أطلقت جمعيّة أهلية تونسية سلسلة من الرسوم المتحركة تحت مسمى "لهلوبة والانتخابات". وتسعى هذه المبادرة الطريفة التي بعثتها جمعية "توانسة" إلى تقديم "شخصيّة طفلة فضوليّة" تحاول التعرف على مبادئ المواطنة الحقيقيّة وفهم مختلف جوانب عمليّة الانتخابات.

ويؤكد العاملون على هذه المبادرة المجتمعية على أن هدفهم الأساسي يرمي إلى تسليط الضوء على أهمية المواطنة الفاعلة وتطوير الفكر النقدي وتنمية الشعور بالمسؤولية لدى المواطن التونسي.

وتمت صياغة سلسلة "لهلوبة" باللهجة المحلية الى جانب اعتمادها على أسواب غلبت عليه الطرافة والسخرية. وتوجهت الصور المتحركة إلى الجمهور العريض صغارا وكبارا ومختلف الأعمار. وقد حاول منفذو السلسلة الوصول الى جميع الحساسيات والاستجابة الى مختلف التطلعات التي تشغل التونسيين.

ويقول نضال غرياني، كاتب سيناريو الرسوم المتحركة في تصريح لـ DW عربية "أن العمل كان صعبا خصوصا إذا كنت مطالبا بأن تحكي حول كل المواضيع في دقيقة ونصف وتصل رسالتك بوضوح إلى مختلف الشرائح العمرية والثقافية." ويضيف "لم نحاول إعطاء الدروس، وحاولنا أن لا نثقل على المتلقي وأن نعتمد الطرافة".

وحسب أصحاب المبادرة ولدت الفكرة عند محاولة أعضاء الجمعية البحث عن الصيغة المثلى للتوعية حول مسألة المواطنة بطريقة جديدة ومبتكرة، وتبين أنيسة القرقوري، عضوة جمعية توانسة ومنسقة المشروع في حديث لـ DW عربية، أن المبادرة تطمح للتوعية بمفاهيم المواطنة والحكومة الرشيدة. وتقول "تدارسنا جملة من المواضيع داخل الجمعية واتفقنا على مسائل حقوق الإنسان والانتخابات والمواطنة والرشوة. وبعد اعتماد الدستور، ارتأينا أن نشتغل على موضوع مشاركة التونسي في الانتخابات، وقلنا أنه يجب أن يكون واعيا بأهمية دوره كمواطن ولماذا ينتخب وكيف وماهي مراحل العملية الانتخابية".

وتأمل الجمعية أن تنال هذه مواضيع المبادرة التي صيغت بلهجة محلية وتطمح لان تمرر عبر وسائل الاتصال المختلفة، إهتمام الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم، إلى حدَ ما، مستبعدين أو بعيدين عن هذا الموضوع رغم أهميّته. وتقول أنيسة "أن القائمين على المبادرة حاولوا أن يتم تقبل الرسوم المتحركة من قبل الناس بطريقة سهلة ومن غير تعقيد أو فلسفة أو ترف فكري."

وسيتم بث سلسة "لهلوبة والانتخابات" على القنوات التلفزيونية والإذاعات التونسية بداية من شهر جوان/حزيران 2014. وستتطرق الحلقات الستّ الأولى إلى المواضيع التالية: "لدينا دستور، ماذا بعد؟"، "ماذا تعني الانتخابات في إطار الديمقراطية؟ "، "مع أو ضد، أدل بصوتك؟"، "كيفية المشاركة بفعالية في الانتخابات"،"على أي أساس تحدد اختيارك؟" و"فلتكن يقظ أمام الغش".

طرح فني بين الجد والدعابة

ويبدو أن الطرح الفني الجديد الذي اعتمده مصممو الرسوم المتحركة قد جلب لها الأنظار في المشهد العام وعلى الساحة الفنية. ويقول جوهر الجموسي استاذ محاضر لعلم اجتماع الاتصال بالمعهد العالي لفنون الملتيميديا بجامعة منوبة في حديث لـ DW عربية، أن المشروع يقدم "طرحا فنيا سلسا يمزج بين الجد والدعابة. فظاهر الفكرة نزعة من الدعابة والضحك، وفي باطنها رسالة جدّيّة للشّعب التونسي لتوعيته بمضامين الدستور ودوره الفعال في تحقيق مواطنة الفرد وضمان حقوقه في جميع المجالات، ولاسيما منها السياسية والانتخابية." ويضيف أن "الفكرة تتضمن عديد مفاهيم الثورة، ومنها ديقاج(dégage) التي تجولت في كل بلدان العالم سواء منها التي شهدت ثورات أو من بقيت على حالها في انتظار يوم قادم".

ويبين الاستاذ الجموسي أن طريقة الطرح ولغة العمل بسيطة وسهلة الفهم لدى جميع الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية بدءا بالطفل ووصولا إلى الكهل.

وإن اقتصر استعمال الرسوم المتحركة لسنوات على الإشهار التجاري فإن استعمالها للتوعية حول مواضيع تهم الشأن العام يحسب لهذه المبادرة الاهلية. ويبرز استاذ علم الاجتماع "أن الومضة الإشهارية استعملت لتوعية المواطن بحقوقه الاساسية خصوصا وأن تونس تعيش مرحلة انتقالية جد حساسة تولي أهمية خاصة للعملية الانتخابية وللمواطن في اختيار ممثليه وقادة وبالتالي حكام بلده في المستقبل."

ويفسر الجموسي مضمون إحدى الاعمال فيقول " ورد في أول الرسوم معلقة "الدستور" بصفة لافتة تظهر لمن يشاهد الومضة. وهي لافتة مفتاح وذات دلالات محورية ومركزية تعمل الومضة على تمريرها في ذهنية الفرد. وتحمل الومضة أيضا بعدا نقديا لمحترفي السياسة. كما أنها ذات نظرة مستقبلية استشرافية حيث تؤكد على المستقبل. وهنا يتدخل دور المواطن لأن الدستور يبقى نظريا ولا يمكن تجسيمه إلا بفعل المواطن".

ويضيف الاستاذ بمعهد فنون الميلتميديا "أن إطار الومضة، سيارة تاكسي وهو اطار مكاني يستعمله ويركبه الجميع والديمقراطية والانتخابات يجب أن يركبها الجميع أيضا للوصول إلى الهدف، أي المحطة القادمة. والتاكسي كوسيلة نقل يوصلك إلى هدفك. وممارسة حقك، كمواطن يوصلك إلى هدف المواطنة وحماية الوطن وترسيخ الديمقراطية"

ويتفق الكثيرون من المتابعين للشأن العام في تونس أن توقيت المبادرة متميز إذ يستعد البلد لعملية انتخابية تفرض على المواطن أولا أن يقوم بتسجيل نفسه ضمن قوائم الناخبين لأنه لا انتخابات ولا ديمقراطية بلا ناخبين وبلا مواطنين ينتخبون بنسب إقبال مرتفعة وقوانين وهيئات تحمي العملية الانتخابية وتضمن الشفافية والنزاهة.