تشهد العاصمة الليبية طرابلس ارتفاعا حادا في المعارك المسلحة الدائرة على تخومها بين القوات المسلحة الليبية من جهة، وقوات حكومة الوفاق في الجهة المقابلة.وعلى وقع تقدمات ميدانية جديدة للجيش الليبي تتكشف طبيعة التحالفات التي أقامتها حكومة السراج المدعومة من تركيا مع تنظيم "داعش" الارهابي للقتال ضد القوات المسلحة.

في مشهد جديد يكشف جزءا كبيرا من حقيقة الصراع في طرابلس،ظهر الإرهابي سعد عبدالسلام الطيرة أحد قادة تنظيمي أنصار الشريعة ومجلس شورى مجاهدي درنة المصنفتين منظمتين إرهابيتين يتبعان لتنظيم القاعدة في ليبيا، وهو يقاتل إلى جانب قوات حكومة الوفاق ضد قوات الجيش الليبي في محاور القتال جنوب طرابلس.

ويعتبر الطيرة أحد أخطر العناصر الإرهابية المطلوبة محليا ودوليًّا لدى الأجهزة الأمنية، وهو من مواليد حي الساحل الشرقي بمدينة درنة شرق ليبيا عام 1977، ويُكنى داخل التنظيمات المسلحة بـ"أبي الزبير الدرناوي"، ويخوض المعارك ضمن صفوف كتيبة "أبو سليم" الإرهابية بقيادة سالم دربي ويعد عضوا وقائدا ميدانيا بارزا لدى الكتيبة.

وحارب الطيرة في التحالف الإرهابي في درنة رفقة المجرمين الإرهابيين المعروفين المصريين هشام عشماوي وعمر سرور، وقد ظهر في وقت سابق في إصدارات مصورة بثتها الجماعات الإرهابية بالمدينة، وهو يتوعد قوات الجيش الليبي بتنفيذ عمليات إرهابية.وتواجد الطيرة ضمن مجموعة "إبراهيم الجظران" كما تحرك بين مدن (الشاطئ سبها) لفترة وانتقل إلى جنوب بني وليد ومنها إلى مصراتة، ومنها إلى تاجوراء، وأعلن عن تواجده مؤخرا في طرابلس ضمن المليشيات المسلحة في محور عين زارة ودخل في مواجهات عديدة ضد المواجهات ضد القوات المسلحة الليبية.


ويأتي ظهور الطيرة بالتزامن مع سقوط أحد أهم قيادات "داعش" في يد الجيش الليبي خلال مشاركته في القتال في صفوف قوات الوفاق وحليفها التركي.وقال اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي، الإثنين، إن وحدات القوات المسلحة في محاور طرابلس، ألقت القبض على الداعشي السوري محمد الرويضاني.وأوضح المسماري في بيان عاجل، أن الرويضاني المكنى "أبوبكر"، هو أحد أخطر عناصر داعش في سوريا، وانتقل إلى ليبيا برعاية المخابرات التركية كأمير لما يعرف بـ"فيلق الشام".

وأشار إلى أن القيادي الداعشي ألقي القبض عليه وهو يقاتل مع مليشيات السراج التي يقودها ضباط أتراك، وشدد على أنه يعد دليلا آخر على العلاقة بين الرئيس التركي رجب أردوغان وتنظيم داعش الإرهابي.وتم القبض على المرتزق الداعشي من قبل القوات المسلحة الليبية خلال المواجهات ضد عناصر الحشد المليشاوي والمرتزقة السوريين في كمين تم نصبه بمعسكر اليرموك مساء السبت.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن الضابط في شعبة مكافحة الإرهاب سليمان الجارح،قوله أن الرويضاني، مقيم بمدينة حمص حي بابا عمرو، وهو مطلوب للسلطات السورية في قضايا اغتصاب، كما أنه مطلوب على ذمه عدة قضايا قتل بسوريا آخرها قتل رجل لأجل أن يغتصب زوجته، ثم اختفى لفترة قبل أن يهرب إلى ليبيا.وأوضح الجارح أن التحقيقات الأولية أوضحت أن البويضاني ، يمتلك حسابين على موقع فيسبوك، أحدهما باسم، محمد حمص، والآخر باسم أبو بكر البويضاني.

وبدا واضحا أن القبض على الرويضاني مثل ضربة لتنظيم "داعش" الذي سارع ،لاعلان مسؤوليته عن تفجير سيارة عسكرية تابعة للجيش الليبي في مدينة تراغن جنوب غربي البلاد. ونشرت وكالة أعماق الذراع الإعلامي للتنظين الارهابي بيان قالت فيه إن السيارة تم إعطابها عقب تفجير لغم بالقرب من مقر الكتيبة 628 مشاة التابعة للجيش الليبي.

واعتبر المتحدث باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري،أنها عملية انتقامية بعد العملية الأمنية الناجحة للجيش الليبي.وقال المسماري، خلال مقابلة مع "العربية الحدث"،أن "تنظيم داعش دائما يحاول ويسعى إلى إثبات وجوده، والانتقام بعد كل عملية ناجحة للقوات المسلحة، كما يحاول دائما أن يثبت سيطرته أو أن لديه مساحة للتحرك في منطقة الجنوب الغربي".

