تدفع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في مصر، الشباب إلى الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا،في محاولة لتحسين أوضاعهم المادية، لكن الكثير منهم يفشل في الوصول إلى بر الأمان والعثور على فرصة عمل،ليكون عرضة للضياع في الصحراء الشاسعة تحت درجات الحرارة المرتفعة والرمال القاتلة.

وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من قبل الحكومة المصرية، لكن حتى الآن يُفضل عدد كبير من الشباب المصري السفر إلى ليبيا بحثاً عن العمل، متجاهلين المصير الغامض والمجهول الذي ربما يقودهم في النهاية إلى أن يدفعوا حياتهم ثمناً لمغامرة غير محسوبة في صحراء ليبيا القاتلة.

ففي حادثة جديدة،عثرت السلطات الليبية،على جثث 3 مصريين من منطقة الفيوم والمنيا، ملقاة في منطقة صحراوية وبجوارها جوازات السفر، تبعد عن الجغبوب بحوالي 100 كم، وذلك من طرف مكتب "سرايا حرس الحدود" بجغبوب، التابع لمصلحة الجمارك، وتم الإبلاغ عنهم في مركز الشرطة بالواحة يوم الجمعة قبل الماضي.

وقال مكتب الجمارك الليبية فى بيان صحفى، أن المواطنين المصريين الذين عثر على جثثهم تم ابلاغ مركز شرطة الجغبوب عن اختفائهم يوم الجمعة الموافق 20 يوليو الجارى، موضحا أن سرايا حرس الحدود تعرفت على هويات الضحايا عبر البطاقات الشخصية التى كانت بحوزتهم..

وأشار مكتب الجمارك الليبية إلى انه تم دفن جثث المواطنين المصريين الثلاثة فى الصحراء، موضحا أن دوريات مشتركة قامت بها قوات الشرطة الليبية بالتعاون مع قوات حرس الحدود عقب تقديم البلاغ، مؤكدا أن السلطات الليبية عثرت على الجثث شبه متحللة بسبب حرارة الشمس الحارقة فى تلك المنطقة الصحراوية القاحلة.

وبحسب الصور التي تم نشرها، بدت الجثث متعفنة ومتآكلة نتيجة حرارة الشمس وبدا على الضحايا الموت بسبب الجوع والعطش، نتيجة السير والضياع في دروب صحراوية في رحلة، بهدف دخول البلاد بطريقة غير شرعية.

تحذيرات

وتصاعدت وتيرة عمليات الهجرة غير الشرعية من مصر إلى ليبيا،في ظل الإنفلات الأمني،وإنتشار عصابات التهريب.ويخضع المصريين القادمين إلى ليبيا لتضليل المهربين، الذين يتركونهم في عمق الصحراء المشتركة بين مصر وليبيا، ولمسافات طويلة يسيرون على أقدامهم دون ماء أو طعام، مما يعرضهم لخطر الموت في رحلتهم التي قد تكون الأخيرة في هذه الحياة.

وقال مسئول عسكرى ليبى لـ"اليوم السابع"، أن المواطنين المصريين دخلوا إلى ليبيا بطريقة غير شرعية، محذرا من الانسياق وراء عصابات تهريب البشر التى تنشط فى تلك المنطقة، مؤكدا أن السلطات الليبية تقوم بدوريات مكثفة فى تلك المنطقة لمنع تسلل أى عناصر من ليبيا إلى مصر أو العكس.

وأكد المصدر الليبى أن وزير الداخلية فى الحكومة الليبية المؤقتة المستشار ابراهيم بوشناف قد وجه بضرورة ضبط الحدود المشتركة  بين مصر وليبيا، موضحا أن الجانب الليبى يقوم بجهود مكثفة خلال الفترة الأخيرة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

ويتخذ كثير من سماسرة الهجرة غير الشرعية ليبيا محطة عبور للمهاجرين عبر البحر المتوسط إلى السواحل الجنوبية لأوروبا، مستغلين حالة الفوضى الأمنية التي تعيشها ليبيا في الفترة الأخيرة، وقرب السواحل الليبية من سواحل إيطاليا.وكانت السلطات الليبية طالبت مصر ودول الجوار بتشديد الإجراءات الأمنية من أجل إحباط الهجرة غير الشرعية إليها، في ظل التدهور الأمني الذي تشهده الأراضي الليبية.

