دخلت الساحة التونسية مرحلة الحسم الانتخابي مع فتح باب الترشح لانتخابات برلمانية تجرى في أكتوبر/ تشرين أول المقبل، في استحقاق يريد منه التونسيون الخروج من مرحلة الانتقال إلى الاستقرار السياسي، وهم يحيون الذكرى الرابعة لثورة يناير/كانون الثاني المقبل برئيس وبرلمان منتخبين يحكمان البلاد لـ5 أعوام قادمة.

وتنطلق الانتخابات البرلمانية بتونس في 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل وسط حراك سياسي كبير من قبل قوى سياسية كبرى وتحفّز من قبل أخرى منشقة عنها في ثاني انتخابات عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي. 

وتخوض حركة النهضة، أبرز القوى السياسية الإسلامية، الانتخابات بتجربة انتخابية سابقة قادتها لنيل الأغلبية في الانتخابات البرلمانية (انتخابات المجلس التأسيسي) السابقة، ويقابلها حزب "نداء تونس" الذي يضم أعضاءً بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي) وهو حزب حديث النشأة.

وأفرزت أول انتخابات شهدتها تونس عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وهي انتخابات المجلس التأسيسي الوطني في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام مشهدًا سياسيًا تميز بأغلبية نسبية للإسلاميين بعد حصول حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي على 41 % من أصوات الناخبين بـ 89 مقعدًا من إجمالي 217 مقعدًا.

كما أبرزت الانتخابات 3 قوى سياسية أخرى وهي حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي حصل على 29 مقعدًا، وتيار "العريضة الشعبية" بقيادة محمد الهاشمي الحامدي المقيم في لندن بـ26 مقعدًا (المنشق عن حركة النهضة)، وحزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" الذي حصل على 20 مقعدًا.

ولم تتمكّن حركة النهضة من تشكيل الحكومة منفردة إلا عبر ائتلاف ضمّ حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي أصبح رئيسه محمد المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية، وحزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" الذي أصبح أمينه العام، مصطفى بن جعفر، رئيسًا للمجلس التأسيسي في حين كانت رئاسة الحكومة من نصيب حركة النهضة حتى يناير/كانون أول 2014.

وشهدت تونس عقب اغتيال القيادي المعارض، شكري بلعيد، يوم 6 فبراير/ شباط 2013 أزمة سياسية، زادت وتيرتها بعد اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو/ تمّوز الماضي؛ حيث خرجت مظاهرات تطالب الحكومة بالاستقالة وبحل البرلمان، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتزعمها كفاءات وطنية لا تترشح للانتخابات المقبلة.

وعقب عدة جلسات للحوار الوطني بين القوى السياسية التونسية، تم اختيار مهدي جمعة، الذي كان يشغل منصب وزير الصناعة في حكومة علي لعريض، القيادي بحركة النهضة، منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، تتولى تسيير شؤون البلاد، وإجراء الانتخابات المقبلة.

وفي يونيو/حزيران 2012، انضم للمشهد السياسي بثقل كبير حزب "نداء تونس" برئاسة الباجي قايد السبسي، الذي يضم أعضاءً بحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل.

وتتوزع الأحزاب السياسية في تونس وفقا لـ 5 توجهات سياسية هي الإسلامية، والدستورية (نسبة لحزب بن علي) واليسارية والقومية والوسطية: 

1-      ذات توجهات إسلامية:

تعتبر حركة "النهضة" أبرز قوة سياسية ذات توجهات إسلامية وكان لها تاريخ طويل من العمل السياسي السري في ظل نظامي الحبيب بورقيبة وبن علي امتد من بداية السبعينات حتى الإطاحة ببن علي في يناير/كانون الثاني 2011.

 واستطاعت الحركة أن تعيد جمع شتاتها بعد الثورة وتبرز كأهم قوة سياسية منظمة في البلاد وهي تنشر في كامل تونس بقوة ما عدا محافظات الشمال الغربي (الكاف، وسليانة، وباجة، وجندوبة) حيث يبدو حضورها متوسط إذا ما اعتمدنا على نتائج انتخابات 2011.

 وتتوقع استطلاعات رأي وتقارير إعلامية أن تحقق الحركة نتائج مهمة في الانتخابات القادمة رغم تجربة توليها السلطة من ديسمبر/كانون أول 2011 إلى يناير/كانون ثاني 2014 وهي تجربة يعتبرها خصومها "فاشلة"، وهو الاتهام الذي ترفضه الحركة، ويلاحظ بحسب العديد من المتابعين أنها استعادت إشعاعها بعد تسليم السلطة إلى حكومة تكنوقراط محايدة يوم 27 يناير/كانون أول 2014.

