في واقع ميزه الانفلات الأمني وغياب سلطة الدولة المركزية،عاشت ليبيا منذ العام 2011،وضعا صعبا على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا.ولكن الأسوأ من ذلك كان سقوط البلاد ضحية للجماعات المترفة والمليشيات المسلحة التي استغلت تلك الفوضى لتؤسس لنفسها موطئ قدم في البلاد تحت سلطة السلاح لتتحول عدة مدن ليبية وخاصة العاصمة طرابلس في ظل تلك الظروف الى جحيم يعيشه المواطنون.

ويثير انتشار الأسلحة بشكل مكثف في ليبيا مخاوف من عدم تحقيق الاستقرار في هذا البلد خلال الفترة القريبة القادمة،وهو ما دفع مجلس الأمن مجددا لتمديد حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا،كما صوت المجلس لصالح تمديد تفويض الدول الأعضاء الخاص بتفتيش سفن يعتقد أنها تنتهك حظر توريد الأسلحة قبالة سواحل ليبيا.

وتعتبر فرنسا أنّ عملية صوفيا، التي علّقت سابقا نشر سفن في البحر،"تحتفظ بدور بارز في استقرار ليبيا". وقالت مساعدة المندوب الفرنسي آن غغان، إنّ "طبيعة (العملية) الردعية تحدّ من انتهاكات قرار حظر الأسلحة وتقلل من تدفقها المتواصل عبر البحر".وأضافت آن غغان "إذا كان قد جرى تعليق (استخدام) الأدوات البحرية للعملية مؤقتا، فإنّها أعادت توجيه عملها وظلت نشطة لتنفيذ" التفويض "من خلال عملها على تدريب خفر السواحل الليبيين"ومن خلال "أدواتها الجوية الهادفة إلى جمع المعلومات والبيانات الضرورية لحفظ حظر الأسلحة".

يذكر أنه في مارس/آذار 2011، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار". كما حظر القرار أيضًا أن "تشترى الدول الأعضاء، أي أسلحة وما يتصل بها من أعتدة من ليبيا".وتم تمديد القرار الخاص بحظر الأسلحة في يونيو عامي 2017 و2018.

ويأتي التمديد في وقت يشهد فيه محيط العاصمة الليبية طرابلس قتالا بين الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق،حيث أطلق الأول عملية عسكرية تحت مسمى "طوفان الكرامة" منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بهدف تحرير العاصمة من سيطرة المليشيات المسلحة التي مثل وجودها خلال السنوات الماضية عاملا رئيسيا لتواصل الأزمة في البلاد.

وبالتزامن مع اعلان تمديد حظر السلاح،وصلت شحنة جديدة من الأسلحة إلى ميناء مصراتة الليبي (200 كيلومتر شرق العاصمة)، مقبلة من أحد الموانئ التركية خلال العاشر من حزيران/يونيوالجاري. وفقاً لموقع "اندبندنت عربية".وكشفت مصادر ليبية عدة معلومات متطابقة للموقع ذاته، تفيد أنّ "الشحنة وصلت إلى ميناء مصراته مقبلة من ميناء إسكندرون التركي وتحمل أطناناً من الذخائر والأسلحة الخفيفة، إضافة إلى طائرتين مسيّرتَين من بُعد (درون)، وإضافة إلى خبراء عسكريين".

وتعد هذه الشحنة الثانية لتركيا التي ترسلها إلى ميلشيات طرابلس منذ بدء معركة تحرير طرابلس؛ حيث اعلن الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، في منتصف مايو الماضي عن وصول "أسلحة تركية وطائرات إلى ميليشيات طرابلس"، وتداول نشطاء فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تباهى ميلشيا "لواء الصمود" المنحدرة من مدينة مصراتة التي يقودها الإخواني المطلوب دوليًا صلاح بادي، وهم يتسلمون حصتهم من هذه الاسلحة.

وتمكن الجيش الوطني الليبي خلال الأيام القليلة الماضية من إسقاط طائرتين تركيتين في مطار معتيقية الدولي بطرابلس.وسبق ذلك في الـ15 من مايو/أيار الماضي أن أسقطت قوات الدفاع الجوي التابعة للجيش الوطني الليبي طائرة بدون طيار تركية جنوبي طرابلس، كانت تتجسس وتنفذ ضربات جوية لصالح المليشيات.

ومنذ شهر نيسان/إبريل الماضي، أعلنت تركيا بشكل واضح دعمها لمليشيات طرابلس وأكد الرئيس التركي أن بلاده ستقف بقوة إلى جانب الليبيين، كما فعلت في السابق، و"ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة".ولم يوضح أردوغان طبيعة هذه الإمكانيات التي يتحدث عنها إلا أن مراقبين إعتبروها إشارة صريحة منه بنيته توفير الدعم اللوجستي والمخابراتي بل وحتى العسكري لحكومة الوفاق ومجموعاتها المسلحة.

وليس غريبا على نظام أردوغان محاولاته التدخل لمنع تحرير العاصمة الليبية التي تمثل الملاذ الأخير للمليشيات الموالية لتركيا.حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.

