لم تتأخر الخلافات السياسية والفكرية بين عناصر داعش في أن تترجم انشقاقات ومعارك ومواجهات ميدانية، ينتج عنها إعدامات واعتقالات لبعض المعارضين ضمن صفوف التنظيم.

وتؤكد التقارير أن تنظيم "داعش" المتطرف يشهد انشقاقات كبيرة في صفوفه في الفترة الأخيرة بسبب التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها التنظيم، إذ بات المئات من عناصره يفرون من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم باتجاه تركيا أو الدول المجاورة.

أسباب الانشقاقات

وتعزى أسباب الانشقاقات إلى تزايد حدة التوترات بين مسلحي التنظيم بدافع الخلافات العقائدية والفكرية بسبب أصولهم ومنابتهم القادمة من مشارق الأرض ومغاربها، إضافة إلى النزاعات بين عناصر التنظيم والسكان المحليين وإخفاقه في تجنيدهم وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية لساحات القتال والانتكاسات التي مني بها في المناطق التي سيطر عليها.وتجلت الخلافات والنزاعات أيضا بين مسلحي التنظيم المحليين والمسلحين الأجانب القادمين إليه من الخارج في المعاملة التمييزية التي يحظى بها العناصر الأجنبية، من حيث الأوضاع المعيشية التي يعيشونها والرواتب الشهرية التي يتلقونها وتوزيع السبايا والغنائم.

وشكل الانتقال والتغيير الجذري الحياتي للمسلحين الأجانب الذين قدموا من المدن وتعودوا على رغد العيش وكمالياته هاجسا كبيرا خاصة لدى الشباب الذين لم يألفوا ظلف العيش وانخدعوا بالإغراءات والعهود الرنانة للتنظيم، حتى بات يراودهم حلم العودة لما كان عليه حالهم، وكيفية الخروج من عباءة التنظيم.فقد ترجمت الخلافات إلى اقتتال داخلي ومواجهات وحشية بين صفوف التنظيم، كما نتج عنها تصفيات واعتقالات لمعارضي التنظيم، حسبما ذكرت قيادات بعض التنظيم التي خرجت عليه.

وهناك أسبابا عدة تفسر الفرار الجماعي لعناصر التنظيم ، منها ما يتعلق بهشاشة بنية التنظيم داخليا وعدم وجود روابط لهذا التنظيم بالمعنى الفكري والسياسي إضافة إلى اكتشاف حقيقة التنظيم داخليا.كما ان حالة الانفتاح في خطاب العديد من الدول الإقليمية، وإشراك كافة مكونات وعناصر المجتمع في محاربة التطرف الفكري ساهمت في انحسار حالة الاستقطاب للتنظيم الذي كان يعول عليها كذخيرة استراتيجية، مشيرا إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا ربما تأتي بنتائج عكسية وتغذي الخطاب الأيدولوجي لداعش لمحاربة الأجنبي وطرد المحتل.

نزاعات وتصفية

ومؤخرا، أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان تصريحات لأحد القيادات المنشقة عن داعش قوله إن التنظيم أقدم على تصفية مئات من مسلحيه من الشيشان وعناصر أخرى قادمين من وسط آسيا حالوا الانشقاق عنه.

فداعش لا يحارب التنظيمات الإسلامية المتشددة الأخرى فحسب، بل تعدى ذلك ليبدأ عناصره بمواجهات دامية، تؤدي إلى تصفيات داخلية بين أطراف النزاع داخل التنظيم نفسه.تختلف أسباب النزاع في التنظيم، غير أنها تدور بمعظمها حول السيطرة على الأراضي وتوزيع الغنائم، وفرض الرأي والعقيدة وتعيين الأمراء والولاة.وفي تسجيل صوتي، نهاية أيار/مايو الماضي، اتهم المسؤول الشرعي لـ"داعش" في القلمون أبو الوليد المقدسي هذا التنظيم بالفساد، وأعلن انشقاقه عنه.وتحدث المقدسي عن بداية انهيار في مكوّنات التنظيم بفعل الخلافات على النفوذ والسيطرة، إضافة إلى التباينات في العقيدة المتشددة، ناهيك عن الفساد في سرقة الغنائم.وفي منتصف حزيران/يونيو الماضي قتل المقدسي ذبحا، وتحدثت المعلومات الشحيحة الواردة من سورية عن علاقة تنظيم داعش بذلك بدافع الانتقام منه إثر تصريحاته الأخيرة.

وأشارت أنباء أخرى إلى انشقاقات بين صفوف داعش في قضاء الرطبة غربي الأنبار على خلفية توزيع السرقات من معبر طريبيل غربي الأنبار.كما أوردت تقارير عدة تشير إلى حدوث انشقاقات وفرار جماعي في صفوف داعش ومحاولة لأمراء الحرب في التنظيم خارج الأنبار.ويبدو أن المنتمين للتنظيم باتوا يعيشون حالة من التململ بسبب الصدمة التي يعيشونها على أرض الواقع بخلاف ما اجترحته لهم أحلامهم الطوباوية عن تلك الهالة التي أحاطت بالتنظيم ليصطدموا بأوضاع معيشية بائسة وتنظيم استبدادي استشرى فيه الفساد والنهب والاختلاسات.