وهذا الهجوم هو الثاني الذي يتبناه "داعش" ويستهدف "الجيش الوطني الليبي"، حيث سبق أن أعلن التنظيم في 21 مايو قصف 3 مواقع لقوات الجيش الليبي جنوب البلاد.وأعلن "داعش" تنفيذ هذين الهجومين بعد أشهر من غياب أي تقارير حول عملياته في ليبيا.وقال مصدر عسكري في "الجيش الوطني الليبي" لـ"رويترز" إن نشاط تنظيم "داعش" يتزايد في جنوب ليبيا بعد إلقاء القبض على القيادي الرويضاني.

وفي نهاية فبراير الماضي أعلن الجيش الليبي إحباط مخطط تخريبي لتنظيم داعش الإرهابي في جنوب البلاد، حيث أكد القبض على الإرهابي عمر فاضل السعيد محمد الأمين المكنى بـ"أبو عبدلله "، وهو طبيب داعش في ليبيا، جنوب مدينة سبها، حيث ينظم مع آخرين لتنفيذ مخطط إرهابي في الجنوب.وأكد الجيش وقتها أنه تم نقل أبو عبدالله إلى مكان سري آمن لأنه من أهم قيادات التنظيم، ولديه أسرار كثيرة عن خلايا داعشية في الجنوب وليبيا عامة.


وتلقي هذه التطورات الضوء على تركيبة قوات حكومة الوفاق التي لطالما حاولت إثبات عدم وجود عناصر إرهابية أو متطرفة منخرطة في القتال في صفوف قواتها ضد الجيش الوطني الليبي، وغالبا ما أكدت أنها اتخذت تدابير شاملة لمحاربة العناصر المتطرفة في ليبيا إلا أن الوقائع المتجددة على مسرح العمليات في غرب البلاد كشفت عكس ذلك.

وظهر خلال احتلال مدينتي صرمان وصبراتة خليط من العصابات والعناصر الارهابية والمرتزقة تحت غطاء الطائرات والاسلحة التركية.وكشفت مشاهد الفيديو لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير.ومنهم الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش.

وفي فبرار الماضي،قال قائدا ميليشيات ليبية في طرابلس لوكالة أسوشيتد برس إن تركيا جلبت أكثر من 4000 مقاتل أجنبي إلى طرابلس، وأن "العشرات" منهم ينتمون إلى جماعات متطرفة. وتحدث القائدان شريطة عدم الكشف عن هويتهما كونهما غير مخولين لمناقشة الأمر مع وسائل الإعلام.كما سلط القائدان الضوء على الآراء المختلفة داخل ميليشيات طرابلس بشأن قبول المتطرفين السوريين في صفوفهم. وقال أحدهما إن خلفيات المقاتلين ليست مهمة، فيما قال الآخر ان بعض القادة يخشون أن "يشوه" المقاتلون السوريون صورة حكومة الوفاق.

وكان رئيس حكومة طرابلس فايز السراج، وأردوغان، قد خالفا القوانين الدولية وأبرما مذكرتي تفاهم من شقين، الأول خاص بتعيين الحدود البحرية، ينتهك حقوق دول الجوار، والثاني يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية، مما مهد لوجود تركي عسكري على الأراضي الليبية.وبفضل المذكرة الأخيرة، بدأ أردوغان في إرسال مرتزقة إلى ليبيا لدعم حكومة السراج، في معاركها ضد الجيش الوطني الليبي.

وكشفت تقارير ليبية وعربية،أنّ السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيمي "جبهة النصرة" و"داعش"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس.وفي ابريل الماضي،أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان،أن تركيا تجند على أراضيها المقاتلين السوريين من فصائل جهادية مختلفة وتدربهم ثم ترسلهم عبر مطاري غازي عنتاب واسطنبول إلى الأراضي الليبية.


وتراهن تركيا على عناصر "داعش" في سوريا بهدف نقلهم الى ليبيا نظرًا لاعتباره المكان الأكثر اشتعالًا في المنطقة، لاسيما المصالح التركية الكبيرة فيه. ويشير ذلك الى أن أردوغان يسعى للتخلص من الجماعات المتشددة خاصة داعش، من المناطق القريبة من حدود بلاده، كونهم يتسببون في مشكلات مع كل من روسيا والنظام السوري، ويهددون أمن تركيا.

ويشير مراقبون الى أن تركيا تسعى لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد للتنظيمات الارهابية وخاصة "داعش" خدمة لأجنداتها المشبوهة.وفي تغريدة له بموقع "تويتر"،أكد رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس أن المخطط التركي في ليبيا يقوم على نقل مقاتلي داعش من شمال سوريا إلى ليبيا للاستيلاء على ثروات النفط في البلاد بالتعاون مع مليشيات مصراته وإشراف المخابرات التركية.

وأكدت تقارير إعلامية تسهيل أنقرة انتقال الدواعش ونظرائهم من الإرهابيين والمُتطرفين من سوريا إلى ليبيا،حيث يسعى إردوغان من تأصيل وجود تنظيم "داعش" على الأراضي الليبية إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد الدول الأوروبية وهو أمر بدا واضحا حين حذر في مقال نشر في مجلة "بوليتيكو" من أن التنظيمات "الإرهابية" ستجد موطئ قدم لها في أوروبا إذا سقطت حكومة الوفاق التي يدعمها.