مهد سقوط السلطة في ليبيا، لدخول البلاد في دوامة أوضاع متأزمة في المجالات السياســية والعســكرية والاقتصادية، وحرب أهلية وسط انعدام سلطة مركزية، مع حضور قوي للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، ناهيك عن تدخل واسع النطاق من قبل القوى الدولية التي تسعى لتدعيم مصالحها في هذا البلد الغني بالثروات. 

وفي ظل هذه الفوضى، انطلقت مشاورات واجتماعات عديدة حدثت في العاصمة المصرية القاهرة منذ حوالي السنة بين ضباط من القيادة العامة للجيش الليبي وضباط من غرب البلاد حول مسألة توحيد المؤسسة العسكرية، التي يعتبرها الكثيرون نقطة البداية للخروج من الأزمة الشائكة. 

مسودة اتفاق

واستؤنفت الجولة السابعة من مفاوضات توحيد الجيش الليبي، الخميس، 18 أكتوبر/تشرين الأول، بحضور ممثلين عن الجهتين، الغربية والشرقية. وأسفر ختام اجتماعات الوفود العسكرية الليبية عن مسودة مشروع مقترح لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية. وتضمنت المسودة بنودا خاصة بإعادة تشكيل جهاز الحرس الرئاسي، والذي طالما أثار جدلا خلال السنوات الماضية بشأن فاعليته بعد إنفاق الملايين على تشكيله دون أن يترك أثرا واضحا في تحقيق أهدافه. 

وحاولت الأطراف العسكرية المجتمعة في القاهرة -وفق المسودة المقترحة- وضع أطر لضبط عمل الجهاز بما يضمن له الفاعلية والتأثير، حيث جاء بالمسودة أن تكون تبعيته للقيادة العامة بالقوات المسلحة، مع إفساح المجال للتعاون مع بعض وحدات القوات المسلحة، وأن تسند مهام الحرس الرئاسي من قبل رئيس الدولة. ووفق المسوّدة، فقد تحددت مهام الحرس الرئاسي بحماية رئيس الدولة وأعضاء الحكومة ومقرّات المجالس التشريعية، بالإضافة إلى تأمين مقرات البعثات الدبلوماسية المعتمدة في ليبيا، وحماية الضيوف وأماكن الاجتماعات والحفلات، وتأمين تنقلات أعضاء الحكومة داخل البلاد. 

ومن أبرز البنود الواردة في مقترح توحيد المؤسسة العسكرية، الإبقاء على القائد العام المعيّن من مجلس النواب المشير خليفة حفتر في منصبه قائدا عاما للقوات المسلحة مدة 4 سنوات يضاف إليها عام آخر. ونصّ المقترح على حظر التشكيلات الموازية للجيش من خلال قرارات حازمة وإتاحة الفرصة للجميع بالانتساب للمؤسسة العسكرية ومنح ميزة الأسبقية لأفراد التشكيلات، وأن تكون صياغة القوانين والقرارات التي تنظم عمل المؤسسة العسكرية بشكل تكاملي بين السلطة التشريعية والتنفيذية المختصة بإدارة المؤسسة العسكرية. وتضمن المقترح إنشاء مجلس للأمن القومي بقيادة سياسية، ومجلس للدفاع الوطني بقيادة سياسية عسكرية، ومجلس للقيادة العامة بقيادة عسكرية، وحدد المقترح مكونات هذه المجالس ومهامها. 

مواقف متباينة

وجاءت الجولة السابعة عقب ستة اجتماعات في القاهرة، كان أخرها في مارس/آذار 2018، بحضور الفريق عبد الرازق الناظوري، ممثلا عن الشرق، ورئيس الأركان في حكومة "الوفاق" في الغرب اللواء عبد الرحمن الطويل، إلا أنه لم يتم الاتفاق على النقاط التي لا تزال تمثل الخلاف، حتى الآن. 

وطالب فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، بتوضيح وضع السلطة المدنية، المتمثلة في القائد الأعلى للجيش وصلاحياته، في مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية، التي تنعقد في القاهرة. وهو ما اعتبر احتجاجا على مقترح الاتفاق الذي أعده العسكريون ومطالبة صريحة بصلاحيات أوسع. وجاء ذلك على لسان الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي محمد السلاك، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده، الإثنين، بالمركز الإعلامي، بديوان رئاسة الوزراء، في العاصمة الليبية طرابلس. 

