دخلت ليبيا خلال السنوات الماضية في أتون الحروب، التي أفرزت عشرات الميلشيات والجماعات المسلحة ذات الخلفيات المختلفة، الإجرامية والجهادية والسياسية، لكنها تستثمر في مجال واحد هو الموت والترهيب. وقد تحولت إلى واقع مرير تعيشه البلاد. وتتشكل تلك الميليشيات على أسس دينية وطائفية أو على أسس سياسية، وكذلك يمكن أن تكون حرة الحركة والتوجه فتعمل لمن يمكن أن يدفع لها أكثر.

وكانت العاصمة الليبية هي الضحية الأبرز لهذه المليشيات المسلحة،حيث شهدت المدينة سنوات من الفوضى وعدم الاستقرار،بعد أن أصبحت الكلمة العليا للميليشيات بعيدا عن سلطة القانون والدولة.وانتشرت في المدينة عمليات الخطف والاعتقال والقتل والتهجير التي طالت كل من يرفض فوضى المليشيات.

وبعد إطلاق الجيش الوطني الليبي عملية "طوفان الكرامة" في الرابع من أبريل/نيسان الماضي لتحرير طرابلس من قبضة الميليشيات وجيوب الإرهاب،تصاعدت عمليات الاختطاف في العاصمة الليبية على يد المسلحين في مشهد يؤكد غياب الأمن في المدينة واستمرار الانتهاكات التي تمارسها المليشيات في حق الليبيين.

آخر عمليات الاختطاف استهدف كابتن طيار نوري الأطرش أحد طياري شركة  الخطوط الجوية الليبية في بنغازي،الذي اختطف على يد مجموعة مسلحة مجهولة الهوية مساء أول من أمس في العاصمة الليبية.

وقال المكتب الإعلامي للخطوط الجوية في بيان له،الثلاثاء إن الطيار نوري الأطرش "خُطف أثناء تواجده بفندق الصافي بالعاصمة، من قبل أشخاص مجهولي الهوية بالعاصمة... في حين يدعي مسؤولو طرابلس خلوها من الإرهاب والميليشيات".

وناشدت الخطوط الجوية الجيش الوطني، وأعضاء مجلس النواب، ومجلس إدارة الشركة الليبية الأفريقية القابضة للنقل الجوي سرعة التحرك لإطلاق سراح الأطرش. كما نبّه مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الليبية على جميع الطيارين، الذين يعملون في مدينة طرابلس،"أخذ الحيطة والحذر إلى حين رجوعهم إلى أسرهم سالمين"، لافتاً إلى أنه "يخلي جميع مسؤولياته عن كل من يتوجه للعمل بمدينة طرابلس هذه الأيام، وفي ظل الظروف الراهنة".

وطالبت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، بإطلاق سراح الطيار نوري الأطرش،واتهمت المنظمة، في بيان نشره مكتبها الإعلامي،الاربعاء،مليشيا "النواصي"، باختطافه بعد إن رفض طلبهم، بالاقلاع من مصراتة إلى أنقرة، والرحلة غير مجدولة حسب المعلومات الواردة للمنظمة.وحملت المنظمة، الخاطفين مسؤولية، سلامة الأطرش ، معتبرة هذه الأعمال غير مقبولة شرعا وأخلاقا وقانونا.

وتنتشر عمليات الخطف والتوقيف دون سند قانوني في العاصمة طرابلس، على أيد الميليشيات المسلحة. لكن مع تواصل الاقتتال بين الجيش الوطني وقوات موالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، يتخوف متابعون من أن عمليات الخطف والاغتيالات على الهوية، ربما ستزداد في قادم الأيام بحق مواطني شرق ليبيا المتواجدين بالعاصمة.

وشهدت الفترة الأخيرة عمليات اختطاف استهدفت مسؤولين،على غرار رئيس مركز طرابلس الطبي، نبيل العجيل،الذي اختطف على يد احدى المليشيات المسلحة في محاولة لإجباره على الاستقالة، ليتم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أيام.كما قامت ميليشيات باختطاف مستشار وزير الصحة بحكومة الوفاق ناجي جبريل، واتهمته بـ"الخيانة"، بعدما وفر الدم لمستشفيات مدينة غريان التي يسيطر عليها الجيش الليبي.بحسب ما نقلت وكالة سكاي نيوز عربية.

