إنهم يخترفون مجتمعنا بكل ما لديهم من وسائل ، بما في ذلك الجمعيات الخيرية والإنسانية التي تخدم أهدافا إرهابية  ضمن مشروع إمبرطوري عثماني جديد يلتحف برداء الإسلام السياسي  بتلك الكلمات تحدث ناشط من مدينة مصراتة الليبية  مضيفا  "الغريب أن تركيا تسرق ثرواتنا لتتصدق علينا ببعض منها ، ولتجعل من مساعداتها جسرا لمزيد التغلغل في المجتمع "

منذ أيام أطلقت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) بالتعاون مع الهيئة الوطنية للتعليم التقني والفني التابعة لوزارة التعليم بحكومة الوفاق الليبية، مشروعا للتدريب المهني في كلية التقنية الصناعية بمدينة مصراتة، شرق العاصمة طرابلس، الهدف منه  تنظيم دورات في صيانة الأجهزة الكهربائية والطاقة المتجددة ، بمشاركة   100 متدرب يمثلون عدة مناطق ومدن ليبية.

ونشاط الوكالة التركية في ليبيا يعود الى تاريخ الإطاحة بالنظام السابق في 2011 ، فخلال تلك الفترة  وبينما كان الفوضى تعم البلاد ، إخترقت « تيكا » الفضاء العام في ليبيا من خلال مشاريعها المكثفة التي كانت تستهدف مدنا بعينها لخصوصيتها الثقافية أو الجغرافية مثل العاصمة طرابلس ، وغدامس المتاخمة للمثلث الحدودي مع تونس والجزائر ، ومصراتة ذات العلاقة الإستراتيجية مع تركيا ، وسرت ذات الأهمية الإستراتيجية في وسط البلاد ، وإقليم فزان الجنوبي الذي يمثل بوابة الصحراء الكبرى ، الى جانب إبداء إهتمام خاص بالإقليات العرقية التي يحاول الأتراك إختراقهم لخدمة أجندتهم في البلاد.

وقدمت تيكا  نفسها لليبيين بالقول : « اعتزازا من الحكومة التركية بالأخوة والصداقة العريقة ووحدة الدين بين الشعبين الليبي والتركي ومن خلال الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) يسرنا أن نمد يد العون والدعم الحر والصريح واللا متناهي للأشقاء الليبيين للإسهام في إعمار ليبيا الدولة والإنسان في جميع مناحي الحياة وذلك لخبرة تركيا الطويلة في تطوير وإنشاء البنية التحتية السليمة في مختلف مجالات الحياة للدولة والإنسان. حيث أن الوكالة على استعداد تام لتسخير كافة الإمكانيات اللازمة من خبرات وكوادر تركية ذوي الخبرة العالية في جميع المجالات الصحية ،التعليمية ،الزراعية، العمرانية،التخطيط،  المواصلات ، الاتصالات ، السياحة، الحكم المحلي ، التعليم العالي وتوفير التدريب المهني لتأهيل الكوادر الليبية وتطوير الموارد البشرية من رجال ونساء في شتى المجالات لبناء البلاد, وذلك بإشراف طواقم وكوادر تركية ذوي خبرات مهنية وذلك من خلال تنسيق دورات تعليمية منهجية مبرمجة ومجانية سواء على الأراضي الليبية أو على الأراضي التركية لمشاهدة الأمثلة الحية على أرض تركيا حسب المتطلبات ».

يرى المراقبون أن « تيكا » التي تنشط في أكثر من 50 دولة تحولت الى حصان طروادة الذي يستعمله أردوغان في خدمة مشروعه التوسعي بغطاء إخواني ، كان الهدف الأول للمشروع التدخل المباشر في شؤون الدول المنحدرة من القومية الطورانية التي أعلنت إستقلالها عن الإتحاد السوفياتي بعد تفككه في ديسمبر 1991 ، 

في 24  يناير 1992 أسست تركيا وكالة التعاون والتنسيق "تيكا"، بهدف معلن وهو مساعدة الجمهوريات التركية في إنتاج بنيتها وهويتها وتطويرها في جميع المجالات، بينما كان الهدف الحقيقي هو تكريس سلطة أنقرة على تلك الدول الخارجة لتوها من شمولية الحكم الشيوعي ، والسيطرة على قرارها من خلال إستغلال عناصر العرق واللغة  والدين ، وهي التي كان لها سبق الإعتراف  بالجمهوريات المستقلة: كازاخستان، وأوزبكستان، وطاجكستان، وقيرغيزستان،

