الزيارة الأخيرة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى القاهرة على هامش اجتماعات اللجنة العليا المصرية الليبية المشتركة كانت نسبيا بعيدة عن السياسيةصحيح أن البيانات الصادرة عقب الزيارة فرضت اللغة الدبلوماسية أن تكون برائحة السياسة والرغبة المصرية في التقدّم بكل الملفات العالقة في ليبيا في علاقة بالانتخابات والمصالحة ومستقبل الشأن السياسي وغيرها من النقاط التي تكون مألوفة في أغلب البيانات، لكن المتابع لفحواها يعرف أن محور الزيارة هذه المرة هو الاقتصاد، وما يمكن أن يحمله من مصالح واستثمارات بين البلدين.

لكن الزيارة لم تكن عادية أيضا لسبب آخر وهو الجدل حول نجاح مصر في الحصول على اتفاقات اقتصادية كبيرة مقارنة ببقية الأطراف الإقليمية، التي يبدو أن واقعها السياسي الداخلي أضعف دورها وجعلها تراقب ما حصل في القاهرة بعين الراغب في اللحاق بموكب الحاصلين على الاستثمار داخل الأراضي الليبية، وهنا الحديث تحديدا عن تونس التي مازالت تبحث عن مصالحها في ليبيا خاصة أنها سباقة في العديد من المشاريع، رغم أن انخراط الحكومات السابقة في الانحياز إلى أطراف سياسية في الداخل الليبي أثر بشكل كبير على علاقات البلدين ومن خلالها على التعاملات الاقتصادية.

وبالعودة إلى وصول الدبيبة إلى القاهرة قالت وكالات أنباء عربية ودولية إن "مصر وليبيا وقعتا أكثر من 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم اقتصادية في العاصمة المصرية القاهرة، تتخطى قيمتها المبدئية مليارات الدولارات"، ضمن تحول كبير في العلاقات بين البلدين ينتظر أن تتوج بأكثر من مشروع استثماري في مجال المقاولات والتبادل التجاري.

وفي تأكيد رسمي على الاتفاقات قال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء بحسب ما نقل موقع "العربية نت"، إنه في ختام أعمال الدورة الحادية عشرة للجنة العليا المصرية الليبية المشتركة، تم توقيع 14 مذكرة تفاهم؛ تضمنت مذكرة تفاهم بين الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في مصر، ووزارة الخدمة المدنية بالحكومة الليبية في مجالات الإدارة والوظيفة العامة والخدمة المدنية، وقعها من الجانب المصري الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ووقعها من الجانب الليبي عبدالفتاح صالح الخوجة، وزير الخدمة المدنيةوأضاف سعد، أنه تم أيضا توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء اللجنة التجارية المشتركة بين حكومتي البلدين، وكذا مشروع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتنمية الصناعية المصرية، ووزارة الصناعة والمعادن الليبية في مجال التعاون الصناعي".

وأضاف مسؤولون مصريون أن الاتفاقات تشمل مجالات الطاقة بالتوقيع على "عقد تصميم وتوريد وتركيب مشروع محطتي درنة الغازية، وميلتة الغازية، بين الشركة العامة للكهرباء الليبية، وائتلاف الشركات المصرية (أوراسكوم للإنشاءات، ورواد الهندسة الحديثة، والهندسة)، كما تم توقيع عقد استشاري لمشروعي محطتي ميلتا ودرنة الغازية، بين الشركة العامة للكهرباء الليبية وائتلاف استشاريين مصريين".

كما أكد وزير العمل الليبي الذي كان ضمن الوفد الوزاري في القاهرة أنه تم توقيع اتفاقات بقيمة 19 مليار دينار ليبي في مجالات مختلفة، في إطار التعاون مع الشركات المصرية لتنفيذ خطة مشاريع التنمية والبنية التحتيةمشيرا إلى أن بلاده ستستقبل أكثر من مليون عامل مصري بداية من شهر أكتوبر المقبل لتنفيذ تلك المشروعات.

أما بالنسبة إلى تونس، فالأمر مختلف، البلدان مرتبطان باتفاقات تقليدية وكان للوجود الاستثماري التونسي في ليبيا تأثيرها في الكثير من المشروعات في علاقة بالمبادلات التجارية والشركات الغذائية وشركات البناءات وغيرها من المشاريع ذات التشغيلية الهامةوعلى الرغم من تداخل الوضع في ليبيا وفي العشرية الأخيرة، ومرور علاقات البلدين ببعض البرود آخرها في الأشهر الأخيرة عندما حاولت بعض الأطراف في البلدين استغلال إغلاق الحدود للتشويش، وقد حصل بالفعل بعض التوتر الذي فرض تصريحات وردود رسمية، لكن من يعرف طبيعة العلاقة بين البلدين يعرف أنها مجرّد فترة تمر بمرور أسبابها.

الرابط الاقتصادي بين تونس وليبيا مبني على عمودين، عمود الاقتصاد الرسمي حيث توجد اتفاقيات اقتصادية عبر شركات متركزة في ليبيا سواء برأس مال تونسي كامل أو برأس مال مشترك، ومبادلات تجارية تراوح ما قيمته 2 مليار دولار سنويا، وعمود الاقتصاد الموازي عبر الحدود البرية خاصة رأس اجدير الذي لا يحدد أرقاما واضحة لكن المؤكد أنه يقارب نسبة الاقتصاد الرسمي، مع تشغيلية كبيرة تخفف العبء على البطالة في تونسوعلى الرغم من محاولات أصحاب المال شيطنة الاقتصاد الموازي، لكن ثبت بمرور السنوات أنه يساهم بشكل كبير في تهدئة الاحتقان الاجتماعي خاصة في المناطق الحدودية التي تشكو مشاكل تنموية كبرى.

ومثلما تم تم توقيع مذكرات تفاهم مع الجانب المصري من المتوقع أن تنجح تونس عبر غرفة التجارة والصناعة لصفاقس في توقيع اتفاق لمشروع ضخم لبناء خمسة آلاف وحدة سكنية من المتوقع البدء في "إنجازها خلال الفترة القادمة في ليبيا سيتم عرضه في الدورة 16 للصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2021" التي تقيمها الغرفة من 6 إلى 9 أكتوبر القادم بصفاقس بمشاركة دولية واسعة لحوالي 17 دولة".

كما يتوقع خلال الفترة المقبلة الإعلان أيضا عن تفاهمات أخرى ضمن خطة شاملة لإعادة إعمار ليبيا والتي قد تشهد دخول مؤسسات مالية تونسية في المنافسة للحصول على نصيبها من تلك الخطة.