يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تعزيز نفوذ بلاده شرق البحر المتوسط عبر دعم ميليشيات إسلامية متطرفة في ليبيا،ونجح خلال الفترة الماضية في بسط سيطرته على المنطقة الغربية مستعينا بآلاف المرتزقة والارهابيين الذين نقلهم من سوريا الى الأراضي الليبية دعما لحلفائه من جماعة "الاخوان" وهو ما بات يشكل خطرا كبيرا ليس على الأمن الليبي فقط وانما على أمن المنطقة عموما.
تنتهج مصر في تعاملها مع الأزمة الليبية طرقا دبلوماسية في محاولة للتقريب بين الفرقاء الليبيين واعادة الأمن والاستقرار للجارة الغربية التي تمثل نقطة هامة في الامن القومي المصري نظرا للحدود الجغرافية الكبيرة بين البلدين والتي تمتد على طول 1049 كيلو مترا،إضافة إلى الامتداد التاريخى والجوار،وأيضا مشاركة البلدين فى المسألة الأمنية والاقتصادية.


وخلال الايام القليلة الماضية طرحت مصر مبادرة تضمن العودة للحلول السلمية في ليبيا، ولاقت تأييدا دوليا وعربيا واسعا.وتضمنت المبادرة المصرية التي أطلق عليها "إعلان القاهرة" التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والعمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد آلية وطنية ليبية ليبية ملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة.
لكن هذه المبادرة قوبلت بالرفض من حكومة الوفاق وذلك بأوامر من تركيا التي باتت المتحكم الفعلي في السلطة في طرابلس،كما تسارعت دعوات قيادات "الاخوان" الموالية لأنقرة لرفض الميادرة المصرية وآخرها تصريحات القيادي الاخواني المقيم في اسطنبول علي الصلابي،التي دعا فيها لرفض المبادرة المصرية وبرر ذلك لوسائل إعلام تركية بإن الدور المصري في ليبيا غير محايد ومنحاز للجيش،مشيدا في الآن ذاته بالغزو التركي لبلاده وبالدور القطري الداعم للمليشيات والارهابيين.
وبالرغم من ذلك واصلت مصر توجهها للحلول السلمية حيث دعت لعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية الأسبوع المقبل وذلك في اطار التحركات العربية قائمة لوقف النار في ليبيا، وصولاً لحل سياسي ومنع التدخلات الخارجية،لكن حكومة الوفاق رفضت الدعوة مجددا، واعتبرت خارجيتها أن الاجتماع المغلق عبر الفيديو لا يصلح لمناقشة ملفات شائكة تحتاج إلى مداولات ونقاشات معمقة.
تعنت حكومة الوفاق وتعويلها على الغزو التركي لتنفيذ مخططات الاخوان وسلطانهم المزعوم،قد  تدفع القاهرة الى تغيير استراتيجتها في التعامل مع الأزمة الليبية وهو ما كشف عنه رد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،الذي جاء هذه المرة أكثر صرامة، ليؤكد "جاهزية القوات المصرية للقتال"، في رسالة تحذير صريحة للقوى الخارجية التي تسعى للعبث بأمن ليبيا ودول جوارها.


وخلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية المحاذية للحدود الليبية، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن "أي تدخل مباشر من مصر باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في إطار میثاق الأمم المتحدة (حق الدفاع عن النفس)، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي وهي مجلس النواب".
وأكد الرئيس المصري، إن تجاوز مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية الليبية تعتبر بمثابة "خط أحمر" لبلاده "وأمنها القومي".وأضاف أن "أي تدخل مباشر في ليبيا سيهدف لتأمين الحدود ووقف إطلاق النار ووضع حد للتدخلات الأجنبية في ليبيا"، مشددا في الوقت نفسه على حرص مصر على التوصل إلى "تسوية شاملة" في ليبيا.
وتأتي تصريحات السيسي بالتزامن مع تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، اليوم السبت،والتي قال فيها أن التوصل لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا يتطلب انسحاب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من مدينة سرت الاستراتيجية.في مشهد كشف بوضوح الأطماع التركية لاحتلال الحقول النفطية وكذلك أن أنقرة هي الحاكم الفعلي في طرابلس.
وقال كالين، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إن تركيا تدعم مطلب حكومة الوفاق بضرورة العودة إلى خطوط عام 2015، وهو ما يمر بـ"انسحاب قوات حفتر من سرت والجفرة" في الجنوب .واتهم المتحدث باسم الرئاسة التركية فرنسا بـ "تعريض أمن الحلف الأطلسي للخطر"، وذلك بـ"دعمها" لقوات الجيش الليبي والمشير خليفة حفتر في النزاع الدائر في ليبيا.على حد زعمه.
وسرعت تركيا من عملياتها العسكرية لاستهداف مدينة سرت الليبية،وشنت القوات الموالية لحكومة الوفاق بدعم من آلاف المرتزقة والارهابيين الموالين لتركيا هجوما على مدينة سرت،عشية اعلان مبادرة القاهرة،وقد أسفر عن سقوط مايقارب الـ 50 قتيل بين صفوفهم إضافة إلى أسر عدد كبير من قوات الوفاق بينهم مرتزقة سوريين، ناهيك عن تدمير عدد كبير من الآليات والعربات العسكرية.