ليس هناك ما يمنع تركيا من القيام بهذه الخطوة للدفاع عن مشروعها القومي في وسط أسيا والقوقاز ، لكن مع بداية العام 2000 ، ومع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة أخذت تيكا وجها آخر وهو الوجه الإخواني المتدثر بالطائفية ، والباحث عن مدارات أخرى لخدمة مشروع الحزب في دول إفريقيا وأسيا وأوروبا ، وتحت إشراف مباشر من أردوغان تضاعف انتشار تيكا ليرتفع عدد  مكاتبها من 12 مكتبًا في عام 2002 إلى 25 مكتبًا في عام 2011، ثم 33 مكتبًا في عام 2012. واليوم تواصل تيكا أنشطتها عبر 56 مكتبًا تنسيقيًا في 59 دولة ، بحجم مساعدات إرتفع  من 85 مليون دولار في عام 2002 إلى 3 مليارات دولار في عام 2015 على أمل أن تستهدف 140 دولة في 5 قارات.

ولا تخفي الوكالة التركية  تبادلها الخبرات والمعلومات مع دول حول العالم من المحيط الهادي إلى آسيا الوسطى، ومن أفريقيا والشرق الأوسط إلى البلقان، ومن القوقاز إلى أمريكا اللاتينية.

يقول مصدر عسكري ليبي  أن « تيكا » هي اليافطة الخيرية للمشروع العثماني الإخواني الجديد ، وهي بالأساس أداة إختراق للمجتمع تجمع بين الجانب المخابراتي وبين تمويل الإرهاب من خلال الدعم الذي تقدمه للجمعيات والمنظمات والأفراد المتورطين  في ضرب مؤسسات الدولة الليبية ، وفي محاولة التصدي لعملية التحرير والتطهير التي تقودها القوات المسلحة الليبية في مختلف أرجاء البلاد

ويضيف أن «تيكا» هي الوجه الآخر لجمعيات مثل « قطر الخيرية » تصب معها في نفس الهدف لإختراق المجتمعات عبر دعم قوى الإسلام السياسي وتمكينها من التغلغل في المدن والقرى والمناطق النائية والأحياء الفقيرة والمحرومة التي تشعر بالغبن ، وكذلك من خلال العمل على تلميع صورة النظام التركي الأردوغاني المرتبطة بالإرهاب والتطرف ، مشيرا الى أن الوكالة التركية تعتبر إحدى أبرز أذرع نظام أردوغان التخريبية في ليبيا

ويرى مراقبون أن أهداف « تيكا » في ليبيا متشعبة ولها وجوه عدة ، بما في ذلك التمهيد لدور تركي في مشاريع إعادة إعمار البلاد التي تواجه حربا ممنهجة للسيطرة عليها من قبل الإسلاميين وحلفائهم منذ ثمانية أعوام ، لكن الوكالة التركية تواجه اليوم تراجع دورها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني ، وباتت تركز بالأساس على مصراتة ثاني أكبر مدن غرب ليبيا ، بإعتبارها مركز التبعية للقرار التركي

وأوضح أستاذ القانون الدولي بالجامعات الليبية الدكتور محمد الزبيدي  أن « تركيا دمرت الدولة الليبية من خلال منظمة تيكا التي قامت بدعم المليشيات حتى تمكنوا من إسقاط الدولة ونهبوا كل خيراتها ونقلها إلى تركيا لإنقاذ اقتصاد انقرة" مؤكدا أن الأعمال الخيرية والإنسانية هو إحدى واجهات مشروع التوسع التركي على حساب دول المنطقة ومنها ليبيا

وأبرز الزبيدي أن تيكا ومثيلاتها تدعم الإرهاب والميلشيات وتحاول إختراق الفئات الهشة في المجتمع بهدف السيطرة عليها وتحريكها في إتجاه مصالح المشروع الأردوغاني ، وأضاف «في إطار استخدام القوة الناعمة لتوسيع النفوذ التركي في افريقيا تم توظيف البعد الحضاري والديني واعتماد سياسة العطاء بنكهته الإسلامية المحببة للأفارقة بهدف دعم النفوذ التركي افتتحت الوكالة التركية للتنسيق والتعاون (تيكا) سنة 2011 في كل من الصومال وليبيا وكينيا ومصر وتونس لتنضم إلى فروع الوكالة في إثيوبيا والسودان والسنغال لتشرف على مشروعات الوكالة في 37 دولة إفريقية تتنوع بين مجالات التعليم والصحة والزراعة إضافة إلى مؤسسات الإغاثة والمساعدات الإنسانية كمؤسسة محمد الفاتح وجمعية ياردم والهلال الاحمر التركي ومركز يونس امره ومركز العلاقات التركية »

