عندما غادر جيرالد دينيس مركز علاج "إيبولا" بعد شفائه من الفيروس القاتل، الذي أودى بحياة أكثر من ألفى شخص في ليبيريا، كان يعتقد أن الجزء الأسوأ من محنته قد انتهى، لكنه كان مخطئا.

وكان "دينيس" (30 عاما)، وهو عامل غير طبي في "مستشفى جون كينيدي الطبي" (جيه. إف. كيه)، في العاصمة مونروفيا، سقط فريسة لفيروس "إيبولا" في أوائل شهر سبتمبر / أيلول الماضي.

وقال في مقابلة مع وكالة الأناضول بمنزله في منطقة "ماتادي" بالعاصمة: "لعلي أصبت بالفيروس عن طريق الاتصال غير المباشر؛ لأنه من الممكن أن تتعرض للإصابة من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر".

وتذكر دينيس كيف بدأ يشعر بحرارة شديدة في يديه، قبل أن تزداد الأمور سوءا؛ حيث عانى آلام حادة في رأسه وأجزاء أخرى من جسده، فضلا عن أعراض الإسهال والقيء.

وإدراكا منه بخطورة الفيروس وأعراضه، قرر تناول بعض الأدوية، لكن درجة حرارته أخذت في الارتفاع، واستمر تصبب العرق من جسده. وأضاف: "في منتصف الليل، كنت أتعرق كثيرا، وبدأت في التقيؤ بعد ذلك".

وفي الصباح، قرر الرجل أن يشق طريقه إلى وحدة معالجة فيروس "إيبولا" بمستشفى "جون كينيدي". وتابع: "إذا طلبت سيارة الإسعاف، كان سيستغرق الأمر منهم عدة أيام، لكي يأتوا ويأخذونني إلى الوحدة العلاجية، لكنني لم أرغب في الموت بمنزلي".

وزاد: "بدلت ملابسي وتمكنت من الخروج إلى الطريق، حيث ركبت دراجة نارية (وسيلة نقل محلية) أقلتني إلى المستشفى". دينيس، الذي اكتشف أن كل الأسرَة في مركز علاج "إيبولا" كانت مشغولة، تذكر ما حدث آنذاك: "قلت لهم إنني لن أغادر، حتى لو تسبب هذا الأمر في موتي هنا، سأفعل"، ولكن لحسن حظه توفي أحد المرضى وأصبح السرير متاحا.

"كنت أرى بعض الأشخاص يبكون إلى جواري، بينما كان البعض يحتضرون تقريبا"، يمضي الناجي من الفيروس مستذكرا ما حدث. ومنذ بدء تفشي "إيبولا" في ليبيريا في الثاني من يونيو/ حزيران الماضي، قتل الفيروس أكثر من 2316 شخص، وفقا للسلطات الصحية، بينما نجا أكثر من 200 آخرين بفضل وحدات العلاج المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

وبفضل إيمانه القوي والصلاة المستمرة والمكالمات الهاتفية بانتظام إلى راعيه في الكنيسة، تمكن دينيس من استعادة صحته عبر تناول الأدوية التي تعاطاها أثناء تواجده في المستشفى.

وأردف: "كنت أقود الصلوات، وأولئك الذين يقدرون على مغادرة أسرتهم والمشي من أجل الانضمام إلينا كانوا يأتون صباحا ومساء في وقت الصلاة، التي أعتقد أنها ساعدتني بينما كنت أتعاطى دوائي، أنا مسيحي قوي الإيمان، وأؤمن كثيرا بقدرة الرب".

في اليوم الذي غادر فيه المستشفى، شعر دينيس بأنه أسعد الرجال على وجه الأرض.

"أنا فخور بأنني أحد الناجين من فيروس إيبولا"، قالها دينيس، وهو يظهر شهادة وإذن مغادرة المستشفى الذي تصدره وزارة الصحة الليبيرية لجميع المرضى الذين ثبتت إصابتهم بفيروس "إيبولا" وتلقوا العلاج وغادروا المستشفى.

وأضاف: "نحصل على شهادة وبطاقة خروج، ويطلبون منا أن نعود إلى مجتمعنا، ومن المفترض أن تكون هذه الوثائق بمثابة دليل على أن الشخص لم يعد ناقلا للعدوى إلى أسرته أو مجتمعه".

وأشار دينيس إلى أنه عندما وصل إلى البيت، وبدأ الاحتفال مع أقاربه، كان أفراد المجتمع ينظرون باستغراب من بعيد، لكن سعادته لم تدم طويلا، حيث بدأ يشعر على الفور بأنه موصوم ومنبوذ من قبل جيرانه بعد عودته إلى المجتمع من وحدة علاج فيروس "إيبولا".

