في الوقت الذي تتواصل فيه الاشتباكات المسلحة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق والتي قاربت الدخول في شهرها السادس دون حسم من الطرفين،تتسارع القوى الدولية في محاولة لحلحلة الأزمة القائمة بين الفرقاء الليبيين وسط تنافس جديد بين هذه القوى حول ادارة الملف الليبي الشائك.

ففي تطور جديد،أعلن وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، الثلاثاء، عن اجتماع وزاري بشأن ليبيا في الأمم المتحدة، الأسبوع المقبل.وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره المصري سامح شكري بالقاهرة، في إطار زيارة (غير محددة المدة) يجريها لودريان لمصر، لبحث قضايا وملفات إقليمية ودولية.

وكشف لودريان عن "عقد اجتماع عن ليبيا، الأسبوع المقبل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجمع وزراء خارجية الدول المعنية بالأزمة الليبية (لم يحددها)".وقال الوزير الفرنسي إن الأزمة الليبية تثير القلق في فرنسا ومصر، واصفًا الاجتماع بأنه أمر ملح وطارئ.

وتأتي التحركات الفرنسية في وقت تستعد فيه ألمانيا لعقد مؤتمر دولي حول الأزمة الليبية خلال أكتوبر أو نوفمبر القادمين.حيث بدأت ألمانيا تحركاتها دبلوماسيا على أكثر من مستوى لضمان نجاح المؤتمر، وهو ما تطلب منها فتح قنوات تواصل قوية مع جهات إقليمية ودولية عدة للتفاهم حول المكونات والبنود الرئيسية اللازمة لتحاشي تكرار الأخطاء التي وقعت فيها مؤتمرات سابقة.

وقال السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفكزا إن بلاده تهدف إلى عقد "منتدى حول ليبيا" هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار. وأضاف السفير عبر حسابه على "تويتر": "بدأت ألمانيا من أجل ذلك عملية تشاور مع أطراف دولية رئيسية. مع وجود أعمال تحضيرية كافية، قد تقود هذه الجهود إلى حدث دولي مهم هذا الخريف".

وبدوره يواصل المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة جولاته الخارجية لحشد المجتمع الدولي حول المؤتمر المرتقب.وخلال الأيام الماضية، التقى سلامة مسؤولين دوليين وسفراء دول غربية لبحث متطلبات انعقاد المؤتمر. ومطلع الأسبوع الماضي، التقى سلامة في العاصمة الجزائرية الوزير الأول نور الدين بدوي، بحضور وزير الخارجية صابري بوقادوم، وتم تبادل وجهات النظر حول الأزمة الليبية، حيث أكد الوزير الأول على دعم الجزائر الثابت لجهود الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا.

وتحاول ألمانيا التوفيق بين مواقف الدول الحاضرة في الساحة الليبية،حيث دعا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، كل من فرنسا وإيطاليا إلى إطلاق مبادرة جديدة بشأن ليبيا.وقال شتاينماير، عشية زيارة رسمية له إلى روما في تصريحات نشرتها وكالة آكي الإيطالية، "ترتبط قضية الهجرة ارتباطًا وثيقًا بليبيا، حيث يتطلب الوضع بذل جهد أوروبي جديد إذا أريد منع تآكل الدولة. يمكن لإيطاليا وألمانيا، مع فرنسا، إعداد وإطلاق مبادرة.

وأضاف شتاينماير، "من المؤسف أكثر أن كلا البلدين ابتعدا عن بعضهما البعض خلال العام ونصف العام الماضي، وبالتحديد في مسألة اللاجئين. لم يتحسن الوضع في البحر المتوسط ، كما يظهر بالفعل عدد الوفيات. أنا متأكد من أنه مع الحكومة الإيطالية الجديدة، توفر شروط للعمل على إيجاد حلول مشتركة".

وتزايدت حدّة التنافس الفرنسي الإيطالي على ليبيا خلال السنتين الماضيتين، حيث تفاقمت مخاوف الطرفين من سيطرة أحدهما على الملف الليبي، ما عكسه تنظيم مؤتمريْن دولييْن في العام الماضي في كل من باريس وروما.وظهر الخلاف الفرنسي الايطالي الى العلن من خلال التصريحات المتبادلة. ولعل أبرز تصريح إيطالي جاء على لسان وزيرة الدفاع، إليزابيتا ترينتا، مطلع يوليو/تموز 2018، والذي وجّهت فيها تحذيرا لفرنسا، قائلة "القيادة في ليبيا لنا".وهو ما اعتبره مراقبون صراعا واضحا على القيادة في ليبيا من الدولتين.

لكن يبدو أن الاطاحة بالحكومة الشعبوية في ايطاليا باتت تمثل مجالا لتوافق فرنسي-ايطالي حول الملف الليبي.وهو ما أكده تصريح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان،الأحد، بأن الحكومة الإيطالية الجديدة "تبدو أكثر انفتاحا في بُعدها الأوروبي وأكثر تصميما على إقامة علاقات إيجابية مع فرنسا (…) نحن مستعدون للتحاور".