ولا تبرز في تونس حتى اليوم قوى سياسية إسلامية أخرى تهتم بالشأن السياسي ويمكن أن تحقق اختراقًا مهمًا بالانتخابات، فحزب التحرير كثاني أهم قوة سياسية إسلامية قانونية لم يعلن حتى اليوم نيته المشاركة في الانتخابات.

ولكن هذا لا ينفي وجود تنظيمات صغيرة تقدم نفسها على أنها إسلامية لها نية التقدم للانتخابات مثل الحزب "الإسلامي التونسي" الذي قدّم قائمة حتى اليوم في الدائرة الانتخابية "تونس 1".

2-      الدستوريون:

يعود الدستوريون المنتسبون للنظام السابق بقوة إلى واجهة العمل السياسي اليوم عبر 3 أحزاب رئيسية، ويبرز "نداء تونس" كأهم حزب له مرجعية دستورية وإن كان لا يقتصر – ظاهريًا - عليها، وتقدمه استطلاعات الرأي كثاني أقوى حزب سياسي في البلاد بعد حركة النهضة، إلا أنه يعيش الآن خلافات حول رئاسة القوائم الانتخابية ويتوقع أن يحقق نتائج إيجابية في الانتخابات القادمة.

ويأتي حزب "المبادرة الوطنية الدستورية"، بزعامة كمال مرجان، وزير خارجية بن علي، كثاني حزب من العائلة الدستورية وقد فاز بـ5 مقاعد في الانتخابات الماضية أربع منها عن محافظات الساحل التونسي الشرقي "سوسة"، و"المنستير، و"المهدية" (المعقل التاريخي للحزب الحر الدستوري التونسي).

ويعتبر حزب "الحركة الدستورية التونسي" بقيادة حامد القروي، الوزير الأول خلال عشر سنوات تحت حكم بن علي، تأسس في سبتمبر/ أيلول 2013 كثالث قوة سياسية دستورية ويضم عددًا من وزراء بن علي ويحاول استقطاب الدستوريين السابقين.

3-       اليسار التونسي:

ينقسم إلى اليسار الراديكالي واليسار التقليدي واليسار الاجتماعي الديمقراطي

وتبرز "الجبهة الشعبية" التي انطلقت عند تأسيسها في أكتوبر/تشرين أول 2012 بـ11 حزبًا أهمها تياران ماركسيان وهما حزب العمال (حزب العمال الشيوعي التونسي تأسس في يناير/كانون الثاني 1986 وهو وريث العامل التونسي التي نشأت في بداية السبعينات) وحزب "الوطنيون الديمقراطيون الموحد" الذي نشأ بعد الثورة مجمعًا تيارات "الوطنيين الديمقراطيين" المتبنية للأفكار الماركسية اللينينية الماوية ونشأ في الجامعة التونسية أواسط السبعينيات.

وتنشط بالجبهة الشعبية أحزاب صغيرة بعثية وناصرية مثل التيار الشعبي (ناصري) أسسه محمد البراهمي قبل اغتياله بأكثر من شهر في يوليو/تموز 2013 وحركة البعث وحزب الطليعة العربي الديمقراطي، كما تنشط بها تيارات أخرى ماركسية.

وتتمثل قوة الجبهة في سيطرتها على النقابات وحصدت مقاعد (1 للوطنيين الديمقراطيين الموحد  + 3 لحزب العمال +2 التيار الشعبي) خلال انتخابات أكتوبر/تشرين أول 2011.

أما أهم ثاني أحزاب اليسار فهو حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" من يسار الوسط ذي توجه اجتماعي ديمقراطي حصد 20 مقعدًا في الانتخابات الماضية وأمينه العام مصطفى بن جعفر هو رئيس المجلس الوطني التأسيسي، ويحظى بحضور نسبي في كامل البلاد ماعدا الجنوب والوسط الغربي.

ويبرز حزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي" كثالث قوة يسارية في البلاد وهو وريث الحزب الشيوعي التونسي شارك في الانتخابات الماضية تحت اسم "القطب الديمقراطي الحداثي" وفاز بـ 5 مقاعد، ووجوده منحسر في العاصمة وبعض المناطق الساحلية في أوساط الأكاديميين ولكنه استقطب 4 نواب من كتلة "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" ونائبة من حركة "الديمقراطيين الاشتراكيين".

4-       ذات اتجاهات قومية:

تبرز حركة "الشعب" كأهم قوة سياسية ذات توجهات قومية رفضت الانخراط في "الجبهة الشعبية"، وتعود جذور هذه الحركة التي تأسست بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 إلى تيار الطلبة العرب التقدميين الوحدويين الناصري الذي نشأ في الجامعة أواسط السبعينات ولهذه الحركة حضور في النقابات وتنتشر نسبيًا جنوب تونس وفي منطقة سيدي بوزيد حيث حصلت على مقعد في الانتخابات الماضية وكذلك لها تواجد ملحوظ في محافظة باجة والشمال الغربي عموما.