ولا تخلو أنشطة تيكا من رمزية الإحالة على مرحلة الإحتلال العثماني لليبيا عبر  ترميم بعض المنشئات مثل مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية في طرابلس التي يرجع تاريخها إلى عام 1871 في عهد الوالي التركي نامق باشا ، ما جعل تقارير ليبية تشير الى   افتتاح المدرسة يكشف  عن النوايا التركية لإعادة احتلال البلاد قائلة ، مشددة على أن ذلك خير دليل على التفكير  الماضوي لحكومة إوردوغان من خلال منظمة تيكا التي قامت  بتجهيز إحدى المدارس العثمانية في طرابلس بعدد من المعدات الحديثة بحضور رسمي للسفير التركي  أحمد دوغان

وفي أوائل أكتوبر الجاري أرسلت "تيكا"، وفدا من المهندسين المعماريين إلى العاصمة الليبية طرابلس، لدراسة ترميم آثار عثمانية ، وقالت الوكالة التركية في بيان نشرته، إنها تعتزم بناء مركز تدريب مهني في العاصمة طرابلس، لتدريب الكوادر الليبية.

وزار الوفد التركي المدينة القديمة في طرابلس لفحص ودراسة الآثار العثمانية المقرر ترميمها، والتي تعرضت لأضرار في السنوات الأخيرة.

وأوضحت الوكالة التركية أن أعمال الفحص والدراسة جرت بالتعاون مع إدارة المدن التاريخية الليبية، وشملت كل من مسجد أحمد باشا القرماني، ومسجد وضريح تورغوت ريّس، والمكتبة البحرية العثمانية.

وذكرت أن السلطات الليبية ترغب في إعادة العمل على ترميم الآثار بناء على اتفاقيات تمت في العام 2013-201

أحد المهتمين بالشأن العام من داخل طرابلس قال ل« العرب » أن الأتراك يريدون أن يحيوا ماضيهم في العاصمة ، هم يرون أن ترميم وصيانة الأثار العثمانية سيكون طريقهم الى بث الحنين في نفوس الليبيين الى فترة إحتلالهم البغيض للبلاد التي كانت مظلمة بكل المقاييس، وقاومها الليبيون بكل قوة ، ودفعوا ثمن ذلك أرواحهم ودماءهم و تهجير مئات الآلاف منهم الى دول الجوار ، مردفا أن الإخوان وحلفاءهم   يعتقدون أن بوسعهم أن يقدموا طرابلس على طبق من ذهب للأتراك ، لكن كل هذه المشاريع ستنتهي بمجرد تحرير العاصمة من ميلشيات الوفاق ، فليبيا دولة ثرية وعندما تستعيد الدولة سيادتها لن تكون في حاجة الى مثل هذه المساعدات التركية التي يرى فيها الليبيون إستنقاصا من قدرهم

ووفق تقرير لصحيفة «دي فيلا» الألمانية فإن إحياء التراث العثماني  أضحى الشغل الشاغل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دول البلقان، وخاصة في دولة البوسنة والهرسك، مشيرة إلى أن الفعاليات والأنشطة المتنوعة التي تقوم بها تركيا من أجل تقوية دور وتأثير نفوذها في دول البلقان، وبالتحديد في البوسنة والهرسك.

وتحت عنوان "التوجه الأردوغاني في بلاد البلقان"، نشرت الصحيفة  مقالًا قالت فيه  أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يضخ أموالًا طائلة من أجل إحياء الدور العثماني الميت في دول البلقان، مؤكدة أن مخططه يعتمد على تنفيذ مشروعات استثمارية كبيرة داخل البوسنة والهرسة وإدخال الدين فيها عنصر أساسي من أجل تقوية نفوذه في بلد عاني من الحرب الأهلية ويحاول منذ ذلك الوقت انفكاك السياسة عن الدين واتخاذ الليبرالية منهجًا.