وكانت وزارة الخارجية المصرية، حذّرت في أكثر من مناسبة، رعاياها من استمرار الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا نظرا للظروف الحالية التي تمر بها البلاد، ودعت المصريين إلى عدم الانسياق وراء عصابات ترويج السفر التي تقوم بتسفير الشباب إلى ليبيا عن طريق الدروب الصحراوية، ثم تتركهم في الصحراء مما يؤدي في النهاية إلى تعريض حياتهم للخطر.

وكانت الحكومة المصرية أصدرت في عام 2015 قراراً بمنع سفر الأفراد والشاحنات إلى ليبيا حفاظًا على سلامتهم وأمنهم، بعد تزايد الاعتداء على المصريين واحتجاز الشاحنات في ظل تدهور الأحوال الأمنية هناك، خاصة عقب تعرض 21 مصريًا للذبح على يد الجماعات الإرهابية هناك في 16 فبراير 2015.

سلسلة متواصلة

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها،فقد سبقتها حوادث عدة كان ضحاياها مواطنين يعيشون في ليبيا، أو يسعون للهجرة إلى أوروبا.ففي يوليو 2015 أعلنت منظمة الهلال الأحمر الليبي العثور على 48 جثة لمهاجر غير شرعي، أغلبهم من مصر، في منطقة صحراوية تقع بين مدينتي أجدابيا وطبرق، وأفيد بأنهم ماتوا من العطش.وبعد العثور على متعلقاتهم، اكتشفت السلطات أن أغلب المتوفين منحدرون من محافظات صعيد مصر، خاصة أسيوط والمنيا وبني سويف.

وفي يوليو من العام 2017،عثرت منظمة الهلال الأحمر الليبي على جثامين 48 مهاجرا غير شرعي من مصر ملقاة في الصحراء جنوب مدينة أجدابيا شرق ليبيا،وأشارت المنظمة إلى أن "الضحايا كانوا في طريقهم إلى ليبيا بطرق غير شرعية للعمل هناك".وأشار الهلال الأحمر الليبي، في بيان، إلى "أن الضحايا مصريون من محافظات أسيوط والمنيا وبني سويف وكفر الشيخ، وكانت جثثهم بالصحراء على شكل مجموعات في مناطق قريبة من بعضها".

وفي سبتمبر من نفس العام أعلنت قوات الأمن الليبية عثورها على 16 جثة لمهاجرين مصريين في الصحراء قرب حدود ليبيا مع مصر، وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي المتمركز في شرق ليبيا إنه جرى العثور على الجثث على بعد نحو 310 كيلومترات جنوب غربي مدينة طبرق الساحلية، ولم تحدد جمعية الهلال الأحمر وقتها تاريخ وقوع الحادث، إلا أنها قالت إن الجثث التي وجدت متحللة.

ودفعت الأزمة الاقتصادية، التي تعانيها مصر، مئات آلاف البسطاء والمهمّشين إلى ترك بلدهم بحثاً عن المجهول في ليبيا، ضاربين عرض الحائط بتحذيرات السلطات.وبحسب تقارير اعلامية لا توجد تقديرات رسمية لأعداد المصريين الذين غادروا إلى ليبيا، فأغلبهم تسللوا عبر المسالك الحدودية بواسطة سماسرة في الجانبين.

ورغم مشاهد جثث المهاجرين غير الشرعيين التي يقذفها البحر أو تبتلعها الصحراء والتي تكاد تكون مشاهد يومية مازال الناس يغامرون بحياتهم من أجل رحلة غير مضمونة العواقب.

ويجمع أغلب هؤلاء على إن ضيق الحال وعدم وجود فرصة عمل بدخل مناسب يعد السبب الرئيسي وراء المغامرة والسفر إلى ليبيا بحثاً عن العمل، وكل ما يدور في ذهن المسافر هو إيجاد فرصة عمل بصرف النظر عن أي مخاطر محتملة ومتوقعة وربما أكيدة خصوصًا وأن السفر لا يتم بشكل مشروع ويكون من خلال التجار والمهربين.

والحدود المصرية الليبية هي عبارة عن شريط حدودي بطول 1049 كيلو مترا، الأمر الذي يجعل كل تلك المساحة الشاسعة مهددة بعمليات اختراق وتهريب بخاصة في ظل الفوضى الليبية التي مثلت بيئة مناسبة لإنتشار العصابات والتنظمات الإرهابية.وخلال السنوات الماضية سقط العديد من المصريين، ضحايا لأسباب عدة، منها التيه في الصحراء أو العطش والجوع أو الاختطاف من العصابات المنتشرة أو السقوط في يد داعش والجماعات المتطرفة أو الغرق في البحر إذا حاولوا الهجرة إلى أوروبا.