بالرغم من التفاؤل الكبير الذي بات يغلف الأوساط الليبية في ظل التوافقات الأخيرة بين الفرقاء والتي تعطي انطباعا ايجابيا بامكانية الوصول الى تسوية تنهي الانقسامات وتوحد البلاد،فان استمرار مسلسل الانتهاكات على يد المليشيات المسلحة مازال يفسد صفاء المشهد الليبي ويثير مخاوف من فشل الجهود المبذولة لاخراج ليبيا من مربع العنف والفوضى.

ففي مشهد جديد لسطوة وبطش المليشيات المسلحة في الغرب الليبي،أقدم مسلحون تابعون لحكومة الوفاق على الاعتداء على مواطنين في مدينة ترهونة واستباحة منازلهم وممتلكاتهم.وأظهرت مقاطع فيديو وصور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي،تعرض منازل بترهونة للتخريب وإشعال النار فيها والاعتداء بالضرب على المواطنين.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري،عن مصدر أمني بمدينة مسلاته المتاخمة لمدينة ترهونة،قوله إن المسلحين استهدفوا منازل مواطنين على خلفية تأييدهم للجيش الليبي، وقاموا بحرقها بعد نهب ممتلكاتهم.وبحسب المصدر فإن من بين القتلى الذين لم يتم التأكد من عددهم حتى الآن، أحد شيوخ ترهونة ويدعى مصطفى الفاندي، حيث لقي مصرعه بعد اقتحام منزله والاعتداء عليه بالضرب المبرح.

وحول هوية المسلحين،أكد المصدر أنهم عناصر مختلطة من الميليشيات وبمشاركة عناصر ترتبط بجماعة الإخوان، مشيرا إلى أن أغلب هذه العناصر تنتمي لمدينة مصراتة والزاوية، وكذلك بعض العناصر من مجلسي شورى درنة وبنغازي الهاربين بعد تحرير المدينتين من قبل الجيش الليبي.بحسب ما أورد "ارم نيوز" الاخباري.

وفي 5 يونيو/حزيران من العام الماضي،أعلنت حكومة الوفاق بسط سيطرتها على مدينة ترهونة،بدعم تركي كبير كشف حجم تورط أنقرة في الصراع الدائر في البلاد.لكن الأخطر من ذلك كان حجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها القوات الموالية لحكومة السراج بدعم من المرتزقة والارهابيين والتي كانت استمرارا لمسلسل جرائم سابقة شهدتها مدن غرب ليبيا خاصة غريان وصبراتة وصرمان.

وشهدت المدينة فوضي وأعمال تخريبة وحرق، طالت عددا من المنازل والممتلكات الخاصة العامة وقامت حينها المليشيات المسلحة والمرتزقة الموالين لتركيا بعمليات تصفية ضد عدد من أهالي ترهونة الرافضين للخروج من المدينة والمتمسكين بمنازلهم وسرقت محتويات هذه المنازل، وفقا لشهود العيان.

وأثارت الاعتداءات والانتهاكات المستمرة في حق مدينة ترهونة تنديدا في الاوساط الليبية،وأعرب المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية،في بيان أصدره، عن ادانته بأشد العبارات للممارسات التي يتعرض لها المدنيين في المدينة من قتل وحرق للمنازل والممتلكات.

وأشار المجلس الى أن الانتهاكات التي ترتكب في حق أهالي ترهونة هي تكرار لسيناريو الانتهاكات التي حدثت طيلة السنوات الماضية ومازالت تحدث والتي طالت مدن ومناطق كاملة من تاورغاء إلى بني وليد وما حدث من حرق وتدمير وتهجير لورشفانه وصبراتة وصرمان والعجيلات ومناطق الجنوب في الشاطئ ومرزق والكفرة. 

وحمل المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، حكومة الوفاق المسؤولية القانونية في عدم حماية المدنيين في ترهونة، مؤكدا بأنه سيتخذ الإجراءات القانونية حيال ما حدث طيلة عقد من الزمن وما يحدث الآن.كما حمل المجلس، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والبعثة الأممية المسؤولية القانونية والأدبية تجاه ما يحدث للشعب الليبي بسبب تدخلها وتحويل ليبيا لدولة يعبث بها الإرهاب وتعمها الفوضى والقتل والتهجير والفقر والظلم وعدم الشفافية في عملها والتدخل وفرض الحل بينما يتلخص دورها في المساندة وتقديم الدعم.

وبعيدا عن ترهونة،تشهد مدينة صبراتة أيضا فوضى أمنية وانتهاكات مستمرة أكدها المجلس التسييري لبلدية صبراتة،الذي عبر عن تفاجئه بالانفلات الأمني داخل حدود البلدية منذ دخول قوات حكومة الوفاق إليها.وأوضح المجلس في بيان وجهه إلى المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، معاناة المدينة جراء سيطرة المجموعات المسلحة على "مقدرات المدينة وبث الرعب في نفوس الآمنين".

وكد المجلس التسييري،"إن الظلم قد تجاوز مداه وبلغ الصبر منتهاه"، متسائلا عمن يرد الظلم والتمادي عن الآمنين.واشار إلى ما حدث من انتهاكات آخرها اختطاف المواطنيْن امحمد مفتاح أبوصبع ومصطفى مفتاح أبوصبع من قبل مجموعات داهمت منزلهما واقتادهما إلى جهة مجهولة، محملا مسؤولية أمن صبراتة إلى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع.

