تمت مؤخرا محاكمة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بتهم التنصت والفساد. إنها المرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي يمثل فيها رئيس لفرنسا أمام العدالة بتهم الفساد، رفقة صديقه ومحاميه تيري إيرزوغ والقاضي السابق جيلبير ايزيبيرغ.

الرجال الثلاثة متابعون بتهم التنصت ومحاولة تغيير مسار العدالة في ملف قضائي آخر يهدد ساركوزي هو الشبهات بحصوله على تمويل ليبي لحملته الرئاسية في سنة 2007. حيثيات الملف تعود الى سنة 2004، عندما كان ساركوزي رهن التحقيق في ملف التمويل الليبي، اكتشف المحققون أنه يتوفر على خط هاتفي سري باسم بوب بيسميث وهو اسم لصديق له من زمن الدراسة. 

أصبح ساركوزي ثاني رئيس فرنسي سابق يحاكم في عهد الجمهورية الخامسة بعد الرئيس الراحل جاك شيراك، في إطار قضية تشهد منذ سنوات متابعة واسعة على الساحة السياسية الفرنسية، تعرف " بقضية التنصت". وأصدرت المحكمة حكمها بإدانة الرئيس السابق في جريمتي الفساد واستغلال النفوذ وقضت المحكمة بسجن الرئيس السابق ثلاث سنوات بينها اثنتان مع وقف التنفيذ.

تعود القضية الى  8 ديسمبر الماضي عندما طالب مكتب المدعي العام بسجن نيكولا ساركوزي البالغ من العمر 66 عامًا لمدة أربع سنوات، اثنتان منها نافذتان معتبرا أن هذه القضية انعكست على صورة الرئاسة الفرنسية، كما طالب أيضا بحبس المتهمين الآخرين في القضية. وهما القاضي السابق جيلبير أزيبير ومحامي ساركوزي تييري هرتزوغ، طالبا إرفاق العقوبة بمنعه من ممارسة المهنة لمدة خمس سنوات.

وفي 17 مارس القادم،سيحاكم ساركوزي في قضية "بيغماليون"، والمتعلقة بشبهات حول تكاليف تمويل حملته الرئاسية لعام 2012.  خلال التحقيق تم تسجيل 10 محادثات لساركوزي ومحاميه، أثبتت إبرام "اتفاقيات فساد" بين الأطراف الثلاثة: نيكولا ساركوزي ومحاميه وقاضي التحقيق السابق جيلبير أزيبير.

وحسب المدعي العام، نقل قاضي التحقيق السابق أزيبير عبر المحامي هيرتزوغ معلومات سرية وحاول التأثير على استئناف قضائي قدمه نيكولا ساركوزي، على هامش قضية الثرية ليليان بيتانكور. وفي المقابل، وافق ساركوزي على دعم ترشيح أزيبير، الذي كان حينذاك مدعيا عاما، للحصول على منصب مرموق في إمارة موناكو. وتضمنت إحدى الرسائل التي تمت قراءتها في جلسة الاستماع، جملة قالها هيرتزوغ بشأن القاضي أزيبير "لقد قام بعمل جيد". في حين قال نيكولا ساركوزي في مناسبة أخرى: "سأساهم في ترقيته".

محامو الدفاع اعتبروا هذه المحادثات مجرد "دردشة بين أصدقاء"، وسخروا من "الأوهام" و"الافتراضات" التي قدمها الادعاء العام في هذه القضية. واستنادا إلى فريق الدفاع فإن هناك غياب واضح للأدلة ولذلك طالبوا بإخلاء سبيل المتهمين الذين كانوا يواجهون في حال إدانتهم عقوبة أقصاها عشر سنوات من السجن وغرامة قدرها مليون يورو.

كما أصدر القضاة نفس العقوبة على قاضي التحقيق السابق جيلبير أزيبير والمحامي التاريخي للرئيس السابق تييري هيرتزوغ الذي نال حكما بالمنع من مزاولة عمله كمحامي لمدة خمس سنوات. كما أدينوا بخرق أسرار المهنة. وكان فريق الدفاع قد وصف تهم الادعاء بالـ"قمامة" وطالب بإلغاء إجراءات التتبع على أساس أن التنصت على المكالمات الهاتفية "غير قانوني" لأنه ينتهك سرية المبادلات بين المحامي وموكليه. وطلب الادعاء حبس المتّهمين الآخرين في القضية.  وفي جلسة الإثنين، قال ساركوزي الذي تولى الرئاسة الفرنسية بين عامي 2007 و2012، إنه غير متورط "بأي فساد" وتعهد المضي قدما "حتى النهاية" لإثبات براءته.

وعبر أمام هيئة المحكمة عن ارتياحه لإمكان حصوله على محاكمة عادلة بعد "تمريغ سمعته لستة أعوام"، وتساءل "ما الذي فعلته لأستحق هذا؟". كما استنكر ساركوزي المحادثات الهاتفية المسجلة. وبعد اعلان الحكم بثلاث سنوات سجن منها سنة نافذة، قدم محامو ساركوزي ملف استئناف، والقضية مازالت مفتوحة.

يعتبر المجتمع الفرنسي ان هذه المحاكمة هي انتصار للعدالة، فمحاكمة الرئيس السابق، رفقة محاميه وقاض هي بمثابة تضييق الخناق على كل من ينوي الفساد في المجتمع الفرنسي. واثبات مصداقية العدالة، فمتى تستيقض عدالتنا؟