في ظل التراكمات الكبيرة في الملف الليبي منذ أشهر انطلاقا من التطورات العسكرية التي أعقبت انسحاب الجيش الليبي من غرب البلاد وتحشيد المليشيات ومرتزقة تركيا على أسوار مدينة سرت،مرورا بالاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد شرقا وغربا وجنوبا للتنديد بالأوضاع المعيشية والأمنية المتردية وصولا الى المستجدات السياسية المُتسارعة، والجهود الدولية المتواصلة لانهاء الأزمة المستعصية، يواصل أنصار النظام الجماهيري تحركاتهم في الساحة الليبية بحثا عن دور طلائعي لانقاذ البلاد من حالة الفوضى وغياب الدولة.

لا شك أن أنصار النظام الجماهيري يمثلون ركيزة أساسية في المشهد الليبي زاد وضوحها في ظل استمرار حالة الفوضى والصراعات التي تشهدها البلاد منذ سنوات.ويبدو أن الأمم المتحدة خيرت أخيرا الاعتراف بالخطأ الجسيم الذي ارتكبته في حق أنصار النظام الجماهيري حين اعترفت صراحة على لسان مبعوثتها الى ليبيا ستيفاني ويليامز بضرورة تشريك النظام السابق في المسار السياسي في ليبيا.


وأكدت ويليامز ،أن أبرز فجوات اتفاق الصخيرات هو استبعاده أنصار النظام الجماهيري في ذلك الاتفاق، مؤكدة أنهم مجموعة لديها وجود ملحوظ على الأرض.وترافق هذا الاعتراف الأممي مع تأكيدات ساقتها تقارير اعلامية عربية ودولية حول تصاعد حضور أنصار النظام الجماهيري في المشهد الليبي على وقع الأوضاع السياسية والأمنية المتردية في البلاد.

وتعد الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، أبرز المكونات السياسية لأنصار النظام الجماهيري،وقد تكونت في  25 كانون/ديسمبر 2016،حين أعلنت انطلاق العمل الشعبى المنظم فى الداخل والخارج للجبهة كإطار وطني نضالي جامع لفعاليات الشعب الليبى لتحرير الوطن من سيطرة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة للعمل على بناء دولة وطنية ذات سيادة.

وقالت الجبهة، في بيانٍ لمكتبها الإعلامي آنذاك،إنه "شعوراً بمسؤليتنا التاريخية والوطنية للحفاظ على الوطن وكرامة أهله والعمل على تسليمه للاجيال القادمة حرا عزيزا مهابا كما ورثه لنا الاباء والاجداد الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم فى ملاحم بطولية خالدة".

وأضافت:"وإدراكًا منا بحجم المؤامرة والمخاطر التى اصابت الوطن وأوصلت مؤسساته للانهيار مما أدى الى سيطرة الارهاب على مفاصل الدولة وأنتشاره فى كل ربوع الوطن افقده الامن والسلم الاجتماعى وحول بلادنا لساحة صراع اقليمى ودولى نال من وحدته وثروته وامنه وانتج دولة فاشلة ومجتمعًا متناحرًا وشرد أهله بين نازح ومهجر ونهبت ثرواتة ومدخراتة وأسس لزرع بذور الفتنة بين مدنه وقبائله ونشر خطاب الكراهية الذى ضرب النسيج الاجتماعى فى مقتل".

وأكدت الحركة حرصها "على العبور بالوطن الى بر الامان والتنمية والبناء وبعيدا عن لغة الاحتراب والتهميش والاقصاء"، والعمل على بناء دولة وطنية ذات سياده والمحافظة على أستقلالها وأمنها وهيبتها عبر مؤسسات شرعية"،وأشارت الى سعيها "لبناء اقتصاد عصرى متطور يعتمد على الامكانات الكامنة فيه عبر تنمية موارده البشرية والمادية والطبيعية وفق مخطط تنموى شامل يتجاوز الواقع الردئ ليفتح آفاق وآمال لاقتصاد مزدهر يحقق السعادة والرخاء لشعبنا العظيم".

واودعت الحركة في ختام بيانها الى ضرورة المصالحة والوحدة،قائلة "يا أبناء شعبنا المكافح الصابر انسوا أحقادكم ووحدوا صفوفكم وتسامواعلى جراحكم لنلتحم مع الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا اطارا وطنيا نضاليا جامعا تنصهر فيه كل الطاقات الوطنية الصادقة معا من اجل ليبيا الخير و النماء والحرية والعدالة الاجتماعية".