والتقى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، اليوم الأربعاء، بالعاصمة الايطالية روما، رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي بحضور عدد من المسؤولين الايطاليين والليبيين.وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أن المحادثات التي جرت بمقر الحكومة (قصر كيجي) وسط العاصمة، تناولت مستجدات الوضع في ليبيا وعدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك.

وتأتي زيارة السراج بالتزامن مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى روما، لإبرام اتفاق ثنائي مع كونتي، الذي يتصدر الملف الليبي جدول أعماله.;قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، إن تحقيق الاستقرار في ليبيا سيكون في بؤرة النقاش خلال اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في روما.

وأضاف كونتي في بيان أن "الأزمة الليبية لا تزال مصدر قلق شديد بالنسبة للحكومة الإيطالية ويمثل حلها مصلحة قومية مهمة"..وتعوّل روما بحسب الكثير من المتابعين للشأن الليبي على توافق مع باريس بشأن ليبيا،لمواجهة الدور الألماني القادم الذي قد يعطى برلين مجالا لتصدر الملف الليبي وهو ما تخشاه كل من باريس وروما.

وتتباين الآراء الليبية حول أهمية المؤتمر المزمع عقده في ألمانيا،حيث أبدى عضو مجلس النواب الليبي الدكتور أبو بكر بعيرة، النائب عن مدينة بنغازي، أمس، تأييده لعقد المؤتمر. وقال:"نرحب بهذا التحرك، طالما أنه يستهدف حل الأزمة الليبية، ويعيد الاستقرار إلى البلاد.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن بعيرة قوله،أن فكرة عقد هذا المؤتمر في هذا التوقيت، ودعوة جميع الأفرقاء إليه، "فكرة ذكية وعملية". وعزا ذلك إلى أن اللجوء لدعوة جميع الأطراف للحوار "ربما يكون جاء على خلفية تصاعد المواجهة بين حفتر والسراج، ولم يعد بينهما قابلية للنقاش، وبالتالي ربما يُدعى إلى هذا المؤتمر ممثلون لأطراف سياسية في البلاد".

وفي المقابل،لا يتحمس بعض النواب للدور الذي تعتزم برلين القيام به في ليبيا.وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي طلال الميهوب تعليقا على إعلان ألمانيا عقد مؤتمر دولي حول ليبيا "ردنا في لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان هو الرفض للذهاب للمؤتمر لأنه يعطي الفرصة وجرعة الأكسجين لميليشيات التطرّف والإرهاب التي يقاتلها الجيش في طرابلس".

وشدّد الميهوب في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية"،الخميس الماضي على أنه "لن يكتب النجاح لأي مؤتمر يعقد ما لم تُجرّد الميليشيات الإرهابية في ليبيا من سلاحها ويتم القضاء على الإرهاب وأن أي محاولات خارج هذا الإطار من شأنها إعطاء الفرصة للميليشيات لإعادة ترميم صفوفها".

ويشير مراقبون الى أن هذا الرفض قد يكون مأتاه الحديث عن انحياز ألماني للمليشيات وهو ما كشفه تعبير السفير الألماني عن ارتياحه من إعادة سيطرة الميليشيات على مدينة غريان التي دخلها الجيش في مطلع أبريل الماضي بشكل سلميّ، قبل أن تُعيد الميليشيات الإسلامية السيطرة عليها في عملية غادرة ارتكبت خلالها أفظع الجرائم بحق المقاتلين في صفوف الجيش.

وقال أوفتشا في 28 يونيو الماضي،على صفحته الرسمية بموقع تويتر "مرتاح لرؤية المجلس البلدي المنتخب في غريان يعود للعمل. الكثير من الأمل أن تنجو المدينة من أي عنف إضافي. لا تزال لديّ ذكريات دافئة من خلال زيارتي للمدينة في شهر مارس الماضي".ورأى مراقبون،بحسب صحيفة "العرب اللندنية"، حينئذ أن السفير الألماني تسرع في التعبير عن ارتياحه لاسيما بعد تواتر الأدلة والأخبار التي تشير إلى مجزرة راح ضحيتها جرحى من جنود القيادة العامة في غريان على يد ميليشيات حكومة الوفاق، وهو ما يبطن دعما للميليشيات ومن خلفها تيار الإسلام السياسي.

وأضافت الصحيفة أنه منذ تولّيه لمنصبه، لم يُجر السفير الألماني سوى زيارة واحدة إلى الشرق عندما زار مدينة بنغازي خريف العام الماضي، في حين لا يتردد عن زيارة مختلف مدن المنطقة الغربية، ما يعكس موقفا معارضا للبرلمان وللقيادة العامة للجيش.

وبدأ الجيش الوطني الليبي حملة في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، لأجل انتزاع السيطرة على العاصمة الليبية من الميليشيات المسلحة والعناصر الارهابية التي ترسخ وجودها فيها والمسؤولة عن زعزعة الاستقرار والأمن في ليبيا،منذ سنوات.وتصاعدت حدة المعارك خلال الأيام القليلة الماضية وسط مؤشرات اقتراب حسم المعركة وتحرير المدينة وهو ما سيكون بحسب الكثير من المراقبين بداية الطريق نحو تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد بعد سنوات من الفوضى