وقالت الصحيفة أن هذا التحرك يهدف في الواقع إلى إحياء التراث العثماني الزائل في بلد بات ينادي بالحرية وحقوق الإنسان والمساواة وفصل الدين عن الدولة، فيما يسعى إردوغان إلى الرجوع بهذا الواقع وذلك المفهوم إلى الخلف، وتحويل سراييفو إلى عاصمة تتصارع فيما بينها باسم الدين.

لكن حتى ملف ترميم الآثار العثمانية في الدول المستهدفة يكشف العلاقة المشبوهة بين المؤسسة والرئيس التركي، وهو ما أكدته  صحيفة "زَرِى" الألبانية، في تقرير لها في سبتمبر 2015، بالقول أن «الرئيس التركي رجب إردوغان قام بعمليات غسيل أموال في كوسوفو عبر (تيكا) التابعة لرئاسة الوزراء التركية »مشيرة الى  أن إردوغان أدخل ملايين اليوروهات من تركيا إلى كوسوفو بطرق غير رسمية  بغرض غسيل الأموال، في حين دخلت المبالغ تحت زعم استخدامها في عملية ترميم الآثار التاريخية، بواسطة تيكا.

سيكون من اللافت للإهتمام أن نتحدث عن جمعية خيرية تركز إهتمامها على الأمن والشرطة ، فقد نظمت « تيكا » دورات تدريبية لضباط من منتسبي جهاز الشرطة في تركيا وعدد من دول العالم ،وقالت أنها نظمت دورات تدريبية لمنتسبي جهاز الشرطة في تركيا وأذربيجان وفلسطين وكوسوفو والبانيا والجبل الأسود وأوزبكستان ومنغوليا وتونس ومولدوفا وأفغانستان ،وأن الدورات التدريبية  تمت بالتعاون مع المديرية العامة للأمن العام والقيادة العامة للدرك في الجمهورية التركية ،وشارك فيها  191 ضابط شرطة من الدول المذكورة، بهدف تزويد المشاركين بالخبرات العملية لتنمية الوعي المشترك في مكافحة الجريمة وضمان توحيد المصطلحات الشرطية والعسكرية.

الى ذلك ، أصبحت « تيكا » صاحبة الذراع الطويلة في تدريب الشرطة الأفغانية ومن آخر أنسطتها تدريب 168 شرطية أفغانية في مركز التدريب المهني للشرطة بولاية سيواس وسط البلاد، بهدف تأهيلهن وصقل خبراتهن من أجل توفير الأمن في بلادهن، وفق ما تقول الوكالة ، مشيرة الى هذه التدريبات تأتي  ضمن إطار اتفاقية "تطوير قدرات ومواهب الشرطيات الأفغانيات" التي أبرمت بين تركيا وأفغانستان عام 2011 لتنشئة وتدريب شرطة أفغانستان.

وبحسب الوكالة التركية استطاع حتى الآن 3 آلاف و353 شرطي أفغاني، بينهم 213 امرأة، من اجتياز التدريبات بنجاح في مركز التدريب المهني للشرطة بولاية سيواس، فيما تتلقى حالياً 168 شرطية أفغانية، التدريبات حالياً في المركز المذكور، ضمن النسخة الـسابعة من مشروع التدريب.

كما نظمت الوكالة التركية دورة في "القيادة البوليسية ومهارات الإدارة" لأفراد الشرطة في البوسنة والهرسك ، وفي عدد من الدول الأخرى

ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، حيث نظمت « تيكا » فعاليات دورات المراسل الحربي  بالتعاون مع وكالة الأناضول وأكاديمية الشرطة، بمشاركة صحفيين من دول عدة من بينها   أفغانستان، وإثيوبيا، وجورجيا، وأوكرانيا، وكرواتيا، وسوريا، وكولومبيا، وميانمار، ونيجيريا، والجزائر، وفلسطين، والأردن، والفلبين وباكستان وأذربيجان.