وأشارت تقارير اعلامية الى أن عمليات الاختطاف تسارعت مستهدفة كل من تشك المليشيات المسلحة في تأييده الجيش الليبي.ودفع ذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،للتعبير عن قلقها العميق إزاء تزايد حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والخطف والاختطاف والاختفاء في ليبيا.وبينت البعثة الأممية في تدوينه لها اليوم على صفحتها الرسمية ؛ أن هذه الحالات التي تطال مسئولين وناشطين وصحفيين، تنذر بتدهور سيادة القانون في ليبيا.

وشهدت العاصمة الليبية مظاهرة مطلع مارس الماضي لتأييد الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر في حربه على الارهاب في الجنوب،وهاجمت المليشيات المسلحة المتظاهرين وقامت بتفريقهم عبر اطلاق الرصاص وهو ما قوبل باستهجان في الأوساط الليبية التي اعتبرت أنه مؤشر على غياب حرية التعبير في ظل سطوة السلاح في طرابلس.

وتواجه المظاهرات السلميّة في العاصمة الليبية طرابلس،بالرصاص الحيّ، لاسيّما إذا ما تجرّأت جموع المتظاهرين على المطالبة بإخراج جميع التشكيلات المسلحة غير الشرعية من العاصمة طرابلس.ويتعرض كل من يخالف المليشيات للإختطاف أو الإعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل ضعف الحكومة وعجزها عن فرض سيطرتها.

ووفق مراقبين فإن حوادث الاختطاف والاعتقالات التعسفية وسياسة تكميم الأفواه في ظل الانفلات الأمني التي تشهده العاصمة الليبية،باتت تؤكد على ضرورة تحريرها من قبضة الميليشيات المسلحة  التي مثلت كابوسا أرهق الليبيين طيلة سنوات والتي ساهمت في اطالة أمد الأزمة في البلاد.

ومنذ الرابع من أبريل، تشن قوات الجيش الليبي هجوما على طرابلس، بهدف تطهيرها من الميليشيات المتطرفة والمسلحين المتحالفين معها.وبعد تقدم سريع تقف قوات الجيش على أبواب العاصمة، بمواجهة الميليشيات المدعومة أيضا من مجموعات مسلحة في مدينة مصراتة.وتدور معارك يوميا في الضاحية الجنوبية للعاصمة، وكذلك في جنوبي المدينة.

ويصر الجيش الليبي على تحرير المدينة بالرغم من الدعوات لايقاف القتال،ويوم الأحد، دعا قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، إلى استمرار القتال في طرابلس، مشيرا إلى أن شهر رمضان "يزيد عزيمتنا"،ودعا الجيش إلى تلقين حكومة الوفاق والمليشيات الموالية لها درسا قاسيا ومنوها بعدد من التعليمات القتالية المهمة.

ودعا حفتر،في رسالة تلاها المتحدث باسم الجيش اللواء أحمد المسماري،الأحد، الضباط والجنود والمقاتلين إلى "تلقين العدو درسا أعظم وأكبر من الدروس السابقة بقوة وثبات، حتى يتم اجتثاثه من أرضنا الحبيبة"، مشددا على ضرورة الالتزام والمحافظة على أرواح المدنيين وممتلكاتهم. وقال حفتر في رسالته:"يجب على القوات في حالة انسحاب العدو مطاردته باندفاع قوي، وعدم السماح له بالهروب والقضاء عليه، وعلى القوات الجوية متابعة ذلك".

وتعكس الانتهاكات المستمرة،وغيرها من المآسي اليومية التي يعيشها الليبيون منذ سنوات، حالة الفوضى المستشرية وعجز السلطات في طرابلس عن إنهاء سطوة الميليشيات،التي لطالما خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضدها.ويرى مراقبون أن تحرير العاصمة طرابلس من هيمنة المليشيات يمثل نقطة البداية نحو بناء الدولة الليبية من جديد وانهاء سنوات من الفوضى وغياب الأمن.