إن المهتم بتاريخ العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين تونس وليبيا يستشف بسهولة تامة أنها لم تكن مستقرة في مختلف المراحل التاريخية التي مرت على البلدين.

فرغم التقاء البلدين حدوديًا على شريط يبلغ طوله 459 كيلومترًا، ورغم الانسياب التجاري خاصة في منطقتي بن قردان والذهيبة، فإن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بعدم الإستقرار في مختلف المراحل.

قبل الفاتح من سبتمبر 1969، اتّسمت العلاقة بين ليبيا وتونس بالهدوء والاستقرار النسبي، وانقلب الوضع مع حلول السبعينات، فبعد فشل تجربة الوحدة عام 1974، تم طرد 14 ألف عامل تونسي، ثم دخل بورقيبة والقذافي في حرب إعلامية.

دخلت العلاقات التونسية الليبية مرحلة هدنة وهدوء خلال حوالي ربع قرن من حكم الرئيس السابق بن علي، إذ ساند النظام الليبي وصول بن علي الى السلطة وعمل نظام بن علي على كسر الحصار المفروض على ليبيا من قِبل المجتمع الدولي.

وبعيدًا عن العلاقات الرسمية، تشكلت بين البلدين روابط جديدة تمثّلت في علاقات مصاهرة ومصالح مشتركة بين العائلات، وأصبحت ليبيا تدريجيًا الشريك الاقتصادي الأول لتونس عربيًا وأفريقيًا، والشريك الخامس لتونس عالميًا، وتشير الأرقام إلى بلوغ المبادلات التونسية مع ليبيا ما يناهز 7٪ من مجموع مبادلات البلاد مع الخارج عام 2010، كما بلغ عدد المؤسسات التونسية المستثمرة في ليبيا، أي لها فروع في دولة الجوار، حوالي 1000 مؤسسة، وبلغ عدد التونسيين العاملين في ليبيا حوالي 150 ألف عامل.

إثر أحداث أقر الباجي قائد السبسي، في تصريحات إعلامية، دور تونس في احداث ليبيا عام 2012 ، إذ لم ينفي أنه تم التنسيق معه كرئيس للحكومة الانتقالية حتى تكون قاطرة لتمرير السلاح من اجل الاطاحة بالقذافي، وتوطدت العلاقات بين شعبي البلدين خاصة مع تكفل تونس شعبًا وحكومة، برعاية اللاجئين الليبيين الذين فروا من الصراع المسلح بين كتائب القذافي و المعارضة الليبية.

ورغم كل هذه الأحداث، تواصل التبادل التجاري بين البلدين، بل تدّعم خاصة في مجال المواد الغذائية والأدوية، وقد شهدت تونس توافد أكثر من مليون ونصف ليبي، بحسب تقديرات السلطة التونسية، وهم اليوم مستقرون بأكثر من مدينة تونسية خاصة تونس العاصمة ومدن الساحل.

على المستوى الدبلوماسي، انعكس انعدام الاستقرار السياسي، سواء في تونس أو في ليبيا، على العلاقات بين الدولتين، ففي فترة حكم الترويكا في تونس، شهدت العلاقات استقرارًا، غذته العلاقات الطيبة التي كانت تجمع حركة النهضة بمختلف مكونات المشهد الليبيوفي مرحلة لاحقة، تزامنت حكومة مهدي جمعة، التي خلفت حكومة علي لعريض، مع استفحال الأزمة بين الفرقاء الليبيين ودخولها رسميًا في نفق الاحتراب الأهلي، وعلى نحو مفاجئ، بادرت حكومة جمعة الى مسايرة المجتمع الدولي من خلال الاعتراف بحكومة طبرق فقط، وهو ما سبب حفيظة حكومة طرابلس وعملية فجر ليبيا التي كانت الأكثر سيطرة على الأرض.

مؤخرا،دعت الحكومة التونسية رجال الأعمال الليبيين إلى الاستفادة من امتيازات الاستثمار في البلاد، في إطار مساعيها لعودة التبادل التجاري مع ليبيا إلى مستويات 2011.

وتراجعت الصادرات التونسية إلى ليبيا إلى 220 مليون دينار بنهاية 2017، مقارنة بـ1.323 مليار دينار عام 2010. كما هبطت واردات تونس من ليبيا إلى 18 مليون دينار العام 2017، مقابل 838 مليون دينار العام 2010.

وتحدث وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، خلال ندوة أمام عدد كبير من الدبلوماسيين، عن كسب الرهان الاقتصادي واسترجاع مكانة الحكومة إقليميًا ودوليًا خاصة في ليبيا، إلى جانب إبراز الحرص على أن تكون منصة للاستثمار في تونس وانطلاقًا منها نحو إفريقيا.

وخلال الدورة الثانية لندوة القناصل الشرفيين لتونس بالخارج والقناصل الشرفيين المعتمدين بتونس الثلاثاء، شدد الجهيناوي على أن بلاده تخطط لعودة العلاقات الاقتصادية مع ليبيا إلى مكانتها السابقة، حين كانت ليبيا الشريك الاقتصادي الثاني لتونس قبل 2011.

وأكد حرص تونس على استرجاع حضورها في السوق الليبية، وعلى مستوى التبادل التجاري، ومواصلة تشجيع رجال الأعمال الليبيين على الاستثمار في تونس والاستفادة من الامتيازات الممنوحة للمستثمرين.

وأشار الوزير التونسي إلى أنّ التبادل التجاري مع ليبيا بلغ خلال السنة الماضية قرابة 800 مليون دينار تونسي، في الوقت الذي سجّل فيه مليار دولار العام 2011، وهو ما يُشِّج بلاده للتخطيط لعودة تلك المستويات.

وكان رجال الأعمال من البلدين طالبوا خلال المنتدى التونسي  الليبي الأول من نوعه منذ 2011، خلال شهر سبتمبر الماضي، بضرورة استئناف الرحلات الجوية بين تونس وطرابلس وإعادة الرحلات البحرية انطلاقًا من صفاقس وجرجيس وإيجاد حل لأزمة المعابر البرية المغلقة.

وخلال السنوات السبع الأخيرة تراجع التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير على الرغم من ارتفاع الصادرات التونسية إلى ليبيا بنسبة 26.7% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، حسب المعهد التونسي للإحصاء.

من جانب آخر،شهدت كلية التربية في مدينة زلطن افتتاح الملتقي الثقافي الذي انعقد تحت شعار "أخُوتنا تجمعنابالمشاركة بين بلدية زلطن من الجانب الليبي ومعتمدية بن قردان من الجانب التونسي.

يأتي هذا التلاحم والتوافق الثقافي من خلال الشراكة الفاعلة وسلسلة من اللقاءات على مدار سنوات بين اتحاد الشباب الليبي فرع زلطن وائتلاف جمعيات المجتمع المدني بنقردان، حيث عقدت اجتماعات مشتركة تمخض عنها العديد من الدورات التدريبية المشتركة اعتمدت علي التخطيط الحضاري بين الطرفين الذي انعكس بالتالي وتجسد في هذا الملتقي الثقافي المتنوع.

يشير مراقبون أن العلاقات بين البلدين تتخذ بعدا إستراتيجيا بالأساس يصل إلى درجة إرتباط المصائر حيث لا يمكن لليبيا أن تتقدم دون حضور تونسي قوي و العكس صحيح فضلا عن أن العلاقة تتجاوز البعد البراغماتي إذ أنه العلاقة تكتسي طابعا وثيقا يظهر من خلال الترابط الأسري فرغم سحب الصيف العابرة التي تشوب العلاقة فإنه تظل متينة لا محالة.