منذ أحداث عام 2011 والإطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي اجتاح ليبيا العنف وعدم الاستقرار السياسي. وقد أثارت المصادمات الأخيرة التي اندلعت في العاصمة طرابلس مخاوف بشأن مستقبل البلاد.

وعلى الرغم من وهم الأمن الذي تم توطيده خلال العام الماضي في العاصمة الليبية طرابلس ، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة  مما أسفر عن مقتل العشرات وهدم المنازل والمساجد وتدمير البنية التحتية في المدنية.

وقد تطورت الحالة الأمنية قبل ذلك بشكل إيجابي، حيث تناقصت المعارك الرئيسية بدرجة كبيرة عندما وافقت بعض الفصائل المسلحة على التعاون مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا، وبدأت الأنشطة الدبلوماسية والسياسية تستأنف تدريجيا في العاصمة. إلا أن هذه الاشتباكات الأخيرة تؤكد على التجزؤ المستمر للجماعات المسلحة التي تسيطر على طرابلس وتتنافس على السلطة.

الميليشيات والمنافسة اللامتناهية على السلطة

والمعارك الحالية شهد معارك بين الميليشيات المحلية من العاصمة ضد اللواء السابع من ترهونة  جنوب شرق طرابلس. في رد فعل من الأخير على التركيز المتزايد للسلطة والثروة في أيدي مجموعة أضيق من الجماعات المسلحة. وأفادت التقارير بأن الجماعات المسلحة في طرابلس قد سيطرت على البنية التحتية الرئيسية مثل المطار والوزارات والبنوك  وبالتالي تمكنت من الوصول إلى الأموال بأسعار مناسبة ووضع مؤيديها في مواقع إستراتيجية داخل الإدارة الليبية.

وحتى قبل اندلاع القتال الأخير كانت المليشيات تستخدم العنف بالفعل في محاولة لتوسيع نطاق سيطرتها على المؤسسات الرئيسية. اختطفت مجموعات مسلحة عدة مسئولين  مثل رئيس وزراء سابق أو رئيس بلدية طرابلس  وكذلك السلطات الدينية  في حين استقال آخرون رداً على التهديدات.

وأكد الموقع الأمريكي على أن القوة المتزايدة للمليشيات بعد الثورة، والمنافسة المتزايدة بينهم برزت كواحدة من العقبات الرئيسية أمام تحقيق الاستقرار في ليبيا وبناء مؤسسات جديدة. ونظراً لأهميتها في الوضع العسكري والسياسي في ليبيا لا يمكن الوصول إلى الاستقرار في البلد ما دامت مسألة إصلاح القطاع الأمني  والمسألة المرتبطة بإعادة دمج الميليشيات في المجتمع لن يتم التصدي لها على النحو الملائم. وحتى الآن لم تتمكن أي من الخطط التي اقترحها المجتمع الدولي في التغلب على الهشاشة الواضحة للمؤسسات التي خلفها النظام.

 إشراك المجتمع الدولي

كما أن مسألة الميليشيات تحد من صلاحية المقترحات المقدمة من المجتمع الدولي. وتضغط فرنسا من أجل إجراء الانتخابات بحلول ديسمبر المقبل، وقد استضافت قمة لتعزيز هذا الموقف. لكن في ضوء التنافس المستمر على السلطة من المرجح أن تحاول الميليشيات التدخل في العملية الانتخابية لتجنب فقدان قبضتها على المشهد السياسي الليبي.

ومنذ بداية أحداث عام 2011 كانت الدول الأجنبية متورطة بشدة في ليبيا. في حين تدخلت الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ضد القذافي، فإنهم يتبنون الآن وجهات نظر متباينة حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل ليبيا. كما تدخلت  تركيا و قطر عبر دعم خصوم قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر.

ما هي الخطوة التالية لليبيا؟

يجب إضافة التوترات المفصلة أعلاه إلى التوترات القائمة بالفعل بين حكومة طرابلس التي تدعمها الأمم المتحدة ومجلس النواب في طبرق. لذا يبدو أن ليبيا تحولت إلى صراع من أجل السلطة  بين الميليشيات وكذلك بين الأطراف الدولية والإقليمية. إن تدهور الأوضاع الأمنية في البلد هو انعكاس مباشر لهذه التشكيلة.

ولذلك يبقى السلام أملاً بعيد المنال جداً في ليبيا. على الرغم من موافقة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج  وحفتر على وقف إطلاق النار وعلى الانتخابات المستقبلية  فإن البلاد لا تزال منقسمة إلى حد كبير. ولا يزال يتعين التوصل إلى إجماع سياسي قبل إعادة بناء النظام السياسي والبنية التحتية الوطنية. وبالإضافة إلى مصالح مختلف الجهات الفاعلة المتباينة  تواجه ليبيا أزمة اقتصادية حادة تفاقمت في الصيف الماضي عندما انتقل القتال إلى "الهلال النفطي" في البلاد مما أدى إلى انخفاض صادرات النفط وتهديد كبير للاقتصاد الهش بالفعل. أبرزت هذه الأحداث الأبعاد المتعددة للأزمة الليبية السياسية والعسكرية والاقتصادية. وطالما بقيت أي من هذه المشاكل دون حل فإن السلام لن يكون إلا مؤقتًا في ليبيا.


*موقع "بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤول عن محتوى المواد والتقارير المترجمة