« لو لم تكن آمال كربول في حياتنا لأصابنا الملل» هكذا علّق أحد االنّاشطين التّونسيين على موقع «فايسبوك». فآمال كربول التي استأثرت باهتمام التونسيين منذ قرار تعيينها وزيرة للسياحة في حكومة الكفاءات التي تمّ تشكيلها إثر استقالة حكومة «حركة النهضة»، استطابت هذا الكمّ من الإهتمام فضاعفت من جهودها في الظهور الإعلامي والفايسبوكي لتتحوّل «نجمة» ينتظر الناشطون آخر اخبارها على تويتر وصورها على انستغرام.

وبات لحملات النظافة في الشوارع طعم جديد مع الوزيرة «الجميلة». فلم يهتّم التونسيون يوماً بحملات النّظافة التي تقوم بها جمعيات شبابية بشكل يومي تقريباً، كمثل اهتمامهم بتفاصيل الحملة التي أطلقتها الوزيرة الشابة. وأصبح لأدوات التنظيف بين يديها الرقيقتين وقع خفيف ومنعش، وفي زحام الحاضرين لم تر العيون غيرها بقميصها الأبيض وقبّعتها ونظاراتها الشّمسيّة وهي تمسح الغبار عن جبينها. ومع تحوّل جميع التونسيين إلى مصورين محترفين بعد الثورة تكاد حياتهم اليوم لا تخلو من نشاطات السيدة الوزيرة خطوة بخطوة: آمال كربول في العمل، أمام أحد الفنادق، في المطعم، في قرية نائية، أو ترقص في حفلة موسيقية. الوزيرة الجميلة تأكل بشراهة أو تلاعب ابنتها في المنزل... هكذا يعيش التونسيون اليوم في حال ترقّب دائم لصور جديدة وهو ليس ترقّباً فضولياً لمجرد التّمعّن في فساتين الوزيرة وأحذيتها بل هو ملاحقة لمزيد من النشاطات التي تخدم السياحة في تونس... نعم تونس أوّلاً!

ولأّنّ كلّ حدث جديد أصبح سبباً للإنقسام فقد كان للوزيرة الجديدة نصيب مهمّ من الأخذ والردّ. لها من العمر 40 عاماً وهي حاصلة على الماجستير في الهندسة الميكانيكية وتعدّ دكتوراه في التدريب والإرشاد في جامعة أكسفورد بيربيك. شغلت سابقاً منصب سفيرة المصلحة العامة لدى مؤسسة «بي ام دبليو» في برلين ولندن وهي مديرة عامة لمؤسّسة «تشاينج، ليدرشيب وبارتنر» لتعيّن أخيراً وزيرة للسياحة. غير أنّ التونسيين ليسوا معنيين بكلّ هذه التّفاصيل وحال تعيينها انقسموا إلى مؤيّد ورافض لانتشار صورة لها بفستان أحمر «قصير جداً».

هل من حقّ وزيرة في بلد عربيّ أن ترتدي فستاناً أحمر قصيراً؟ وهل تسمح الأعراف بأن تحكمنا وزيرة كهذه؟ ولِمَ كان عليها أن ترتدي هذا الفستان ؟ ولِمَ كان على القائمين على مصالح هذا البلد إختيار وزيرة ترتدي ملابس قصيرة وحمراء؟ هذه الأسئلة حقيقيّة طرحها عدد كبير من المواطنين التونسيين على صفحاتهم. البعض الثاني وجد نفسه مضطرّاً للدّفاع، لا عن الوزيرة، بل عن حقّها في ارتداء ما تشاء. لم تكن هذه كوميديا سوداء بل كانت حقيقة سوداء في بلد يعرف تراجعاً مرعباً في مؤشراته الإقتصادية والسياحيّة، وأنهك الإرهاب الذي عشش طيلة الستة أشهر الماضية في جباله خزينته بعدما هجره السياح إلى وجهات أخرى لعلّ أبرزها المملكة المغربية.

ولأنّ موقع فايسبوك هو الرّاعي الرّسمي للصّراعات السياسية في تونس فقد انتشرت بسرعة البرق عشرات الصفحات المؤيّدة للوزيرة وعشرات الصّفحات الأخرى الرّافضة لها ولفساتينها. ولا يحتاج الأمر كثيراً من العناء ليعرف أنّ الرافضين لها هم من الموالين لـ «حركة النهضة» وأتباعها، في حين تحاول البقيّة التّصدي للهجمات التي تطاولها. بالتّأكيد إنّها «نموذج للمرأة التونسية المتحرّرة والمتعلّمة « أو هي بحسب بعضهم «حفيدة الزّعيم بورقيبة» وهذا كاف. الشقّ الرافض يبرّر موقفه بأنّ تونس في حاجة إلى كفاءات لا إلى عارضات أزياء. وهي لدى البعض «راقصة» لأنّها شاركت في أحد مهرجانات الرقص في الجنوب التونسي والراقصات بحسب تعبيرهم لا يصلحن لقيادة شؤون البلاد. ومن الاتهامات أيضاً إنها «سافرة وغير محتشمة» وهي تجلب لتونس «لعنة الغرب الكافر». وتتواصل الشتائم والإتهامات من جهة وردّ الفعل والدّفاع عن الوزيرة من جهة أخرى من دون أن يقدّم أيّ من الطّرفين أي تفاصيل أو أرقام عما قدمت الوزيرة لقطاع السياحة، أو تحديد مواطن التّقصير لديها. فهذا الأمر متروك لتقارير المنظّمات الدولية التي تقدّمه جاهزاً فيقبله التونسيون من غير أن يتساءلوا عن صحّة ما جاء في التقارير.

ونظراً الى أنّ نشاطات أمال كربول فاقت كلّ التصّورات وكلّ الحدود، وملابسها ورقصاتها وصور السيلفي التي تنشرها بشكل يومي أصبحت مزعجة بشكل جدّي وجب البحث عن وسائل لإسكاتها وخنق صوتها وشلّ نشاطها. والوسيلة الوحيدة التي توصّل إليها حزب «حركة النّهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة» الموالي له هو توقيع أعضائهما في مجلس النواب على لائحة تقضي بسحب الثّقة من الوزيرة كربول بعد مساءلتها على خلفية خطأ قام به بعض المسؤولين بوزارة الدّاخلية يتمثّل في السّماح لـ 60 سائحاً يحملون جوازات سفر اسرائيلية بالدّخول الى تونس الأمر المرفوض قانونياً وشعبياً. وهكذا، ستخضع آمال كربول قريباً للمساءلة بتهمة التّطبيع مع إسرائيل وقد يتمّ طردها من الوزارة على رغم أنّها أعلنت عدم مسؤوليتها القانونية عما جرى وهو من صلاحيات وزارة الداخلية وأعوان الجمارك.

وهكذا قد يستفيق التونسيون قريباً فيشربون قهوة الصباح من دون أخبار الوزيرة ويسهرون متصفحين فايسبوك من دون أن يحرك فضولهم فستانها الأحمر القصير.

*عن "الحياة"