على الرغم من أن النقص الحاد في المواد الغذائية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا غالباً ما يحدث نتيجة للجفاف وضعف المحاصيل، إلا أن عدم كفاءة التجارة البينية تضع أيضاً ضغوطاً كبيرة على توافر الغذاء، مما يؤدى إلى تفاقم الجوع.

ومن بين القيود التي تحد من التجارة الحرة في غرب أفريقيا سوء حالة الطرق والسكك الحديدية، وارتفاع تكاليف المعاملات التجارية، والافتقار إلى معلومات كافية عن السوق، وسياسات التجارة غير المتوافقة من جانب الحكومات، والعقبات البيروقراطية. إضافة إلى ذلك، يقول الخبراء أن إجراءات الاستيراد والتصدير أكثر تكلفة وتستغرق وقتاً أكثر في غرب أفريقيا عن أي منطقة أخرى في العالم.

فعلى سبيل المثال، تفيد دراسة صدرت عام 2010 عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (UNECA)، بأن هناك 47 نقطة تفتيش على الطريق الذي يمتد لنحو 500 كيلومتر بين دوالا وبرتوا في الكاميرون، و19 نقطة تفتيش على الطريق الذي يمتد لنحو 910 كيلومترات بين واغادوغو وباماكو، و34 نقطة تفتيش على الطريق السريع الذي يمتد لنحو 1.036 كيلومتراً بين كوتونو-نيامي، مما يتسبب في خسائر في الوقت والمال- التي تذهب في شكل رشاوى- فضلاً عن الإيرادات.

إضافة إلى ذلك، يعني الافتقار إلى معاملات موثوق بها تستند إلى المصارف أن التجارة داخل منطقة غرب أفريقيا تعتمد في معظمها على العلاقات الشخصية التي توطدت على مر الزمن. وفي هذا الصدد، قال عزيز البحري، أحد كبار الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن "هذه الشبكات غير الرسمية من التجار تفتقر إلى المرونة اللازمة لتنويع السلع المتداولة [ولا تتمتع] بالمرونة لنقل كميات أكبر من السلع للوفاء بالتغير والتطور في الطلب والظروف المتعلقة بالسوق".

وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "نتيجة لذلك، فإن المعاملات غير الرسمية السائدة القائمة على أساس العلاقات، تتسم بالجمود، وعدم الكفاءة، وتتسبب في انجاز قدر من التجارة أصغر كثيراً من الممكن إنجازه بالنظر إلى إمكانات التجارة، كما يتجلى بشكل غير مباشر في الفجوة السعرية الضخمة في كثير من الأوقات ما بين مراكز الإنتاج والمراكز الحضرية الكبيرة للاستهلاك".

وأشار البحري إلى أنه لا يتم تلبية الطلب على الذرة في المناطق التي يوجد بها عجز، مثل بوركينا فاسو ومالي، على النحو المطلوب بسبب هذه الحواجز التي تقيد تدفق التجارة. إضافة إلى ذلك، لا يتم إمداد الذرة الرفيعة والدخن، التي تزرع بالأساس في دول الساحل، بكفاءة إلى من يقومون بتصنيع الأغذية داخل المنطقة. وبالتالي، لا تزال الأسعار والإنتاجية دون المستوى. 

ويرى البحري أنه "يمكن أن يكون لتوسيع التجارة الإقليمية تأثير إيجابي كبير على الأمن الغذائي في المنطقة نظراً للتشابه في أنواع الأغذية التي يستهلكها السكان".

الجوع والحصاد

وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أنه في هذا العام، يواجه نحو 20 مليون شخص في منطقة الساحل نقصاً في المواد الغذائية.

والجدير بالذكر أن هذه المنطقة لم تكد تخرج من الأزمة الغذائية في عامي 2011-2012 التي أدت إلى تضرر حوالي 18 مليون شخص، حيث تسبب الجفاف في انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 26 بالمائة مقارنة بالموسم السابق.

 

نحن نرى المزيد والمزيد من الأزمات التي تتعلق بسبل الوصول وليس الوفرة لأن كثير من الفقراء يعتمدون أكثر فأكثر على الأسواق للحصول على الأغذية بدلاً من إنتاجها بأنفسهم. وهنا تصبح التجارة أكثر أهمية فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي

وقد كانت المحاصيل أفضل في موسم 2012-2013، فقد كان إنتاج الذرة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا أعلى بنسبة 30 بالمائة من متوسط الإنتاج على مدى السنوات الخمس السابقة، وأعلى بنسبة 16 بالمائة عن الموسم السابق. مع ذلك، لايزال ملايين الناس يواجهون نقصاً في الغذاء، وذلك بعد نضوب مخزونات البذور. وقد أدى انتشار الفقر والنزاع في مالي عام 2012، حيث اضطر ملايين الناس لهجرة ديارهم، إلى تفاقم الأزمة الغذائية. وعلى أية حال، فإن تعويض العجز الغذائي وخفض سوء التغذية سوف يستغرق أكثر من دورة حصاد جيدة.

وفي الفترة ما بين عامي 2005 و2009، لم يتم تداول سوى 3 بالمائة فقط من الذرة المنتجة في داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(إيكواس)، وذلك وفقاً لكتاب البحري وغيره من المصادر التي تقيم أنظمة الغذاء في غرب أفريقيا.

وقال الحسن سيسيه من مكتب منظمة أوكسفام في غرب أفريقيا: "على الرغم من توافر الغذاء داخل الدولة الواحدة، إلا أن الأمن الغذائي يمثل مشكلة. ذلك أن النقل من مناطق الفائض إلى منطقة العجز داخل الدولة لا يزال صعباً، وهو أسوأ بكثير على المستوى الإقليمي".