المهتمون بالشأن التركي يدركون جيدا أن « تيكا» هي جزء أصيل من منظومة الإستخبارات التركية ، وتستعمل كغطاء للجوسسة ونقل المعلومات والإستقطاب والتجنيد ، وقد يكون من المثير الإشارة الى أن من يوصف بالصدر الأعظم للإستخبارات في تركيا هاكان فيدان أحد أبرز القياديين العقائديين في حزب العدالة والتنمية درس وتخرج في مدرسة قوات المشاة المحاربة عام 1986، ومن ثم درس في مدرسة اللغات التابعة للقوات المشاة. ثم عمل 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع» التابعة للحلف شمال الأطلسي، وايضا في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا ، ثم تولى عام 2003 منصب رئاسة وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، واستمر على رأس عمله حتى عام 2007 ، حيث قام على إمتداد أربعة أعوام بتشكيل البنية الإستخباراتية للمؤسسة ، قبل أن يتجه للعمل على رأس جهاز المخابرات في نظام أردوغان ، وليشهد الجهاز في عهده أكبر عمليات دعم الإرهاب وجماعاته مثل داعش والقاعدة من خلال دوره بالخصوص في دول كسوريا والعراق وليبيا ،ولعل أكبر فضائح فيدان تلك التي كانت في عام 2014 عندما كشفت قوات الشرطة دعم الاستخبارات للميليشيات المسلحة في سورية بالأسلحة والذخائر، وهي القضية المعروفة إعلاميا بـ "شاحنات المخابرات" حين ضبطت قوات الدرك سبع شاحنات محملة بالأسلحة والمخدرات في طريقها إلى الجماعات الإرهابية في سوريا

المشروع التوسعي العثماني الجديد تحت الغطاء الإيديولوجي الإخواني لابد له من ذراع قوية تخترق المجتمعات عبر الأداة الأنجع لمثل هذه الأهداف وهو التعليم ، ففي العام 2016 قال إردوغان لمسؤوليه  :«إذا قالت منظمة فتح الله إننا متواجدون في 170 دولة، عليكم التواجد في جميع الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة » وفي العام ذاته تقرر إنشاء «وقف معارف » بقانون مرره حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي لتأسيس مدارس إسلامية داخل وخارج البلاد لنشر الفكر الإخواني، حيث يعمل الوقف كأداة للتوغل خارج تركيا ونشر الفوضى واختراق الدول العربية والإسلامية بشكل خاص ، ومنذ 2017 انتشرت مدارس الوقف في 70 دولة حيث يسعى إلى تجنيد الملايين من الأطفال والشباب في مخطط لإعادة إحياء الدولة العثمانية وابتلاع خيرات الدول ونهب ثرواتها وانتهاك سيادتها.

وفي موقع « نسمات للدراسات الإجتماعية والحضارية » قال الباحث زين الدين حسن أنه و« في محاولة جديدة من النظام التركي لإحكام سيطرته الفكرية على الملايين من الأطفال والشباب في أكثر من 70 دولة حول العالم، ليشكلوا في المستقبل قوَّة ناعمة تتبنى أفكار الإسلام السياسي وأيديولوجيته، وليكونوا كذلك جماعات ضغط داخل أوطانهم تعمل لصالح تنصيب أردوغان كزعيم للمسلمين حول العالم، مرر الحزب الحاكم بزعامة أردوغان قانون إنشاء “وقف معارف”، داخل البرلمان ، مهمته إقامة المدارس في دول العالم، ومطاردة حركة “الخدمة” التابعة للداعية التركي الأستاذ فتح الله كولن، والاستيلاء على المدارس التابعة للحركة المنتشرة في أكثر من 170 دولة حول العالم من جهة ثانية »وقد « تمكن أردوغان من إزاحة مدارس الخدمة، والاستيلاء على بعضها دون وجه حق، ليقيم بها مدارسه الجديدة، مستخدمًا ورقة المساعدات والاستثمارات، بل والرشاوى لمسؤولين في حكومات عدة ،وأقنع دول الكاميرون وغانا والسنغال وتشاد وباكستان، بتسليم مدارس الخدمة لإدارة حكومة العدالة والتنمية خلال العام 2018، لم يستطع تنفيذ مخطط التأميم في عدد من البلدان فافتتح مدارسه إلى جانب مدارس حركة الخدمة» وفي ديسمبر عام 2017، قال رئيس الوقف بيرون أقغون: “إن هناك قرابة 100 مدرسة تابعة للوقف جرى إنشاؤها لمختلف المراحل التعليمية في 20 دولة، لتستقبل 10 آلاف طالب على الأقل، في بداية عملها ،مشيرا الى أن ”الدول التي يمتلك فيها وقف معارف التركي مدارس، هي “أفغانستان وألبانيا وأستراليا والنمسا والبوسنة والهرسك وجيبوتي وتشاد والجابون وغامبيا وغينيا وجورجيا وكازاخستان والكونغو الديموقراطية وجمهورية الكونغو الشعبية وكوسوفو والكويت ومدغشقر ومقدونيا ومالي ومنغوليا وموريتانيا والنيجر وباكستان ورومانيا والسنغال وسيراليون والصومال والسودان وسورية وتنزانيا وتونس”، وتكشف خريطة الغزو التعليمي المتطرف لحاكم أنقرة، الوجود الكثيف لمدارس النظام التركي في الدول الإفريقية والعربية.