وتعد حركة "المرابطون الناصرية" ثاني أهم قوة قومية أسسها المحامي بشير الصيد عام 2012 ولكن جذورها تعود إلى الثمانينيات حيث أسس الصيد "التجمع القومي العربي" عام 1981 ولكن النظام لم يسمح له بالنشاط إلا أن حضور هذا الحزب محدود جدًا ولا تبدو له حظوظ في الحصول على مقاعد في الانتخابات القادمة، بحسب مراقبين.

أحزاب وسطية:

عقب ثورة يناير/كانون الثاني، برزت قوى سياسية ذات مرجعيات مختلفة وقدّمت نفسها على أنها أحزاب وسطية ومنها حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي شارك حركة النهضة في ائتلاف الترويكا الحاكم من ديسمبر/كانون أول 2011 إلى يناير/كانون ثاني 2014 أسسه محمد المنصف المرزوقي (تولى رئاسة تونس لاحقا) في الخارج سنة 2001 ويضم مناضلين من مرجعيات فكرية يسارية وإسلامية وقومية تأثر بتجربة الحكم.

وانخفض عدد نواب حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" من 29 نائبًا في أكتوبر/تشرين أول 2011 إلى 12 نائبًا اليوم بفعل انشقاقات عديدة داخله تولد عنها تأسيس أحزاب "التيار الديمقراطي" بقيادة محمد عبو، وحركة "وفاء" بقيادة عبد الرؤوف العيادي، وحزب "الإقلاع من أجل المستقبل" بقيادة الطاهر هميلة.

كما انشق تيار المحبة ( تيار العريضة الشعبية للحرية والتنمية) أسسه عام 2011 عن حركة النهضة، محمد الهاشمي الحامدي، المقيم في لندن وكان مفاجأة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي أكتوبر/تشرين أول 2011  بحصوله على المرتبة الثالثة بـ 26 نائبًا لم يبق منهم اليوم سوى 7 نواب وهو الحزب الوحيد الذي أعلن ترشّحه في أغلب الدوائر منذ اليوم الأول لفتح الترشحات الجمعة 22 أغسطس/آب الحالي.

وفي مايو/أيار 2014، أُعلن عن تأسيس حزب "البناء الوطني" بقيادة رياض الشعيبي من قبل مستقلين ومنشقين عن حزب الخيار الثالث (منشق عن حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات) وحركة النهضة ونقابيين وحقوقيين ومستقلين، يقدم نفسه على أنه حزب ديمقراطي اجتماعي وفي لخيارات الثورة التحق به 5 نواب في المجلس التأسيسي حتى اليوم، وله انتشار نسبي في الشمال الغربي والجنوب الشرقي.

وبلغ عدد الناخبين المسجلين وفقا لإحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات 5 ملايين و146 ألفا و92 ناخبا، منهم 80 ألفا مسجلون بالخارج، حتى اليوم الاثنين، بحسب عضو الهيئة، مراد بن مولى، الذي تحدث للأناضول.

وتم تخصيص 4532 مكتب اقتراع في تونس يؤمنها جيش الاحتياط (تابع للقوات المسلحة) و468 مكتبا للاقتراع في الخارج في 65 دولة.

يشار إلى أن تونس بها 24 محافظة كل محافظة تمثل دائرة انتخابية ماعدا محافظات تونس العاصمة ونابل (شمال شرق)، وصفاقص (جنوب) لكل منها دائرتان ليبلغ إجمالي عدد الدوائر 27 .

ومددت هيئة الانتخابت تاريخ التسجيل للانتخابات مرتين بعد أن كانت مقررة في الفترة ما بين 23 يونيو/حزيران الماضي إلى 23 يوليو/تموز الماضي، لتتواصل حتى 4 أغسطس/آب الجاري ثم إلى 26 من نفس الشهر.

وانتخب نواب التأسيسي أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برئاسة شفيق صرصار في فبراير/شباط الماضي وأوكلت لها مهمة تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في نهاية 2014 وفقا لقانون انتخابي يتضمن 7 أبواب و176 مادة.

وكانت تونس قد أقرت في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، وثيقة الدستور الجديد الذي وصفه مسؤولون تونسيون بأنه أول "دستور ديمقراطي توافقي" في المنطقة العربية.

ونص الدستور في المادة 148 من الباب العاشر "الأحكام الانتقالية" على أنه "تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة بدايتها أربعة أشهر من استكمال إرساء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دون أن تتجاوز في كل الحالات نهاية سنة 2014''.

وفي 30 مايو/أيار الماضي أجمعت الأطراف السياسية المشاركة في الحوار الوطني في تونس، بعد جدل طويل، على الفصل بين الانتخابات التشريعية (البرلمانية) والرئاسية القادمة، وحدّد المجلس التأسيسي مواعيد الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والرئاسة في 23  نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بحسب المواعيد التي قدمتها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات.