تعاني ليبيا، احدى أغنى دول المنطقة، والتي تملك أكبر احتياطات نفطية في أفريقيا،ظروفا اقتصادية صعبة،طيلة السنوات العشر الماضية التي شهدت تتالي الحروب والإنقسامات، جرّاء التنافس على السلطة والحكم بين جزئي البلاد الغربي والشرقي وانتشار السلاح بين الميليشيات،وتحول البلد الذي كان ينعم بالوفرة والانتعاش إلى اقتصاد مفكَّك ومنهار،وتزايد الفقر في صفوف المواطنين.

لجنة برلمانية

وفي وقت يطالب فيه الليبيون بتوزيع عادل لإيرادات النفط في دعوة وجدت تأييدا من المجتمع الدولي،أعلن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، الجمعة 04 نوفمبر 2022 ، تشكيل لجنة مهمتها وضع آلية لتوزيع الثروات وفق التوزيع الجغرافي للبلاد وعدد السكان، واعتبارا لمواقع إنتاج وتصدير النفط.

وتضم اللجنة 11 عضوا، وصفوا بأنهم "من الخبراء" دون ذكر اختصاصاتهم، وهم: علي الحبري وامراجع سليمان وفاخر الفاخري وحمودة الأسود ومسعود قريفة وإدريس حسين وإبراهيم محمد والسنوسي الزوام ومحمد الصادق ومحمد بوسنينة وعبد الرحمن محمد، على أن يختاروا من بينهم رئيسا في أول اجتماع لهم".

وتهدف هذه اللجنة،"لتمكين جميع الليبيين من الاستفادة من ثروة النفط والغاز بطريقة عادلة، وتحقيق التنمية في المناطق التي توجد فيها مواقع الإنتاج أو التصدير".ونص القرار،على "ضرورة تقديم اللجنة تقريرًا بنتائج أعمالها لرئاسة مجلس النواب في موعد أقصاه نهاية تشرين الثاني نوفمبر الجاري".وفق ما جاء في الموقع الرسمي للبرلمان.

صراع الثروة

ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا،وتعد إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.وخلال السنوات الماضية،كانت الحروب في ليبيا تدور حول الثروات،ومثلت السيطرة على الموانئ النفطية هدفا رئيسيا للأطراف المتحاربة في البلاد.

ورغم أن الثروات تعتبر من أهم مكتسبات الدول والتي تمكنها من تطوير اقتصاداتها وتحقيق الرخاء لشعبها،فقد تحولت الثروات في ليبيا الى "نقمة" حيث باتت السبب الرئيسي في الصراعات المحتدمة في البلاد.وهو ما أكده المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، غسان سلامة،في يونيو 2019،حين أكد أن جوهر الأزمة في ليبيا هو "صراع على الثروة يتخذ شكل صراع على السلطة".

وأوضح سلامة حينها،في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، أن أي حل سياسي في ليبيا يجب أن يرتبط بتوزيع ثروات البلاد، مؤكدًا على أن الأمم المتحدة لا ترغب بالتدخل في شؤون الليبيين، ويتعين وجود رقابة دولية على موارد البلاد.وشدّد المبعوث الأممي على أن التدخل الخارجي سمة النزاعات الداخلية في الدول العربية وليبيا ضحية تدخل خارجي، حسب قوله.

ومثل ملف توزيع الثروات،محور خطابات السياسيين الليبيين لكسب التأييد الشعبي،حيث شدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة،خلال اجتماعه مع عمداء بلديات المنطقة الغربية، الخميس 31 مارس 2022،على أهمية "التكاتف لتفعيل الإدارة المحلية" التي عدها "الحل الوحيد لتوزيع الثروة الليبية ومحاربة اللامركزية والقضاء عليها".

بدوره،وعد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، فتحي باشاغا، بالعدالة في توزيع الثروات،في أول اجتماع عقدته حكومته،في ابريل الماضي، في مدينة سبها،وأكد حينها باشاغا على عمل حكومته على تحقيق "العدالة في توزيع الثروة والخدمات وجودة الحياة لكل مواطن ليبي سواء بسواء دون تمييز أو إقصاء".

توزيع الثروات..هل يكون الحل؟

تعيش ليبيا منذ اشهر على وقع تصاعد التوترات السياسية في ظل صراع محموم بين حكومتين احداهما في الشرق والأخرى في الغرب،ووصل التنافس بين الحكومتين حد الاشتباكات المسلحة،فيما تعطلت محاولات توحيد مؤسسات الدولة التي قطعت أشواطا هامة خلال الفترة التي سبقت تكليف حكومة باشاغا من قبل البرلمان.

وعلى وقع الأزمات السياسية والتوترات العسكرية،تزايدت الأزمات المعيشية في ليبيا مع تصاعد الأسعار في الأسواق ،ونقص الخدمات العامة،وتزايد نسبة البطالة، وتراجع جودة الاستشفاء العام لنقص الإمكانات.وتحدثت تقارير اعلامية عن نسبة 80% من الليبيين يعيشون تحت خط الفقر نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية،واختفاء الطبقة الوسطى في البلاد.

لا شك ان المشكل في ليبيا يبقى "أمنيا"،فانتشار المليشيات المسلحة في البلاد،حول البلاد الى ساحة حروب مستمرة،وخلق "بارونات" تتمعش من حالة الفوضى وغياب الدولة.فطيلة السنوات الماضية،ظهر أغنياء الحرب الذين استنزفوا ثروات البلاد ونهبوها،فيما استشرى الفساد في أروقة الحكومات المتعاقبة أستنزفت الموارد المالية والثروة الطبيعية الليبية وعوائدها وهو ما أشارت إليه تقارير ديوان المحاسبة وجهاز الرقابة الإدارية السنوية.

ويعد توزيع الثروات بشكل عادل في ليبيا من المطالب الأساسية التي يرفعها الليبيون منذ سنوات،ويرى كثيرون،أن وضع آلية لادارة وتوزيع موارد البلاد،من شأنه أن يحقق الشفافية والعدالة،وتحقيق التنمية في المناطق الليبية بشكل عادل وتحشين مستوى المعيشة للمواطن.فيما يشير آخرون،الى أن الامر يبدو صعب التحقيق في ظل الخلافات الدائرة في البلاد وغياب ارادة سياسية واضحة للاصلاح.

ويرى مراقبون،إن مسارات الأزمة في ليبيا متشابكة ومعقدة، لكنها قابلة للحل،وهو ما أكده،مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي،خلال لقائه رئيس البرلمان العربي عادل العسومي، على هاش القمة العربية في الجزائ،حين قال إن مهمته في ليبيا ثقيلة، لكنها ليست مستعصية على الحل، وعمله يرتكز بشكل أساسي على ما يريده الليبيون دون تدخلات أجنبية.