وأشار السراج، إلى أن "المفاوضات (لتوحيد الجيش) مازالت مستمرة إلى حين الوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص"، حسبما نقل عنه السلاك. لكنه شدد على أن "توحيد المؤسسات، ولا سيما السيادية منها، لا يمكن فصله عن الحل السياسي الشامل". وأعلن السراج، دعمه الكامل "لتوحيد المؤسسة العسكرية، ومتابعته لهذا المسار التفاوضي الهام بشكل مستمر مع ضباط الجيش، التابعين لحكومة الوفاق. 

ما زالت أزمة توحيد الجيش الليبي تلقي بظلالها على الساحة السياسية، في ظل تواصل الجدل حولها، فبعد أن أكد العميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي، أن الضباط المجتمعين في القاهرة اتفقوا على توحيد الجيش الليبي، على أن يكون المشير خليفة حفتر قائدا عاماً، بالإضافة للاتفاق على تأسيس ثلاثة مجالس عسكرية، نفى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بطرابلس، المدعومة دولياً، ذلك معتبراً تصريحات المسماري "غير مسؤولة. 

ورغم التقارب الواضح بين الأطراف المتفاوضة، فإن الوصول إلى إتفاق مازال محل شكوك، ونقلت "إرم نيوز"، عن مسؤول عسكري في الجيش الوطني الليبي، إن المفاوضات السياسية ما زالت جارية برعاية مصرية، ولكون الجوانب العسكرية حساسة للغاية، فإن القاهرة تمتلك حاليًا آليات الحفاظ على الاتفاق المبدئي الذي جرى قبل أيام. 

ولم ينفِ المسؤول العسكري الليبي نتائج وبنود اجتماع القاهرة الثلاثة التي أعلن عنها العميد أحمد المسماري، إلا أنه اعتبر المجلس الرئاسي يحاول "إثارة البلبلة لعرقلة المفاوضات الجارية". وأكد أن هناك دعمًا يقدم لحكومة الوفاق والجماعات المسلحة غرب ليبيا؛ لعرقلة عملية المباحثات وعدم توحيد الجيش الليبي تحت قيادة المشير خليفة حفتر، وفق قوله. 

مؤتمر باليرمو

على صعيدآخر، تتواصل التحضيرات لمؤتمر باليرمو في صقلية بإيطاليا يومي 12 و13 نوفمبر المقبلين، فى مسعى لجمع القوى المتناحرة معا وإقامة حوار فى البلاد، وفق تصريحات مسؤولين إيطاليين. وفي حين أعلن الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي، محمد السلاك، أن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، أكد التزامه لحضور مؤتمر "باليرمو"، مازالت مشاركة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في هذا المؤتمر لم يتبين بعد. 

وكشفت صحيفة لاستامبا الإيطالية، الإثنين، عن وجود عضو مجلس النواب علي السعيدي الذي وصفته بالمقرّب من رئيس المجلس عقيلة صالح في روما لبحث مشاركة المشير حفتر وصالح في وقت نقلت فيه الصحيفة عمّن وصفته بمسؤول كبير في شرق ليبيا قوله إن مشاركة قائد الجيش الوطني لم يتقرر بعد أي شيء بشأنه. 

وأضافت الصحيفة أن السعيدي سيشارك في العديد من الاجتماعات لتحديد الجوانب الرئيسية والنقاط الممكنة للتقارب في الأهداف، ناقلة في الوقت ذاته ما صرّح به عضو مجلس النواب قبل بضعة أيام بشأن عدم مشاركة المشير حفتر وصالح في المؤتمر لأنه سيزيد حدة الأزمة الليبية ولأن هناك دولا مثل إيطاليا تفعل كل شيء لمواصلة ذلك. 

ولفتت الصحيفة إلى مطالبة السعيدي الحكومة الإيطالية بإجراء حوار أكثر مع قيادة الجيش الوطني الليبي ومع مجلس النواب في طبرق. واعتبرت لاستامبا أن هذه النقطة واحدة من العقد التي سيتم تنظيم مشاورات في روما خلال الساعات القليلة القادمة بشأنها. 

ولأنه من الصعب فصل مشاورات توحيد المؤسسة العسكرية عن الخلافات السياسية، يرى العديد من المراقبين أن نجاح الجهود الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء سيسرع مسألة توحيد المؤسسة العسكرية التي تعد الفرصة الأبرز للبلاد للتخلص من خطر العناصر الإرهابية في البلاد، وفرض الأمن والاستقرار، وهو ما يمثل نقطة البداية لحل الأزمة الليبية.