وغادر المئات من الأهالي مدينة صبراتة، خلال عام 2020 بعد هجوم لمرتزقة سوريين بدعم من الطيران التركي المسير.وكشفت مشاهد الفيديو لاحقا أن إرهابيي القاعدة من مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا، كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة، ثم يتجهون إلى السجون لإطلاق نظرائهم في الإرهاب، تحت هتافات التكبير.

وكان من أبرز الوجوه خلال غزو صبراتة وصرمان الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش وهو أيضًا عضو في مايسمى سرايا بنغازي،كما ظهر أيضًا الإرهابي "العمو الدباشي" قائد ميليشيات التهريب بصبراتة الضالع في الاتجار بالبشر.كما ضم الهجوم عدداً كبيراً من الإرهابيين المتورطين في جرائم قتل أبرزهم "عبدالله الطرابلسي" آمر ميليشيات الأمن العام المتورطة بجرائم عديدة أحدثها قتل شابين من منطقة غوط الشعال بالعاصمة طرابلس.

وأكدت تقارير اعلامية وأمنية في وقت سابق، عودة تنظيم "داعش" الى مدينة صبراتة عبر عناصره النشطة داخلها وعشرات ممن أخرجتهم المليشيات من السجون بعد دخولها المدينة وفلول التنظيم الفارة من شرقي البلاد ومن مدينة سرت.وكان التنظيم قد انتشر في المدينة منذ عام 2014 إلى 2016، وأقام بها عددًا من الدوواين ومراكز التدريب لعناصر داعش الجديدة القادمة من عدة دول أفريقية وآسيوية، إلا أن المدينة انتفضت عليه وطردته منها.

وتاتي هذه الانتهاكات لتعكر صفو التوافقات بين الفرقاء الليبيين والتي كان آخرها اتفاق وفدي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبيين، بمدينة بوزنيقة المغربيةالسبت، على تشكيل وتسمية فرق عمل مصغرة تتولى اتخاذ الخطوات الإجرائية بشأن شاغلي المناصب السيادي.

وجاء في البيان الختامي الذي توج أشغال الجولة الجديدة من الحوار الليبي، أنه تمت خلال هذا الاجتماع مراجعة ما سبق التوافق عليه بشأن تطبيق المادة 15 من الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات في كانون الأول/ديسمبر 2015.وأفاد البيان بأن فرق العمل ستقوم "بتصميم نماذج الترشح، ودعوة المترشحين لتقديم طلبات الترشح مصحوبة بالشروط والمعايير المتفق عليها".

ومن شان الانتهاكات التي تمارسها المليشيات التأثير على جهود التسوية في ليبيا خاصة وأنها تتزامن مع استمرار التدخلات التركية التي تسعى لتأجيج الاوضاع في البلاد.وفي هذا السياق، أكد مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي اللواء خالد المحجوب أن تركيا تحاول عرقلة أي اتفاق وذلك للمساومة حتى تستطيع تحقيق أكبر قدر من المكاسب حتى لا تخرج صفر اليدين من ليبيا. 

وقال المحجوب إن اتفاق جنيف قطع على تركيا العديد من المخططات، وأنها لا تستطيع شن أي عمليات عسكرية في ليبيا، لكنها تسعى للحصول على مكاسب أخرى سواء بما تقوم به على الأرض من جلب المرتزقة والعتاد لرفع الفاتورة التي تدفع من أموال الليبيين.واضاف  أن تركيا كانت من ضمن الدول التي وافقت ووقعت على مخرجات مؤتمر برلين ،لافتا إلى أن الجلسات والاجتماعات التي أعقبت المؤتمر نتجت عنها عدد من الاتفاقات، منها اتفاق جنيف الذي حول مخرجات مؤتمر برلين إلى الجانب العملي والتنفيذ.

وبالرغم من الاتفاق على ضرورة اخراج المرتزقة تواصل أنقرة عمليات نقل المزيد منهم الى الأراضي الليبية.وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان إن تركيا تجري "عمليات تبديلية" للمرتزقة الموالين لها في الأراضي الليبية.وأوضح أن النظام التركي يعيد دفعات من المرتزقة إلى سوريا، مقابل ذهاب دفعات أخرى منها إلى ليبيا.

ولفت إلى أن المجموعة العائدة تتألف من 100 إلى 250 مرتزقًا، فيما تتوجه أعداد مماثلة إلى ليبيا، موضحا أن هناك شروطا وضعتها تركيا التي يمر المرتزقة عبر أراضيها لإتمام العملية بينها الوضع الصحي والأمني للإرهابيين.وحذر المرصد أوروبا من محاولات عشرات الإرهابيين الفرار إلى القارة العجوز عبر إيطاليا.

وقبل شهر، وافق البرلمان التركي على مذكرة سبق أن تقدم بها الرئيس رجب طيب أردوغان، لتمديد مهام قواته في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافيا.ويشير مراقبون الى أن أنقرة مصرة على تحدي المجتمع الدولي والمضي قدما في مخططاتها لتأجيج الاوضاع في ليبيا والابقاء على حالة الانقسام والفوضي بما يخدم أطماعها في نهب الثروات الليبية والتمدد في المنطقة عموما.