وكان من أبرز "شحنات الموت" التي أرسلتها تركيا إلى ليبيا،شحنة أسلحة في يناير/كانون الثاني 2018 تحمل نحو 500 طن متفجرات وتم ضبطها باليونان. وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أرسلت شحنة أخرى تم ضبطها في ميناء الخمس تحمل أطناناً من الأسلحة.أما في يناير/كانون الثاني 2019، فوصلت لميناء مصراتة شحنة أسلحة تركية تحمل نحو 20 ألف مسدس.

ومع تواصل تدفع الأسلحة الى ليبيا عبر تركيا يتصاعد التساؤل حول جدوى الحر الدولي.واعتبر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، طلال الميهوب، تجديد مجلس الأمن الدولي لحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، قد يكبح جماح تركيا لكنه لا يفي بالغرض ولن يوقف أنقرة عن انتهاكاتها للقرارات الدولية بهذا الشأن.

واوضح الميهوب في تصريحات إعلامية، أنه يتوجب على مجلس الأمن مراقبة السواحل التركية بالكامل ومتابعة السفن التي تنطلق من الأراضي التركية وتكثيف الإجراءات الرقابية عليها وعلى خط سيرها الذي يمكن أن يتخلله عدد من الموانئ الأوروبية.وأشار إلى أن تركيا لن تتوقف عن ممارساتها بما يتعلق بتصدير الأسلحة إلى الميليشيات المسلحة في ليبيا لأن هدفها إثارة الفوضى والإرهاب.

وتوالى إرسال السفن التركية المحملة بالأسلحة المهربة إلى ليبيا، متغافلة عن قرار الأمم المتحدة الذي يقضي بحظر إرسال الأسلحة إلى طرابلس، مستغلة ضعف وتمزق البلد الغارق في العنف والفوضى منذ عام 2011،وخلال السنوات الماضية تكرر مسلسل سفن الموت التركية،دعما للجماعات الإسلامية المسلحة، التي ترتبط أنقرة بعلاقات إيديولوجية معها بمباركة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي دفع بكل قواه كي يكسب ليبيا بعد التضييق عليه في مصر.

ولقي هذا التدخل التركي الفج حالة رفض عربي عام، وخلال القمة العربية في مارس الماضي، صدرت عدة قرارات عربية ضد التدخلات التركية في المنطقة،وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إن التدخلات الإيرانية التركية هي السبب الأول وراء تفاقم الأزمات الخاصة بالدول العربية، مؤكدا أن هذه التدخلات الاقليمية لكل من تركيا وإيران قد أفرزت بعض الأزمات وساهمت في تفاقم أخرى.

وانتقد المبعوث الأممي إلى ليبيا مرارا خرق بعض الدول قرار حظر التسليح المفروض على ليبيا،وكان آخرها الأسبوع الماضي حيث قال في تصريحات إعلامية،"ليبيا اليوم هي ضحية تدخل خارجي كبير، وأن الأمم المتحدة على علم بذلك"، لكنه لفت إلى ضرورة أن يكون هناك مستوى مقبول من التدخل.

وأوضح أنه "عندما تدعم سياسيًا أو دبلوماسيًا طرفًا تعجبك آراؤه (فهذا أمر مقبول)، لكن يصبح الموضوع غير مقبول عندما تموله بالسلاح أو بالمال أو يصبح غير مقبول على الإطلاق عندما تذهب بنفسك إلى مساعدته على الفوز عسكريًا وتتدخل مباشرة في شؤون البلاد".

وبالرغم من الانتقادات المتكررة للمسؤول الأممي فانه لم يتخذ إجراءات ملموسة لوقف الخرق أو معاقبة الجهات المسؤولة عنه وفي مقدمتها تركيا التي لا تتوقف عن دعم الميليشيات بالأسلحة منذ 2014،بالرغم من مطالبة الجيش الليبي أكثر من مرة مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا، بإدانة تركيا، وفتح تحقيق حولها، واتخاذ موقف جدّي حيال ارتكابها لجريمة إرهابية بخرقها لقرارات مجلس الأمن رقم 1973 لسنة 2011 بشأن ليبيا والقرار رقم 1373 لسنة 2001 والخاص بحظر تمويل كافة الأشخاص والمنظمات الإرهابية والملزم لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وكان المبعوث الأممي غسان سلامة،تعهد بالتحقيق في قضية سفينة المتفجرات التي ضبطت في يناير 2018،وعلق غسان سلامة،حينها قائلا: "ليبيا بحاجة إلى الأمن والسلم لا للصواعق والمتفجرات"، وأضاف سلامة عبر تدوينة له على موقع التدوينات المصغرة "تويتر"، إن ليبيا يكفيها ما فيها، مؤكدا أن القرار الدولي بمنع تصدير السلاح واضح وصريح ولجنة الخبراء ستقوم بعملها بمهنية وتجرد لجلاء حقيقة السفينة "أندروميدا"وغيرها.

ورغم هذا التعهد بالتحقيق في انتهاكات تركيا،فإن البعثة الأممية لم تعلن إلى حد اليوم عن نتائج ذلك التحقيق، وهو ما يعمّق خيبة الليبيين الذين باتوا لا يثقون في أي طرف لإخراجهم من الأزمة العاصفة ببلادهم منذ سنوات.وأكد مراقبون أن الصمت الدولي على التدخلات التركية الداعمة للجماعات المتطرفة من شأنها أن يطيل الأزمة في البلاد ويعمق الانقسامات بين الفرقاء.