وفي مقال بعنوان “مؤسسة معارف التركية. حصان طروادة أردوغان” على موقع تركيش مينيت، قال الكاتب عبد الله بوزكارت إن حزب العدالة والتنمية، الذي يدير تركيا وفق أطماع وأهواء رجب أردوغان، أنفق مليارات الشعب على إرضاء نزعته التوسعية، التي تتخذ التقسيم ونشر الفوضى والخراب نهجًا لها” ،وتابع « أنه بالإضافة إلى بناء المساجد والمؤسسات الثقافية والمنظمات الإغاثية في خارج تركيا، والتي ليس لها هدف حقيقي إلا التوغل داخل الدول، لتكوين جماعات ضغط، أو لتيسير طريق التحكم في السلطة، للجماعات التي يحركها أردوغان في الخارج، والتي عادة ما تتبع فكر المتشددين، بالإضافة إلى كل ذلك خلق أردوغان كيانًا جديدًا هو وقف معارف» ف«أردوغان يروج لنفسه دائمًا عبر أتباعه، على أنه الخليفة أو الزعيم الإسلامي، لذا يستخدم مدارس معارف كأداة  يهدف من ورائها الى توسيع قاعدة جماهيريته وأيديولوجية حزبه لتسميم عقول الأطفال، والانتشار من خلال هذه المدارس في المجتمعات الأخرى، ويأمل من كل قلبه أن تكون نتيجة ذلك، خلق جيل من المسبحين بحمده، و المنتمين لفكر مجموعته في خارج تركيا »

وقال موقع "ريكنوم" الإخباري الروسي أن غرض إنشاء المدارس سياسي صرف، يتمثل في نشر أيديولوجية الحزب الحاكم في أنقرة، وتقليص نفوذ حركة فتح الله جولن خارج تركيا، وفي ظل إغلاق آلاف المدارس لأسباب مختلفة، أكثرها بموجب الاشتباه فقط في تبعيتها لحركة جولن، في غالبية المناطق، وعلى رأسها الجنوبية، فيما تبين أن 52% من طلابها يتناولون السجائر والكحوليات، حسب تقارير رسمية، رصدت ارتفاع نسبة تناول المخدرات بينهم إلى 15%.

ويرى الكاتب الموريتاني عبد الرحمان المقاري في مقال بصحيفة « البديل » الموريتانية أن «وقف المعارف تشكيل إستخبارتي أسسته الحكومة التركية لمهمة أمنية محددة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة تتمثل تلك المهمة في ملاحقة تجارب حركة الخدمة الناشطة في مجال التعليم في الخارج بعد أن أجهزت عليها في داخل تركيا ، وأضاف بعد إفتتاح مقر للوقف بنواكشوط أنه  جهاز أمني لا علاقة له بالتعليم ولا تجربة سابقة ، ولا نتائج على الواقع ، وهذا يجعل موريتانيا تفقد مشروعا جربته اكثر من نصف قرن ونتائجه ماثلة وتجعل مصير أبنائها في أتون صراع سياسي و في أياد أمنية أجنبية هذا إن اتخذت قرار بتسليم مدارس برج العلم لهذا التشكيل .لافتا الى أنه لن يغيب عن الحكومة الموريتانية أن أموال الوقف لا تخضع للمتابعة و لا التفتيش وتتميز بسهولة الحركة ومبررات التحويل والصرف ، وهذا يعطي لوقف أمني مرونة تجعل مجالات تدخله تصل الدعم السياسي لحلفاء تركيا في موريتانيا .

وما هذا إلا غيض من فيض الإختراق التركي للدول والمجتمعات تحت يافطة العمل والإنساني التي لا تمثل بالنسبة لنظام أردوغان سوى أداة للإنغماس العقائدي بدافع إحياء النزعة الأمبراطورية العثمانية بنكهة مشروعه الإخواني.