتسع القتال فإن ذلك يهدد المساعدات، وقد يتم استغلاله من قبل السودان المجاورة، التي كان لديها خلافات مستمرة مع جوبا بسبب الحدود غير المرسومة، وقضايا أخرى ترتبط بالنفط والأمن. وقد يتسبب ذلك في تقويض الجهود الرامية لبناء دولة فاعلة في الجنوب. من جهة أخرى, نفى مشار في مقابلة مع صحيفة سودان تريبيون أي علاقة له بالقتال الدائر، وأنه لم يكن وراء محاولة الانقلاب", متهما كير "باستغلال الاشتباكات التي نشبت بين أفراد من الحرس الرئاسي لمعاقبة خصومه السياسيين", مشيرا إلى أن القتال أحيا ذكريات الأحداث الطائفية التي وقعت في التسعينيات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان. وقال المتحدث باسم الرئاسة أتني ويك عبر الهاتف "سُئل الرئيس عما إذا كان على استعداد لقبول أي حوار، ورد قائلًا إنه على استعداد للحوار",

وكان من المتوقع قيام مجموعة من وزراء خارجية، دول شرق أفريقيا بزيارة جنوب السودان الخميس سعياً لإنهاء القتال، وهي تعد البعثة الأجنبية الأولى، التي تدخل البلاد منذ اندلاع القتال. كما قالت الأمم المتحدة "إن الاشتباكات أدت إلى نزوح 20 ألف شخص إلى مخيمات اللجوء، وأن التوترات تبدو وكأنها آخذة في الزيادة في الولايات الأخرى، مثل الوحدة وأعالي النيل, حيث قال جيرار أرو، "إنه يوجد حوالي 7000 - 8000 من قوات حفظ السلام ، التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان، لكنه أضاف: «من الواضح أن جنودنا لن يتدخلوا في الصراع". كما أشار دبلوماسي غربي إلى "أن القتال الممتد يسقط الدولة في نزاع عرقي من الصعب التراجع فيه"، مضيفاً أن "كير قد صعد من الأمور بوصفه الأحداث بأنها انقلاب وأن ذلك سيؤثر على الكثير من الدول التي لا تنعم بالاستقرار", في إشارة إلى المنطقة المحيطة بجنوب السودان. من جانبها، قالت بريطانيا "إن بعض موظفي سفارتها قد غادروا البلاد، كما أنها تقوم بجمع أسماء المواطنين البريطانيين الآخرين الراغبين في مغادرة السودان", ويذكر أن العديد من عمال الإغاثة يقيمون ويعملون في جوبا, كما أخلت وزارة الخارجية الأمريكية ثلاث مجموعات من مواطنيها الأسبوع الماضى ، حيث نقلتهم طائرتان عسكريتان أمريكيتان من طراز سي-130 ،بالإضافة إلى طائرة ثالثة خاصة. كما عززت وزارة الدفاع الأمريكية من أمنها في المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في جوبا, حيث التقت سوزان بيج المبعوثة الأمريكية إلى جنوب السودان بسلفا كير وأعربت عن قلق بلادها إزاء العنف واعتقال السياسيين المعارضين. كما قالت ماري هارف, المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "ندعو القادة السياسيين للبلاد إلى الامتناع عن أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تصعيد في الوضع المتوتر أساساً، أو تغذي العنف", مشيرة إلى أهمية حل الخلافات السياسية بالوسائل السلمية والديمقراطية", ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 400-500 شخص قد قتلوا أثناء الاشتباكات، كما أصيب 800 آخرين.

وقد أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية أن طرفي النزاع في جنوب السودان التقيا للمرة الأولى السبت الماضى في أديس أبابا، قبل بدء المفاوضات المباشرة يوم الأحد الموافق 5/1/2014 بشأن وقف لإطلاق النار يرمي إلى وضع حد لقرابة ثلاثة أسابيع من القتال. وقال وزير الخارجية الإثيوبي تاضروس أضانوم : "نأمل كلنا أن تنجح هذه المفاوضات المباشرة التي بدأت رسميا في تحقيق السلام في جنوب السودان.. ونحن ممتنون لأعضاء وفدي المفاوضات للتقدم الذي أحرز . وجاء اللقاء الأول من نوعه بين وفدي حكومة جنوب السودان والمسلحين المؤيدين لـرياك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير ميارديت في وقت ما زالت فيه المعارك مستمرة بين الطرفين. وبينما قال مشار : إن قواته سيطرت على أربع مناطق غربي العاصمة جوبا، أفادت وكالة الأنباء الفرنسية بوقوع تبادل لإطلاق نار كثيف في المدينة، وأنه سُمع دوي انفجارات سبقها قصف بالمدفعية في الحي الذي يقع فيه القصر الرئاسي ومقر البرلمان وأغلب الوزارات.

