منذ أيّام، كان الرئيس التركي يتحدث في منتدى باسطنبول عن "حق" بلاده في التواجد بدول من بينها سوريا وليبيا، قائلا: "تركيا لا تتحمل مسؤوليتها في موقعها وجغرافيتها فقط، وإنما في كل أنحاء العالم، ونستخدم كل القدرات الموجودة، ولهذا السبب نحن في سوريا، ولهذا السبب نحن في أفريقيا وليبيا والبلقان وأفغانستان، في جميع أنحاء جغرافيتنا القديمة".

هذه التصريحات التي تلقفها الليبيون باستهجان واسع وغضب كبير، وصفت بأنها الأشدّ "صراحة" في بوحها الإستعماري وفي كشفها على النوايا الحقيقية لتركيا ومشروعها في ليبيا. 

هذا الخطاب الاستعلائي والاستعماري الحربي التركي، بدأ يتكثّف ويتكشّفُ -خاصة- وبشكل صريح وفج، مع بداية معركة طرابلس التي أعلنها الجيش الليبي منذ أشهر ضد الميليشيات والجماعات الارهابية في العاصمة. 

بدايةً، وفي الرابع من  شهر أفريل الماضي، أطلق الجيش الوطني الليبي "عملية تحرير طرابلس" والتي قال إنّها تهدف إلى "تطهير العاصمة من الميليشيات والإرهابيين". ولازالت المعارك متواصلة بعد عدّة أسبايع في مختلف المحاور الجنوبية والغربيّة للعاصمة. 

وبعد سيطرة الجيش على مطار طرابلس العالمي، بدا تقدّمه بطيئا وسط كر وفر مع القوّات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وسط مساعٍ دوليّة لوقف إطلاق النار، والتي أجاب عنها المشير خليفة حفتر في زيارته الأخيرة إلى باريس بالرّفض المطلق، بحجّة أن "شروط وقف إطلاق النار لم تجتمع بعد".

في حين فسّر المشير خليفة القائد العام للجيش الليبي رفضه لوقف إطلاق النار، بالقول أنّ حكومة الوفاق الوطني قد "تم بلعها بالكامل من قبل الميليشيات" التي تسيطر على طرابلس، تساءل"مع من يتفاوض لوقف إطلاق النار في ظل هذه الظروف؟".

ويصرُّ الجيش الليبي على أنّ هذه الحرب هي حرب لإستعادة العاصمة من "الميليشيات" و"الإرهابيين" متهما حكومة الوفاق بأنها تمثّل واجهة للمشروع القطري والتركي في ليبيا، وأنّها أصبحت أداة بيد الجماعات الإسلاميّة والإرهابية.

وفي هذا السياق، نشر المحلل والباحث في مؤسسة دراسات الشرق الأوسط FEMO جيرار فسبير، مقالا في صحيفة لوموند أفريك Mondafrique الفرنسية تحدّث فيه عن ما أسماهم "عرّابي" الميلشيات المسيطرة على المنطقة الغربية في ليبيا، في إشارة إلى كلّ من تركيا وقطر .

وقال جيرار فسبير في مقاله إنّ "وسائل الإعلام الدولية غطت بشكل مكثف تقدم قوات المشير خليفة حفتر، المدعومة بدعمها الدولي، في انتقالها إلى طرابلس. ولكن هناك جانبًا رئيسيًا آخر من جوانب الوضع الليبي الحالي لم يُناقش كثيرًا، ألا وهو الدور الذي تلعبه المليشيات المتطرفة في العاصمة طرابلس وفي غرب البلاد".

وأضاف فسبير    في مقاله: "بحكم الأمر الواقع، الميليشيات تعمل خارج سلطة وسيطرة الحكومة المعترف بها والمدعومة من الأمم المتحدة. يتم دعمهم من قبل رعاة دوليين خاصة بهم، وبالتحديد قطر وتركيا".

وتابع قائلا: "في حالة قطر، وفقًا لرويترز، فإن هذا الدعم يتحقق من خلال الإمداد المباشر بالأسلحة. لكن الدعم القطري لا يقتصر على توريد الأسلحة. فبين عامي 2011 و 2017، تشير التقديرات إلى أن الدعم المالي المقدم من الدوحة لهذه المجموعات تجاوز 750 مليون يورو".

أما بالنسبة لتركيا، يضيف فسبير بالقول: "فقد تم توضيح ذلك أيضًا من خلال تسليم الأسلحة وفقًا لوكالة رويترز، وحتى الترامادول ، وهو مادة الأفيون المشهورة التي استخدمت كمنشط وغالبًا ما يتم إدارتها للجهاديين من إفريقيا أو الشرق الأوسط. ويحدث بانتظام أن السفن التركية تُشاهد قبالة الساحل الليبي".

