مثّل مقتل السفير الأميركي في ليبيا كريستوفر ستيفنز سنة 2012 ببنغازي نقطة مفصلية في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا،حيث احتفظت الولايات المتحدة بمسافة كبيرة عن الملف الليبي، واقتصر اهتمامها على قتال متقطع ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الشمال الأفريقي.

إلّا أنه مع وصول ترامب للبيت الأبيض عادت أمريكا للساحة الليبية شيئا فشيئا،حيث لا يُعد تزايد الاهتمام الأمريكي بليبيا، وبشكل غير معهود لدى إدارة ترامب، بالضرورة تحولاً جوهرياً في السياسة الخارجية الأمريكية؛ لاسيّما أن جوانب الصراع الليبي قد لا تنفصل عن القضايا الأكثر أولوية بالنسبة لإدارة ترامب.

فمن ناحية، هناك ملف مكافحة الإرهاب، وكون ليبيا من أكثر الوجهات التي من المرجح أن ينتقل إليها عناصر من الجهاديين الهاربين من سوريا.

في هذا الإطار،قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية لشؤون شمال إفريقيا تريش كانديس إن الهدف الأساسي الذي ينبغي تحقيقه في ليبيا يتمثل في القضاء على جميع المجموعات الإرهابية من أجل تمكين الليبيين من توحيد صفوفهم وبناء دولة ديمقراطية.

وأضافت كانديس في تصريحات لقناة "الحرة" أن القوات المسلحة الأميركية ستدعم أي جهة تسهم في تحقيق ذلك وإيجاد حل دبلوماسي طويل الأمد، مشيرا إلى أن ذلك ما ترعاه حاليا وزارة الخارجية الأميركية.

في سياق متصل،يرى مراقبون أن العودة الأمريكية القوية للساحة الليبية مردها احتدام التنافس الأوروبي، وتحديداً الفرنسي الإيطالي، الذي أعاق إمكانية تحقيق تقدم في العملية السياسية، فضلاً عن التأثير الألماني على ملف الهجرة غير النظامية وسياسات مكافحتها، وهو ما يجعلها على تماس مع الشأن الليبي. كما أن السيطرة الأمريكية على الملف الليبي من شأنها سد المنافذ أمام أي محاولات روسية لممارسة دور فاعل، لاسيما مع دخول الصراع السوري في مراحله الأخيرة.

من جانب آخر،عدّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسته تجاه ليبيا في مكالمة هاتفية جمعته المشير خليفة حفتر.

كشف البيت الأبيض عن المكالمة التي أجريت بتاريخ 15 أبريل، بعد 4 أيام من إجرائها. واعترف ترامب، خلال المكالمة، بأهمية دور قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد النفط الليبية. وناقش معه رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي.

وإلى جانب المكالمة بين ترامب وحفتر، انضمت الإدارة الأميركية، إلى صف روسيا وعارضت مشروع قرار عرضته بريطانيا على مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا.

أثار هذا التغيير الجذري في السياسة غضب وزارة الخارجية. ونقلت مجلة "بوليتيكو"الأميركية تصريحا لمسؤول بالوزارة، لم تكشف عن هويته، جاء فيه أن الأميركيين في المنطقة هم الذين يواجهون التداعيات.

من الأسباب  الأكثر إقناعا، دور مستشار الأمن القومي جون بولتون، محفز السياسة الأميركية الجديدة تجاه ليبيا، وهو الذي يرى في حفتر المنقذ "على الحصان الأبيض".

من جانب آخر،فإن العودة الأمريكية للساحة الليبية متعلقة بأسعار النفط عقب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، ورغبة الولايات المتحدة في استقرار عمل المرافق الإنتاجية والتصديرية الخاصة بالنفط في ليبيا، وزيادة معدلاتها بشكل تدريجي، وهو ما يستلزم تحقيق تقدم على صعيد تسوية الصراع الليبي.

فقد ارتفع سعر النفط بنسبة 43 بالمئة منذ بداية السنة الحالية، ويتوقع خبراء النفط أن تتفاقم الأوضاع في هذا القطاع مع حلول العام المقبل.

يرى مراقبون أن إدارة ترامب تتحرك بأكثر براغماتية حيث أنها فهمت أن الحلفاء القدم في ليبيا لا يمكنهم صون المصالح الأمريكية لذلك فإنها تعيد إعادة تشكيل شبكة "أصدقائها" بالبلاد من ذلك فإن الورطة السورية مثلت الدرس الأكثر قسوة لواشنطن لذلك يمكننا أن نقول أنها في إطار تدارك الأمر في ليبيا.