وتعرضت الجبهة الشعبية لمحاولات تشويه واعتقالات في صفوفها،ففي مايو/أيار 2018،أعلنت "قوة الردع الخاصةالتابعة لداخلية حكومة الوفاق، القبض على خلية مسلحة تابعة للجبهة الشعبية قالت إنها كانت تخطط لعمليات عسكرية وإحداث فوضى في طرابلس وضواحيها بالتنسيق مع خلايا أخرى، مشيرة إلى ضبط أسلحة وذخائر وأجهزة اتصالات وخطط عسكرية مع الخلية التي أشارت إلى اعتراف أعضائها بتحديد ساعة الصفر لتحركهم نحو العاصمة بمساعدة خلايا أخرى تابعة لهم في جميع المدن الليبية.

ونفت الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا صحة هذه التهم التي وجّهتها قوة الردع الخاصة لأفرادها،ووصفت الجبهة نهجها بأنه "نضالي سلمي يهدف لحل المشاكل المعقدة في ليبيا تحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة".وقالت في بيان أصدرته عبر صفحتها بموقع فيسبوك: "إن كل ما يذاع وينشر حول هذه الخلية المزعومة ادعاءات لا صحة لها ولا ينبغي تصديقها، وإن من يروج لهذه الأكاذيب يهدف لإفشال خطة الأمم المتحدة التي أعلن عنها رئيس بعثتها للدعم في ليبيا غسان سلامة، ويرمي لعرقلة الحوار الوطني والمصالحة الوطنية من أجل إنقاذ الوطن من العبث والإرهاب".

وأكدت الجبهة إن المقبوض عليهم الذين وصفتهم بـالمُختطَفين "كانوا مدعوين لأحد هذه الحوارات التي تستهدف المصالحة وتوحيد مؤسسات الدولة و إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، وإن اختيار كتيبة 301 كمكان لعقد هذا الاجتماع جاء باقتراح من عناصرها، الأمر الذي اتضح لاحقا انه مكيدة للإيقاع بالعناصر السبعة".

وأفادت بأن وجود بعض الضباط ضمن وفد الحوار كان لتقديم الاستشارات العسكرية والأمنية في بناء جيش وطني موحد، ولغرض الاستفادة من خبرتهم العسكرية في محاربة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية "داعشالذي قالت إن "خلاياه تحاصر طرابلس وتهدد التوجهات السلمية والتصالحية التي يسعون من أجل إرسائها كقاعدة أساسية وكهدف لإنقاذ الوطن".


من جانبه،أكد القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا عثمان بركة،بأن ما أعلنت عنه قوة الردع من تفاصيل على عملية القبض غير صحيح، وهو محاولة لتحميل الجبهة مسؤولية الوضع المأساوي الذي تعيشه العاصمة طرابلس، متجاهلة أن من أوصل الشعب الليبي إلى هذا الوضع ليست الجبهة، وعليها قوة الردع” أن تبحث عن الظلم والتجويع والسجون والقمع، ومن يقف وراءها لأنها هي الأسباب الحقيقية لما تعيشه طرابلس، مبينًا بأن الاعترافات التي نقلتها قوة الردع عن المجموعة، كاذبة وأن أقروا بها فأنها جاءت تحت التهديد والتعذيب.

وفي 22 مايو من العام 2018، أعلنت المكونات السياسية لأنصار النظام الجماهيري،المتمثلة في الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، وجبهة النضال الوطني الليبي، ومؤتمر أنصار النظام الجماهيري، والفعاليات الثقافية والسياسية المستقلة، خلال بيان مشترك، تعليق كل الحوارات مع مجموعات فبراير في طرابلس، حتى يتم إطلاق سراح رفاقهم من أسرى المصالحة الوطنية.

وأكدت المكونات، على رفض أنصار النظام الجماهيري لكافة أنواع الإرهاب والعنف، وإيمانهم بالحوار كأداة للخروج من حالة الانسداد السياسي التي تمر بها ليبيا منذ سنوات متواصلة، معربين في الوقت ذاته عن أدانتهم الشديدة لعملية الاختطاف التي طالت أسرى المصالحة الوطنية الذين كرسوا جهودهم لنشر التسامح، والمحبة، وترسيخ قيم الأخوة، والعدالة، والتعايش المشترك استجابة لدعوات الطرف الأخر الذي زج بهم في السجن دون وجه حق.