ويضيف أنّ "هذه الدعامات، وكذلك أعمال الميليشيات على الأرض، تجعل الحياة اليومية لليبيين في غرب البلاد أكثر صعوبة. وكل هذا يقوض الجهود الرامية إلى تشكيل دولة مركزية متماسكة، ويعرض الأمن الإقليمي للخطر".

كما كشفت الصحيفة ذاتها نهاية شهر أفريل الماضي، أنّ "هجوم المشير حفتر ضد الميليشيات الإسلامية في طرابلس أثار تدويلًا مزعجًا لهذا الصراع".

وقالت الصحيفة أن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، أعلن أن ميليشيات طرابلس تلقت لتوها طائرات بدون طيار قادرة على نقل وإلقاء القنابل، من قبل الجيش التركي.

وأضاف تقرير الصحيفة أنّ عمليات التسليم للمليشيات الإسلامية، تأتي في أعقاب وعد الرئيس التركي أردوغان بوضع قدرات بلاده تحت تصرف الميليشيات الإسلامية في طرابلس للتعامل مع هجوم حفتر.

إلى ذلك أكّد الكاتب والمحلل السياسي الليبي الدتور مصطفي الفيتوري في مقال أسبوعي له على منصّة "ميدل إيست مونيتور" أنّ "حفتر محق بشأن وجود إرهابيين وميليشيات في طرابلس".

وقال الفيتوري أنّه "وبمجرد وصولها إلى العاصمة وجدت حكومة الوفاق الوطني نفسها تحت رحمة الميليشيات. أتذكر في أبريل 2016  أخبرني هاشم بشر ، أحد قادة لواء ثوار طرابلس  كيف أمضى أيامًا للتفاوض مع الميليشيات الأخرى للسماح لحكومة الوفاق بالقدوم إلى طرابلس".

مضيفًا أنّه "ونتيجة لذلك أصبحت حكومة الوفاق الوطني أداة سياسية تتمتع بالدعم الدولي، ولكن في الواقع يقودها تحالف من الميليشيات. وفشلت في تنفيذ بند في الاتفاق السياسي يدعو إلى حل الميليشيات ونزع سلاحها في طرابلس".

ولا تخفي هذه الميلشيات ولا حكومة الوفاق الوطني تلقيها الدّعم الدّولي في خرق واضح لقرار حظر السلاح على البلاد، ويعتبر الدعم التركي للمليشيات المسلحة والعناصر الارهابية الأكثر حضورا على الساحة الليبية،حيث وصلت، منذ أسابيع، سفينة قادمة من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها المعاقب دوليّا صلاح بادي، وذلك استعدادا لعملية موسعة تستعدّ قوات حكومة الوفاق لها، للهجوم على الجيش الليبي ومنعه من تحرير العاصمة من الإرهاب.

وتضمّنت هذه الشحنة من العتاد الحربي، مدرعات من نوع “بي.أم.سي كيربي” التركية الصنع، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار، وذلك في خرق صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي المُتعلق بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا بموجب الفصل السابع الصادر في العام 2011.

وعقب ذلك زاد أردوغان من حدة تصريحاته حيث أكد خلال اتصال هاتفي برئيس الحكومة، فائز السراج إن "بلاده ستسخّر كل الإمكانيات لدعم الحكومة الشرعية (الوفاق)، وأنها ستقف بكل حزم إلى جانب الليبيين لمنع المؤامرة وصد العدوان ضد "طرابلس"، وأنه لا وجود لحل عسكري في ليبيا، وأن المسار السياسي هو المسار الوحيد لبناء الدولة المدنية".بحسب زعمه.

وكشفت الشحنة العسكرية الأخيرة حقيقة الإمكانيات التي تحدث عنها أردوغان،حيث يصر الرئيس التركي على دعم المليشيات والعناصر الإرهابية عبر إغراق البلد في فوضى السلاح التي تمكن تركيا من نهب ثروات ليبيا عبر أذرعها التخريبية وعلى رأسها جماعة "الإخوان" التي صنفت مؤخرا من طرف مجلس النواب جماعة إرهابية.

ومنذ العام 2011،انخرطت تركيا في الأزمة الليبية وبحثت عن موطئ قدم لها أملا في أن يوفر لها هذا البلد الغني مصدر تمويل لاقتصادها المهتز في ظل العقوبات الدولية.ومثلت المليشيات المسلحة اليد الطولى التي سعت من خلالها تركيا لنهب الثروات الليبية ولذلك كانت تدعمها بالسلاح لفرض نفوذها.