تحتل تونس المرتبة الخامسة عالميا في إستهلاك "البيرة" مقارنة بعدد سكّانها ،حيث بلغ عدد المُستهلكين للخمر بحسب الغرفة الوطنية لمنتجي وموزّعي المواد الكحولية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أكثر من مليوني مستهلك ،و يستهلك التونسيون 200 مليون قارورة خمر سنويا.

و حسب ما نقلت جريدة "الشروق" اليومية التونسية فقد إرتفع إستهلاك الجعّة و الخمور في تونس بعد سنة 2011 إلى 22 % مقارنة بسنة بما كان عليه سنـــة 2010 وهى نسبة مرشحة للارتفاع حسب الصحيفة  وقد تبلغ معدلات قياسية فى صائفة 2014 ،حيث يستهلك التونسيون يوميا وفق نفس المصدر حوالي نصف مليون قارورة وعلبة جعّة.

هذا و يشار إلى أنّ أسعار المواد الكحولية قد زادت في تونس بنسبة 50 بالمائة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، و رغم ذلك فإن التونسيين  يستهلكون يوميا حوالي نصف مليون قارورة وعلبة جعة بأنواعها الخمسة المتوفرة في السوق و أشرها "البيرة" التونسية محليّة الصنع "سلتيا" رغم وجود منافسة أوروبية هي "هاينكان" الهولنديّة بمنتوجها الجديد الموجّه للسوق التونسية "بربر" .

و تبدو المفارقة عجيبة بين بلد وصل فيه الإسلاميون الى الحكم بنسبة أصوات كبيرة و هذه المعدلات الكبيرة لإستهلاك الخمور و رغم إرتفاع ثمنها و رغم القانون التونسي المتشدّد نسبيا في قضيّة السّكر.

في مقال على موقع سي أن أن العربي كتب المدوّن التونسي هيثم عبد المولى مقالا بعنوان "حرب البيرة في ظل صعود الإسلاميين: تونس والمغرب مثالان" جاء فيه :" البيرة هي مشروب كحولي خفيف ، معدل نسبة الكحول فيه 5%. يبدأ إحساس السكر بعد شرب ما لا يقل عن لترين من البيرة بالنسبة لمن يشرب بشكل نادر. وتصنع البيرة من منقوع الشعير أو ما يعرف بالملت وهو حبوب (الشعير) منتشة تم تجفيفها في عملية تعرف باسم "تخمير" حيث تنقع الحبوب في الماء لانتاشها ومن ثم يتم إيقاف الإنبات عبر تجفيفها بالهواء الساخن.  يضاف الى هذا المنقوع الجنجل و خميرة البيرة، وهي نفس الخميرة المرتبطة بالخبز. 

ترتبط البيرة بالثورة الزراعية قبل عشرة آلاف سنة و تعد مؤشرا على التطور الحضاري بحسب علماء الأنثروبولوجيا وهي بذلك تعدّ اقدم مشروب كحولي و ثاني أقدم منتج غذائي صنعه الانسان بعد الخبز. صنعت البيرة للمرة الأولى في العراق القديم انطلاقا من تخمير الخبز القديم في الماء و سميت ب "سيكارو" أي الخبز السائل باللغة السومرية القديمة. و من ثم انتشر المشروب في جميع أنحاء العالم و أصبح مشروبا رسميا للآلهة في مصر القديمة حيث يعين الفرعون كبير صانعي البيرة و المسؤول عن جودتها. أما في سوريا القديمة فقد كانت البيرة عملة للتبادل التجاري و دليل رقي حضاري"

و يضيف عبد المولى بالقول :" تطورت صناعة البيرة في العالم بشكل كبير و تمكنت دول كألمانيا و بلجيكا و ايرلندا من تطوير المنتوج. فظهرت البيرة بألوان متنوعة و درجات كحولية مختلفة و نكهات تتفاوت بين طعم الشعير ذي المرارة الخفيفة و بين نكهات الغلال المتنوعة. كما أصبحت البيرة ثالث أكبر مشروب يتناوله البشر سنويا بعد الماء و الشاي، وهي أكثر استهلاكا من القهوة. وتحتل ألمانيا صدارة مستهلكي البيرة حسب أرقام سنة 2005 بأكثر من 160 لترا للمواطن الألماني الواحد في السنة تليها تشيكيا و إيرلندا. "

و حسب مقال الكاتب وفقا لأرقام رسمية اطلعع عليها من وثائق أعدها صناعيون على علاقة بالإنتاج، فإنّ التونسيين يستهلكون نصف مليون قارورة بيرة و مائة ألف زجاجة نبيذ. و يقدر عدد مستهلكي الخمور من التونسيين بحوالي مليون و سبعمائة ألف أي 17% من عدد السكان وهي نسبة هائلة في بلد 97% من سكانه من المسلمين .و قد نما استهلاك البيرة في تونس بمعدلات كبيرة بعد الثورة سنة 2011 وصلت الى 10 % بالنسبة للبيرة و 15 % بالنسبة للنبيذ  و خصوصا بعد وصول الإسلاميين الى السلطة وهو ارتفاع تحملت أعباءه الشركة التونسية للتبريد و الجعة المنتج الحصري للبيرة في تونس منذ نصف قرن عبر علامتها التجارية سلتيا و قد اضطرت الشركة الى عدم إيقاف الانتاج في رمضان كما جرت العادة تلبية لطلبات الاستهلاك الضخمة.

و يضيف الكاتب" رغم أن توزيع البيرة يتم في أماكن محدودة وفق ضوابط مشددة الا أن استفحال السوق السوداء و لهفة المستهلك التونسي و خصوصا الشباب جعل الحصول على البيرة مطلبا أساسيا للاحتفالات و السهرات. وقد رفعت حكومة  النهضة الضريبة على البيرة بحوالي 20% الا أن هذا لم يؤثر على معدلات الاستهلاك التي تزداد ارتفاعا سنة وراء سنة .

و تجدر الإشارة أن تونس تتحمل أيضا أعباء السوق الليبية. فرغم الطابع المحافظ للمجتمع الليبي قبل و بعد الثورة الا أن الليبيين يشربون بنهم شديد عندما يزورون تونس للسياحة. و قد تطورت تجارة طريفة على الحدود التونسية الليبية يمكن أن نصطلح عليها بتجارة النفط مقابل الخمر." على حدّ تعبيره