وفي أغسطس 2020، أكدت اللجنة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الليبي أن اعتقال أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا يعد انتهاكا لقواعد العدالة وحقوق الإنسان.وأشارت الى أن ليبيا تعيش منذ سقوط الدولة في 2011، حالة من الانفلات الأمني والفوضى في كل المجالات الأمر الذى جعل كل حقوق المواطن الليبي عرضة للانتهاكات.

ونددت اللجنة في بيان لها ، باعتقالات التى قامت بها السلطات الأمنية في المنطقة الشرقية لأعضاء فى الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا ،مطالبة كافة منظمات حقوق الإنسان الوطنية والإقليمية والدولية والمنظمات الإنسانية إلى التحرك من أجل الإفراج عن المعتقلين من أعضاء الحركة وذلك بالضغط على السلطات الليبية المسئولة لإطلاق سراحهم وتوفير كل سبل الحماية لهم.

وتشهد ليبيا تطورات كبيرة منذ أبريل 2019،حين أطلق الجيش الوطني الليبي عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس من سطوة المليشيات المسلحة، وسارعت تركيا للتدخل منعا لسقوط حلفائها من تيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوانوتحولت المنطقة الغربية لساحة خلفية للوجود التركي عبر الآلاف من المرتزقة والارهابيين الموالين لأنقرة ناهيك عن الجنود الأتراك وترسانة الأسلحة التي أغرقت بها البلاد.

وبعد مطالبات دولية انسحب الجيش الليبي من غرب ليبيا لكن تركيا واصلت تحركاتها لزعزعة الأمن في البلاد.وحذر حينها أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية مصطفى الزائدي، من مخطط لجماعة الإخوان المسلمين يستهدف تقسيم ليبيا من أجل البقاء وإقامة الخلافة العثمانية الثانية.

 وقال في تغريدة نشرها على فايسبوك،في يونيو الماضي، إن "جماعة الإخوان وتوابعها الذين يخوضون حربا قذرة من أجل البقاء في ليبيا والمغرب العربي، لا يهمهم تقسيم ليبيا أو بقاءها موحدة لأن هدفهم الوحيد أن يبقوا هم، ليقيموا الخلافة العثمانية الثانية عام 2028 في المنطقة".

وأضاف "في العام 2011 استدعوا القوة النارية لطيران وصواريخ حلف شمال الأطلسي لتدمير الجيش الليبي، وفي 2020 استدعوا القوة النارية للسلاح الجوي والبحري التركي والآلاف من المرتزقة لتدمير الجيش الفتي الذي خرج من بين أنقاض النكبة، ليحافظ على ليبيا بلدا واحدا حرا مستقلا"، داعيا في هذا السياق القوى الوطنية إلى أن "توحد جهودها للوقوف ضد محاولات التقسيم".

الأوضاع في ليبيا منذ أشهر تشهد جمودا على الصعيدين السياسي والعسكري مع توقف المعارك على تخوم مدينة سرت، جمود حركه الاتفاق على وقف اطلاق النار والذي مهد لتحركات سياسية شهدتها الأيام القليلة الماضية بحثا عن حلول للأزمة الراهنة.وكان أبرز هذه التحركات المشاورات الليبية التي شهدتها مدينة بوزنيقة المغربية برعاية أممية

وبالرغم من التفاؤل الذي أحدثته هذه المشاورات الا أنها لم تتجاوز بحسب البعض أخطاء الماضي في اقصائها لمكونات أساسية في المشهد الليبي.واعتبر منسق الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا على الساحة التونسية عمران الصغير، إن المتحاورين في لقاء المغرب من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة الاستشاري، ليس لديهم قاعدة شعبية ولا قانونية، وتقودهم أطراف خارجية، وأن اللقاء ما هو إلا ذر للرماد في العيون.

وأوضح الصغير، في تصريحات لوكالة "سبوتنيكالروسية،أن الحوار لكي يكون ناجحًا يجب أن يكون حوارًا ليبيًا-ليبيًا، ويجب أن تُمثل فيه كل الأطراف الليبية، دون تهميش أي طرف، ولكن الحوار في بوزنيقة هو امتداد لاتفاق الصخيرات، بحسب قوله.