يذكر أن محادثات السلام بين طرفي الصراع -التي انطلقت الجمعة الماضية في العاصمة الإثيوبية- من المقرر أن تركز على موعد وكيفية تنفيذ وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه الجانبان مبدئيا. وقال سيوم مسفين وزير الخارجية الإثيوبي السابق والموفد الخاص للهيئة الإقليمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) -التي تقوم بالوساطة في المفاوضات، لقد ناضل المفاوضون من أجل بدء محادثات مباشرة بين الجانبين- إن "الحكومة في جنوب السودان والمعارضة ملتزمتان بتسوية خلافاتهما السياسية عبر الحوار". ورغم أن رئيسيْ وفدي الحكومة والمسلحين تعانقا خلال مراسم افتتاح المفاوضات، وتأكيد إيغاد أن هناك أجواء إيجابية بين الطرفين، فإن البداية المتعثرة للمفاوضات بسبب الاشتباكات المستمرة بين الطرفين قلصت الآمال في إنهاء العنف سريعا. وقد كرر رئيس وفد المسلحين إلى المفاوضات تعبان دينق قاي -في كلمته خلال الافتتاح- الدعوة التي وجهها مشار سابقا لإطلاق سراح سياسيين بارزين، ورفع حالة الطوارئ التي أعلنها سلفاكير في ولايتين بالبلاد. وقال قاي "نطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومنحهم حرية التحرك، وإفساح المجال السياسي لهم للانضمام إلينا هنا"، مؤكدا أن عدم الإفراج عنهم يشكل عقبة أمام نجاح المفاوضات.

ومن جهته، قال رئيس الوفد الحكومي نيهال دينغ إن الحكومة "مستعدة لمناقشة السبل والوسائل" التي من شأنها "وضع نهاية سريعة للصراع المسلح في البلاد"، مضيفا أن المفاوضات ينبغي أن تساعد أيضا في التعامل مع "المظالم السياسية العالقة" في البلاد. وكان وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان مايكل كوي قال في وقت سابق إن الجانبين لن يجلسا إلى طاولة مفاوضات مباشرة ما لم يتم وضع جدول أعمال متفق عليه لهذه المفاوضات، وهو ما أكده أيضا يوهانس موسى بوك المتحدث باسم قوات النائب المنشق مشار. وأعلنت مجموعة إيغاد أن المحادثات ستتناول في مرحلة أولى تنفيذ وقف إطلاق النار -الذي أعلنت حكومة الرئيس سلفاكير في وقت سابق التزامها به- ثم حل الخلافات السياسية التي قادت إلى المواجهة الحالية،

لكن مراقبين يتوقعون أن تستمر المفاوضات أياما عديدة بسبب تعقيدات القضايا التي تتناولها. وقد أعلن نهيال ماجاك نهيال رئيس بلدية بور في جنوب السودان اليوم الأربعاء الموافق 7/1/2014 ،: أن المتمردين الموالين لريك مشار النائب السابق لرئيس البلاد سيطروا على بور عاصمة ولاية جونقلي المضطربة. وأضاف أن قوات الحكومة الموالية للرئيس سلفا كير أجرت "انسحابا تكتيكيا" إلى ثكنات مالوال تشات على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب من بور أمس الثلاثاء بعد اندلاع قتال في وقت سابق من اليوم. وقال نهيال من جوبا عاصمة جنوب السودان والواقعة على بعد 190 كيلومترا جنوبي بور "أجل.. سيطر (المتمردون) على بور." وتضغط قوى غربية وإقليمية على الجانبين لإنهاء القتال الذي أودى بحياة ألف شخص على الأقل وتسبب في خفض انتاج النفط في جنوب السودان وأثار المخاوف من اندلاع حرب أهلية على أساس قبلي في قلب المنطقة الهشة.

وكان وزير الإعلام مايكل ماكوي صرح فى وقت سابق يوم الاثنين الماضى أن مشار يريد السيطرة على بور حتى يكون موقفه قويا خلال محادثات السلام المتوقع أن تبدأ في إثيوبيا اليوم الأربعاء. وقال مسؤولون حكوميون إن القوات الحكومية تشتبك مع ميليشيا "الجيش الأبيض" المنتمية لقبائل النوير والقوات الموالية لبيتر جاديت القائد السابق بالجيش الذي تمرد أيضا على الرئيس سلفا كير عندما اندلع القتال في العاصمة جوبا في 15 ديسمبر ، وامتدت الاشتباكات سريعا وأدت إلى انقسام البلاد بين قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار وقبيلة الدنكا التي ينتمي إليها كير. وتقول منظمات إغاثة إن عشرات الآلاف من المدنيين في بور عبروا نهر النيل الأبيض هربا من القتال وفروا إلى منطقة المستنقعات. لكن هل تنجح المفاوضات بين الطرفين المتنازعين أم أن الأهواء السياسية والحكم وفرض السيطرة هو المتأصل والمتحكم ؟ سؤال نعرف إجابته فى الأسابيع القادمة بين الإخوة الأشقاء فى السابق الأعداء فى الحاضر .