نحن نرى المزيد والمزيد من الأزمات التي تتعلق بسبل الوصول وليس الوفرة لأن كثير من الفقراء يعتمدون أكثر فأكثر على الأسواق للحصول على الأغذية بدلاً من إنتاجها بأنفسهم. وهنا تصبح التجارة أكثر أهمية فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي

وتجدر الإشارة إلى أن وفرة الإنتاج في إحدى المناطق لا تفشل فقط في التعويض عن قصوره في أماكن أخرى، بل قد يسبب أيضاً مشكلات في داخلها. ففي عام 2012، شهدت النيجر إفراطاً في إنتاج البصل، الذي يعد أعلى مادة تصدرها بعد اليورانيوم، مما تسبب في انخفاض الأسعار بنسب تتراوح ما بين 60 إلى 80 بالمائة. وتعليقاً على هذا، قال سيسيه: "لو كانت التجارة الإقليمية تعمل جيداً، لكان بالإمكان بيع هذا الفائض في أسواق أخرى في غرب أفريقيا وأسهم في الأمن الغذائي من خلال زيادة إيرادات المنتجين".

العلاقة بين التدفق التجاري والسياسات

وتصدر المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا نحو 68.6 بالمائة من الإنتاج خارج المنطقة الاقتصادية الخالصة و 9.2 بالمائة فقط للدول الأعضاء. كما أن الواردات تصب أيضاً بنفس القدر في صالح الأسواق الخارجية. 

وفي استجابة عبر البريد الإلكتروني، قال مكتب غرب أفريقيا التابع للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "بالنسبة لاتحاد جمركي على وشك أن يصبح سوقاً مشتركة، لا يزال حجم التجارة منخفضاً جداً ولا يسمح للدول الأعضاء بالصمود أمام الصدمات الخارجية".

وتعمل سياسة التجارة الحرة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على مستويين، فهي تتيح حرية الحركة للمنتجات الخام والحرفية والتخلص التدريجي من الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على المنتجات الصناعية من داخل دول المجموعة.

ويرى الخبراء أن إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية ينبغي أن يمضي جنباً إلى جنب مع الإزالة الكلية للحواجز غير الجمركية والعقبات الإدارية الأخرى التي تقف أمام التبادل الحر للمنتجات المصنعة داخل المجموعة الاقتصادية.

وذكر تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أنه "على الرغم من ذلك، فإن الواقع يشير على ما يبدو إلى أن العقبات الإدارية التي تحول دون دخول المنتجات المتفق عليها لا تزال مستمرة. علاوة على ذلك، لا يزال غياب توجيهات واضحة على الصعيد الوطني، في بعض البلدان الأعضاء، للإدارة الجمركية الخاصة بتنفيذ التجارة الحرة يشكل عقبة أمام التجارة داخل المنطقة".

وفي عام 2005، اتفق أعضاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على سياسة زراعية تهدف إلى تعزيز الاستثمار في الزراعة على الصعيدين الوطني والإقليمي. ولكن سيسيه من منظمة أوكسفام يرى أنه لم يتم إحراز تقدم يُذكر.

وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "السياسات الزراعية هي مبادئ توجيهية استراتيجية. إنها تفتقر إلى الدعم القانوني. ما يجب القيام به هو وضع إطار قانوني يتوجب على الدول احترامه، ويتعين عليها أن تتبعه خلال عملية صياغة السياسات الزراعية المشتركة".

وأشار سيسيه، على سبيل المثال، إلى أنه نظراً لوجود مخزون احتياطي يتراوح ما بين 10,000 و100,000 طن من المواد الغذائية لدى العديد من دول غرب أفريقيا والساحل، فليس لدى هذه الدول سياسات مناسبة لتنظيم وإعادة توزيع الفائض من مواسم الحصاد.

خطوات ما بعد التجارة الحرة

وقد ذكر التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية عام 2013 أن من بين الاستراتيجيات التي تكمل التجارة المفتوحة تحسين البنية الأساسية وتعزيز مهارات العاملين وتشجيع المشروعات الخاصة وتعزيز الإنتاج الصناعي لتلبية متطلبات سوق أكبر.

من ناحية أخرى، ذكر تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أن الحواجز على طول سلسلة القيمة تزيد الفجوة بين أسعار المنتجين والمستهلكين. ففي الدول الأفريقية غير الساحلية، تبلغ تكاليف النقل في المتوسط حوالي 14 بالمائة من قيمة الصادرات، مقارنة بنسبة 8.6 بالمائة لجميع الدول النامية.

وقال سيسيه من منظمة أوكسفام: "نحن نرى المزيد والمزيد من الأزمات التي تتعلق بسبل الوصول وليس الوفرة لأن كثير من الفقراء يعتمدون أكثر فأكثر على الأسواق للحصول على الأغذية بدلاً من إنتاجها بأنفسهم. وهنا تصبح التجارة أكثر أهمية فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي".

وأوضح البحري أن "زيادة حجم التجارة بين المناطق التي يوجد بها فائض في الإنتاج وتلك التي تعاني عجزاً ينبغي أن تحظى بأولوية عليا في تطوير السياسات الغذائية في المنطقة، نظراً لأنها تتيح تحقيق توازن بين العرض والطلب، وتوازن في الأسعار عبر المناطق [وبالتالي تقليص تقلب الأسعار] ... وهذا سوف يساهم في تحفيز الإمدادات، وتطوير التصنيع الزراعي، وتحسين نوعية الأغذية بشكل عام".