وأضاف أن الأخطاء التي حصلت في حوار الصخيرات هي ما أوصلت ليبيا إلى هذا المنعطف الخطير، مُعربًا عن اعتقاده أنهم لم يبحثوا في جذور المشكلة، وأن المتحاورين في مدينة بوزنيقة المغربية كانوا بحاجة لتوحيد صفوفهم قبل أن يتوجهوا إلى المغرب، مُشيرًا إلى أنه مع الحوار الليبي بصفة عامة.

وتزامنت المشاورات مع تطورات سياسية جاءت مع اعلان الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا برئاسة عبدالله الثني استقالتها بعد موجة من الاحتجاجات الشعبية شهدتها مدن شرق ليبيا،وعلى رأسها بنغازي والمرج والبيضاء،لـأيام متتالية،بسبب انقطاع الكهرباء ونقص السيولة في المصارف وارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازي والفساد الاداري والمالي بمؤسسات الدولة.

وفي غرب البلاد،التي شهدت موجة احتجاجات كبيرة للتنديد بتردي الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد أعلن رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج،استعداده للاستقالة الشهر المقبل.وقال السراج في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي "أعلن للجميع رغبتي الصادقة تسليم مهامي في موعد أقصاه آخر شهر أكتوبر.. على أمل أن تكون لجنة الحوار استكملت عملها واختارت مجلسا رئاسيا جديدا ورئيس حكومة".


وأثار اعلان السراج تساؤلات حول جدية الاعلان،ومستقبل الميليشيات المسلحة ومرتزقة تركيا.وأكد أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، الدكتور مصطفى الزايدي، أن السراج "لا يملك من أمر نفسه شيئاًمشيراً إلى أن دوافع القرار ربما تكمن في سعي الرجل إلى "حفظ ماء وجهه في حال جرى استبعاده من المشهد خلال الأسابيع المقبلة، حيث فضّل الخروج في صورة الزاهد لا المُبعد.

ونقل موقع "رؤيةعن الزايدي قوله إن أزمة ليبيا أكبر من شخص السراج، وإن الميليشيات والسلاح المنتشر في كل مكان، سيبقى خطراً يهدد أمن وسلامة المدنيين حتى حال خروج الرجل من المشهد.وأشار إلى أن مصير الميليشيات والمرتزقة يبقى غامضاً طالما لم تكف تركيا يدها عن ليبيا، وتتوقف عن التدخل في شؤونها وتغذية الخلافات بين القوى السياسية فيها.

ولا تزال ليبيا تعيش تحت وطأة الاقتتال والصراع الداخلي الذين يعمقان الانقسامات ما يزيد من صعوبة الوضع الأمني، في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على فرض الأمن وإعادة الاستقرار وتوحيد الصفوف.ورغم الجهود المبذولة محليا ودوليا للوصول الى حلول نافذة كافية لحصول توافق سياسي عام في ليبيا فان العوائق المستمرة وعلى رأسها التدخلات الخارجية تنذر بفشل هذه الجهود.

وتتضاعف فرص أنصار النظام الليبى السابق في ظل الأوضاع المتردية في البلاد التي حولت حياتهم الى جحيم لا يطاق.وقالت وكالة "بلومبيرغالأمريكية، إن الاضطرابات التي استمرت تسع سنوات في ليبيا والتي جعلت البلاد في حالة يرثى لها، وأدت إلى إغلاق الحقول النفطية، وانقطاع التيار الكهربائي، مشيرة إلى أن كل ذلك دفع بعض الليبيين إلى التوق إلى استعادة حقبة النظام الجماهيري التي كان الاستقرار والأمن والأمان من أهم سماتها.

ولا يزال العقيد معمر القذافي إلى اليوم يحظى بولاء عدد كبير من القبائل الليبية خاصة في بعض مدن الشرق والجنوب إضافة إلى مدينة سرت مسقط رأسه، ويعيش العديد من أنصاره في تونس ومصر ويعتبرون أن الفوضى التي تعيش فيها البلاد في الوقت الراهن دليل على مدى قدرة العقيد معمر القذافي على قيادة البلاد وقوته في المسك بزمام الأمور.