وتعتبر سرت ذات أهمية كبرى بسبب موقع المدينة الاستراتيجي،حيث تقع بين طبرق شرقا وطرابلس غربا، وتعتبر مفتاح السيطرة على ليبيا بكاملها، لكونها نقطة التقاء كافة ربوع المناطق اللبيبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقربها من موانئ وآبار النفط الرئيسية الثلاثة البريقة ورأس لانوف والسدرة، فضلا عن أنها تقع في إحدى المناطق الغنية بالنفط بين حقول سرت ومرادة وزلة.
وقالت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي إن تركيا مازالت تشعر إنها لم تنتصر لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا، رغم ما تزعم أنها حققته عبر إسنادها لقوات الوفاق في المعارك الأخيرة.وأكدت الوحدة في تدوينة لها أن تركيا جاءت إلى ليبيا من أجل النفط الذي سهله لها فائز السراج من خلال الاتفاقية المبرمة معه، لكن المواقع الاستراتيجية لا تزال تحت حماية "رجال القوات المسلحة ونحن أدركنا أين تكمن أطماع تركيا فكان لابد من تغيير استراتيجيتنا العسكرية لهزيمتها".
وفي أول تعليق على خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي،قال العميد خالد المحجوب مدير إدارة التوجية المعنوي بالجيش الليبي، إن موقف مصر من الأزمة الليبية وتدخلات تركيا الاستعمارية، حقيقي وعربي بامتياز. ولفت إلى "موقف السيسي واضح، ومصر هي الشريك الحقيقي في الأمن الليبي حيث الحدود والمصير المشترك".
من جانبه،أعلن مجلس قبائل ترهونة عن تأييده لما جاء في خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي حول ليبيا والبدء الفوري في تطبيق ما جاء فيه باعتبار المعركة حقيقية وعاجلة ولا تقبل التأجيل.وأضاف المجلس في بيان له، أن تدخل مصر "في الشأن الليبي هو تدخل مشروع وفق معاهدة الدفاع العربي المشترك، ووفق ما شهده التاريخ الليبي المصري من الوقوف صفا واحدا ضد العدو الأجنبي عبر التاريخ، سواء في جهاد الليبيين ضد الطليان، أو ما قدمته ليبيا من دعم قوي لشقيقتها مصر في حرب اكتوبر".
 ويأتي ذلك في ظل تواصل الانتهاكات التركية في ليبيا حيث أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مواصلة تركيا إرسال المرتزقة من الفصائل السورية الموالية لها، للمشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا.وتابع المرصد في بيان له، الجمعة، أنه جرى نقل دفعات جديدة خلال الأيام القليلة الفائتة، بالتزامن مع عودة مئات المقاتلين منهم إلى سورية، دون توضيح سبب العودة هل هي طواعية أم سحبا لهم من خلال النظام التركي.
وكشف المرصد أن أعداد المرتزقة المجندين الذين ذهبوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن، ارتفعت إلى نحو 14,700 مرتزق من الجنسية السورية، عاد منهم نحو 2600 إلى سوريا، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 1800 مجند.وأوضح المرصد أن من ضمن المجموع العام للمجندين، نحو 300 طفل تتراوح أعمارهم بين الـ 14 - والـ 18 غالبيتهم من فرقة "السلطان مراد"، جرى تجنيدهم للقتال في ليبيا.


وقال مدير التوجيه المعنوي الأسبق  بالجيش المصري اللواء سمير فرج،أن الرئيس المصري أشار وبوضوح إلى أن القوات التركية لو تقدمت "بالمرتزقة التي يبلغ عددهم 15 ألف إلى سرت أو منطقة الجفرة في محاولة للاستيلاء على حقول النفط فهو لن يسمح به وسوف نتدخل فورا عسكريا بناء على طلب من البرلمان الليبي المنتخب ولن نسمح بتجاوز خط سرت". – الجفرة
وتوقع فرج،بحسب ما نقلت "روسيا اليوم"، أن تتدخل أطراف دولية فاعله مثل روسيا وفرنسا لإيقاف أردوغان عند حده، مشيرا إلى أن أردوغان عليه أن يعي تلك الرسائل جيدا.وأشار فرج إلى أن "مصر سوف تقوم بتدريب وتأهيل كوادر ليبية عسكريا، لكن الأمر واضح تماما وهو أن تجاوز أردوغان لخط سرت معناه تدخل عسكري مصري على الفور بدعم من الشعب والبرلمان الليبي".
ويرى مراقبون،أنه من الطبيعى جدا أن يكون لمصر دور فعال ومؤثر فى الأزمة الليبية باعتبار أنها تتشارك مع ليبيا فى مصالح كثيرة، إضافة إلى الامتداد التاريخى والجوار، وهناك أيضا مشاركة فى المسألة الأمنية والاقتصادية، وبالتالى كان من الضرورى تفهم الجميع سواء فى ليبيا أو فى مصر أن يكون للأخيرة دور إيجابى للمساعدة فى استقرار ليبيا.