منذ أن سادت الفوضى في ليبيا سنة 2011 و أمست السلطة بيد ميليشيات بدون أي رادع في ظل غياب شبه تام للدولة و إنقسام المؤسسات السياسية مع تعذر الوصول إلى حل سياسي.

هذه الوضعية جعلت من الخيارات المطروخة أحلاها مرّ خاصة في ظل أطماع الدول الغربية في الكعكة الليبية من ناحية الثروات الطبيعية و صراع إعادة الإعمار،إلى ذلك فإنه كثر الحديث عن سيناريو تقسيم البلاد إلى أقاليم. 

تاريخيا،شكّلت الانقسامات القبلية في ليبيا منذ القدم حقيقة واقعة للإيطاليين الذين احتلوا هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا منذ العام 1912 بعد أن انتزعوها من تركيا، وحتى العام 1943، حين خسروها لصالح البريطانيين. . هذا وقد استخدمت إيطاليا أيضاً تلك الانقسامات لصالحها منذ أوائل العام 1928، حين هزمت قبائل المغاربة المتمردة وآخرين – ممن قاتلوا الجيش الملكي الإيطالي، وقاتلوا كذلك وقبل كلّ شيء بعضهم بعضاً. احتل الإيطاليون ممر سرت، وهو خطّ فاصل مثالي، واستولوا على واحات الجفرة، وزله، وأوجله، وجالو، المعزولة في صحراء برقة على بعد 150 ميل عن البحر الأبيض المتوسط. بعد فترة قصيرة، تشكلت مجموعات متنقلة من آلاف الجنود الإيطاليين، من إقليمي طرابلس وبرقة ضمن حركة مزدوجة (تكتيك الكماشة) مستهدفين المتمردين في ممر سرت، والذي سقط أيضاً.

وسمحت هذه التطورات بتوحيد المستعمرتين، طرابلس وبرقة، تحت قيادة المشير بيترو بادوليو. وشكل ذلك تحولاً كبيراً: حتى تلك النقطة، ضمّت ليبيا حكومتين سياسيتين وقيادتين عسكريتين وإدارتين مختلفتين.

كما يقول الفيلسوف الألماني كارل فإن التاريخ يعيد نفسه في شكل مهزلة،فإن هذا هو واقع الحال في ليبيا.

ومع استمرار الاقتتال حول طرابلس طفت على السطح بعض التلميحات من طرابلس ومصراتة حول وجود مقترح لدى الفاعلين السياسيين والعسكريين يتبنى اعادة انشاء وإحياء الجمهورية الطرابلسية ،وان احدى الدول الاوروبية شهدت الاسبوع قبل الماضي الماضي اجتماعا ناقش الامر بحضور شخصيات سياسية من طرابلس حكومة الوفاق.

يشار الى أن المتابع والمدقق في العبارات والمصطلحات التي يتمسك بها السراج في ادانته للقائد العام للجيش المتابع يلاحظ استعمال عبارات القوات الغازية هجوم برقة  قبائل برقة العدوان في طرابلس، وهذا كله يذكر الرأي العام الليبي بمرحلة الجمهورية الطرابلسية وتقسيم ليبيا.

دوليا،لوّح محلل سياسي إيطالي بالحاجة إلى البدء بالتفكير في كل ما يتعلق بحلول طويلة الأجل في ليبيا، والتفكير بدولة فيدرالية.

وقال الرئيس المشارك لقسم الشرق الأوسط ـ شمال أفريقيا في مركز "إيسبي" للدراسات السياسية الدولية، أرتورو ڤارڤيللي، في مقابلة مع وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، أن الفدرالية السالفة الذكر، "تشتمل على ثلاث مناطق: طرابلس، برقة وفزان"، أو "أي شكل آخر من أشكال تسليم السلطة إلى المجتمعات المحلية أو المدن الأخرى، مثل مصراتة، التي تلعب دوراً مهماً".

وتابع الخبير بالشأن الليبي، "أعتقد تمامًا أن هذه هي الطريق التي يجب سلكها"ورأى أن "فكرة الفيدرالية هذه تبرز في كل مرة ينبغي فيها التغلب على مأزق سياسي أو عسكري"وأردف "من الضروري البدء بالتفكير في البلاد متجاوزين الصدام بين السرّاج وحفتر، لأنني لا أتخيل أنهما سيكونان بعد خمس سنوات، ممثلين سياسيين وعسكريين مهمين".

ووفقًا لڤارڤيللي، فإنه "يمكننا بالتأكيد أن نفكر بنوع من الفدرالية أو نقل السلطة بشكل ما"وهذا "يعني في ليبيا، وهي دولة استندت عائداتها بشكل حصري تقريبًا إلى بيع المواد الهيدروكربونية للخارج، التحدث عن إعادة توزيع الموارد"أو "تحديد ما يخص لهذه المدينة أو المنطقة أو تلك"موضحا أن "حلاً كهذا من شأنه فسح المجال للتهدئة".

وأعرب المحلل السياسي عن قناعته بأن هذا الخيار الأخير، "يمثل على الإطلاق، السبيل الذي ينبغي للمجتمع الدولي أن يؤيده بمزيد من الاقتناع" واصفاً الصدامات التي تدور في طرابلس منذ أوائل أبريل/نيسان الماضي، بأنها "حرب من أجل الموارد، وحول كيفية إعادة توزيع الثروات".

يرى مراقبون أن الصراع الليبي يتمحور في الأساس حول النفط والعائدات النفطية، وظهر ذلك جليًا عندما سيطرت قوات "سرايا الدفاع عن بنغازي" على الموانئ النفطية الرئيسة في منطقة الهلال النفطي سنة 2017، من قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر التابع للحكومة الموقتة في طبرق.

هناك صراع آخر يشتعل في ليبيا، وفق الكاتب، بين مجموعات إسلامية، تحاول تعزيز مكاسبها التي حصلت عليها عقب إطاحة معمر القذافي العام 2011، هذا إلى جانب مجموعات مثل تنظيم  داعش و أنصار الشريعة والقاعدة. وتمثل هذه التنظيمات أدوات في يد دول لنشر الفوضى و تغذية الصراع في البلاد حتى تجد مدخلا مناسبا لنهب مقدرات البلاد.