بدأت المتاعب بعد يومين من مغادرته المستشفى.

وحول ذلك، قال: "بعد ظهر ذلك اليوم، جاء أحد جيراني ويدعي فرانك إلى بيتي وطلب مني أن أعتذر لكل الجيران؛ لأنه عندما تم نقلي إلى المستشفى، قالت عائلتي لهم إنني مصاب بالبرد، وهذا يعني أن عائلتي أرادت قتلهم".

لكن دينيس سأل جاره (فرانك): كم فردا في مجتمعهم سقط ضحية لفيروس "إيبولا" نتيجة لمرضه، حتى يطلبون اعتذارا منه؟، قبل أن يتطور النقاش لاحقا إلى معركة أصيب فيها دينيس بإصابات بالغة، قبل أن يتدخل أخوه وأقارب آخرين.

وأعرب دينيس عن أسفه؛ لأن بقية أفراد المجتمع كانوا يسبونه علنا، ويسمونه (رجل إيبولا)، بينما أخبره البعض أنهم لن يأتوا أو يرسلوا أطفالهم إلى بيته، كما تجنبه أصدقائه منذ عودته.

وتابع بمرارة قائلا: "باعتبارنا ناجين من فيروس إيبولا، يصمنا جيراننا بالعار، ويحطون من شأننا، ولكنني لم أشتر مرض إيبولا".

في الوقت الراهن، لا يعمل دينيس، ولا يفعل شيئا لإعالة أسرته، ويعتمد فقط على المساعدات الغذائية التي يتلقاها من مؤسسة "إيما سميث" (خيرية) لإعادة التأهيل. وحذر دينيس من تفاقم أزمة إيبولا الجارية في البلاد، إذا لم يتم السيطرة على نظرة العار والتمييز ضد الناجين من الفيروس، والتعامل مع الناجين بشكل صحيح.

وبين أن مريض "إيبولا" عندما يغادر المركز العلاجي، يمتنع عن ممارسة الجنس لمدة ثلاثة أشهر؛ لأن فرصة انتقال العدوى إلى آخرين عالية للغاية. وأعرب دينيس عن خوفه من أنه إذا ما استمرت المجتمعات في وصم الناجين من "إيبولا"، ربما يقدم بعض الرجال على إصابة النساء وغيرهم من الناس عمدا.

وأتبع: "أنا أخشى الرب، وأنا مسيحي، ولا يمكنني أن أفعل ذلك، ولكن إذا لم يتوقف وصمنا بالعار، فإن الأمور ستزداد سوءا مع انتشار الفيروس؛ لأن البعض سيرغبون في الانتقام".

وتتعاون مؤسسة "إيما سميث" حاليا مع دينيس في برامج التوعية والإرشاد في جميع أنحاء المجتمعات المحلية، وخاصة عبر البرامج الإذاعية الحوارية. من جانبها، قالت المديرة التنفيذية للمؤسسة، واسمها أيضا، إيما سميث، وهي موسيقية شابة، إنها سمعت الكثير من قصص الوصم بالعار والتمييز ضد الناجين من "إيبولا".

وأضافت في حديث لوكالة الأناضول: "حتى أنا، الناس في مجتمعي يخشون الاقتراب مني؛ لأنهم سمعوا أنني أعمل مع الناجين من إيبولا، وأزور وحدات علاج الفيروس".

واختتمت بالقول: "الوصم بالعار شيء خطير للغاية، وربما تكون معركة أخرى علينا أن نخوضها". وفي أحدث حصيلة لها، قالت منظمة الصحة العالمية، أول أمس، إن فيروس "إيبولا" أودى بحياة 4493 شخصًا في غرب أفريقيا، من بين 8997 حالة مؤكدة ومحتملة ومشتبها في إصابتها بالفيروس.

و"إيبولا" من الفيروسات الخطيرة، والقاتلة، حيث تصل نسبة الوفيات من بين المصابين به إلى (90%)، وذلك نتيجة لنزيف الدم المتواصل من جميع مخارج الجسم، خلال الفترة الأولى من العدوى.

وبدأت الموجة الحالية من الإصابات بالفيروس في غينيا في ديسمبر/كانون أول الماضي، قبل أن تمتد إلى ليبيريا، نيجيريا، سيراليون، السنغال، الكونغو الديمقراطية، ومؤخرا وصل إلى إسبانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة.