وافقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، أمس الخميس، على مشروع قانون لمذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وليبيا المتعلقة بتحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر المتوسط، وهو ما يعني السير بالاتفاق نحو مزيد من التأزم في المنطقة، وتحويله الى أمر واقع من الجانب التركي على الأقل، في ظل عجز المجلس الرئاسي بطرابلس على تحويله الى قرار شرعي في بلاده.

وتحدثت مصادر مطلعة في العاصمة الليبية عن الاتفاقية بالقول إنه تم فرضها على السراج دون أن يطلع على تفاصيلها، وأن تركيا سعت من خلالها الى تشريع تحركاتها في منطقة شرق المتوسط بعد ما تعرضت له محاولاتها السابقة للتنقيب عن النفط والغاز من انتقادات واسعة.

ويرى المراقبون أن إسراع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بعرض الاتفاق على البرلمان الذي يسيطر عليه لتزكيته ، يدخل في إطار السعي الى مزيد خلط الأوراق، وتحدي المواقف الإقليمية والدولية الرافضة أو المشككة في الأهداف المعلنة من مذكرتي التفاهم اللتين أمضاهما الرئيس رجب طيب أردوغان مع فائز السراج الأسبوع الماضي ومن بينهما تلك المتصلة بمنطقة المصلحة الاقتصادية البحرية الخالصة التي لا تزال  تثير جدلا واسعا ،حيث وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية، بأنها استفزازية، و أنها دعوة للتحدي ، وأضافت : “إن إعلان مذكرة التفاهم الموقعة بشأن ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة الوفاق تسبب في توترات في المنطقة، وهو أمر غير مفيد ومثير للاستفزاز” ،لافتة الى أن “الولايات المتحدة لا تتدخل بشكل عام ولا تتخذ موقفا بشأن النزاعات حول الحدود البحرية للدول الأخرى، لكنها تدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن القيام بأعمال تخاطر بتزايد التوترات في شرق البحر المتوسط في وقت حساس”.

كما أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إلى أن “هذه التطورات تشير إلى خطورة أن الصراع في ليبيا سوف يتخذ أبعادًا إقليمية أوسع، والحاجة الملحة لجميع أطراف التسوية التفاوضية للعمل”.

يذكر أن الولايات المتحدة تشترك مع تركيا في عدم توقيعها على الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي أصدرتها الأمم المتحدة في العام 1982، ومن بروكسيل، أكد المتحدث باسم الاتحاد الاوروبي بيتر ستانو في بيان له تضامن الاتحاد بصورة كاملة مع اليونان وقبرص بعد الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها تركيا في شرق المتوسط من ضمنها بحر (ايجة) ،داعيا  تركيا الى احترام سيادة جميع الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، وهو ما يرى فيه المراقبون موقفا أوليا قبل أن تتضح الصورة أكثر للاتحاد الأوروبي ومؤسساته التي عادة ما تعبر عن مواقف داعمة لأثينا ونيقوسيا في مواجهتهما للأطماع التوسعية التركية

وفي 14 أكتوبر الماضي وافقت دول الاتحاد الأوروبي، على وضع قائمة بعقوبات اقتصادية تستهدف عمليات التنقيب التركية عن النفط والغاز في مياه قبالة قبرص، من دون تحديد الأسماء التي ستشملها القائمة.

واتفق وزراء خارجية الاتحاد على "وضع إطار عمل لإجراءات عقابية تستهدف الأشخاص الطبيعيين والقانونيين المسؤولين عن أو المشاركين في أنشطة التنقيب غير المشروعة عن الهيدروكربونات في شرق البحر المتوسط". وبناءً عليه، سيتعيّن على مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الآن اقتراح أسماء أفراد، من الممكن أن تطالهم العقوبات.

وندّد الاتحاد الأوروبي مراراً بالأنشطة غير القانونية لتركيا في المياه الإقليمية القبرصية، لكن أنقرة أرسلت أخيراً سفينة تنقيب عن الغاز إلى الرقعة الرقم 7 في المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة، حيث منحت السلطات القبرصية اليونانية بالفعل حقوق تنقيب عن النفط والغاز لشركات إيطالية وفرنسية. واستدعى التحرّك التركي إرسال فرنسا فرقاطة إلى قبرص في 10 أكتوبر.

كما أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الشؤون الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على عدم مشروعية الاتفاقية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق، مشددين على أن السراج، قد تجاوز بتوقيعه للاتفاقية، الصلاحيات الممنوحة له بموجب الاتفاق السياسي. واعتبر الوزيران أن مذكرتي التفاهم تنتهكان قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن بشأن حظر السلاح إلى ليبيا.

وتشهد العلاقات بين القاهرة وأنقرة من جهة، وباريس وأنقرة من جهة ثانية، توترا كبيرا، في حين تتميز العلاقات المصرية الفرنسية بتطور مطرد وبتنسيق للمواقف في عدد من الملفات الإقليمية المهمة ومن بينها الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب

وكان رئيس اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب المصري بهاء الدين أبوشقة، قد أعلن رفضه التام للاتفاق الأمني البحري الذي أبرمته حكومة الوفاق مع تركيا معتبرا الاتفاق باطلا، وأكد رفضه لمثل هذه الاتفاقيات لافتا إلى أن مذكرتي التفاهم أمنيا وبحريا تؤديان إلى إفشال كل الجهود المبذولة لتحقيق وحدة الشعب الليبي، وحذر من مثل هذه الاتفاقيات التي تعكر صفو السلم والأمن بالمنطقة.

وخلال اليومين الماضيين سعت الحكومة القبرصية للاتصال بالسفارة التركية في أثينا لإبلاغها رغبتها في الاتفاق مع أنقرة حول لجوء متبادل إلى محكمة لاهاي، لكن ذلك لم يتحقق، حيث رفضت السفارة الرد على الاتصالات الواردة من نيقوسيا بسبب عدم اعتراف تركيا بجمهورية قبرص، ثم حاول الجانب القبرصي التواصل مع السفارة عن طريق الفاكس ، بما يعني أنها قد تتجه منفردة الى محكمة العدل الدولية التي يشير قانونها الى أنه  يجب أن يتم رفض الدعاوى إليها بشكل مشترك ، لكن  إذا رفضت إحدى الدول ، يجوز منح اللجوء الانفرادي بموجب شروط معينة.

لكن المراقبين يرجحون أنه في حال صدور حكم قضائي لفائدة نيقوسيا فإنه لن يكون ملزما لتركيا، التي لا تعترف باختصاص المحكمة.

وقال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، فيما يتعلق بانتهاكات أنقرة لمنطقة قبرص الاقتصادية الخالصة، أن بلاده قبرص توصيل دعوة إلى السفارة التركية في أثينا للحصول على اللجوء المتبادل، لكن هذا لم يكن ممكنًا، وقال في تصريحات صحفية:" نصرّ على حماية حقوقنا السيادية وقلنا إننا سنستخدم كل سلاح قانوني، وكل منتدى دولي، وكل منظمة دولية، لحماية الحقوق السيادية لجمهورية قبرص. والطعن أمام محكمة لاهاي ينطلق من هذا الهدف. بالطبع، قد تكون هناك صعوبات ".

 وفي الداخل الليبي، ينظر المتابعون للشأن العام الى الاتفاق التركي مع المجلس الرئاسي أنه غير شرعي ويدخل في إطار صفقة مشبوهة سعى إليها فائز السراج لضمان الحصول على دعم أردوغان بعد أن وجد نفسه معزولا إقليميا ودوليا نتيجة تخليه عن التزاماته وتعهداته واعتماده على الإرهاب في التصدي للقوات المسلحة وتورطه في ملفات الفساد، لكن اللواء ركن يونس فرحات وكيل عام وزارة الدفاع و المكلف بتسيير مهام الوزارة في الحكومة المؤقتة، زاد على ذلك بالقول أن لدى وزارة الدفاع وثائق و تسجيلات تفيد بأن السراج قد تم تجنيده من قبل المخابرات التركية منذ سنوات و كذلك مدير مكتبه السابق العقيد محمود الصيد عبدالجليل و بانه سيتم كشف الأدلة في الوقت المناسب.

وأضاف فرحات بأن الاتفاقية التي وقعها السراج مع الأتراك في مجال التعاون الأمني والبحري معدومة الأثر القانوني ومخالفة للنظم السيادة الدولية وهي تسمح باستخدام الأجواء الليبية دون أذن واختراق المياه الإقليمية والاقتصادية بشكل صارخ.

كما دعا اللواء يونس الى سرعة تحرك رئاسة البرلمان و  المستشار عقيلة صالح لحث المجتمع الدولي على سحب الاعتراف بما يعرف بالمجلس الرئاسي الذي تمادى في خرق سيادة البلاد و أمنه القومي ، وأكد أن المهمة المباشرة لكافة قوات الجيش الوطني في محاور القتال هي الوصول لقلب العاصمة طرابلس و السيطرة على مؤسسات الدولة و تأمينها و حمايتها و أن المهمة التالية حسب تراتيب التعبئة المكلفة بها من قبل القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير أركان حرب خليفة حفتر هي حماية الحدود البرية و المنافذ الجوية و المياه الإقليمية و الاقتصادية للبلاد

وكانت القيادة العامة للجيش الوطني أكدت  رفضها لمذكرتي التفاهم بشأن المناطق البحرية والتعاون الأمني والعسكري التي وقعتها حكومة الوفاق والحكومة التركية  مطالبة بتدخل مجلس الأمن ودول حوض المتوسط لمواجهة المخططات التركية وإحباطها وكبح جماحها في استعادة نفوذها المدمر بالمنطقة زمن الدولة العثمانية، وقالت في بيان لها  إنها تابعت ما يتداول حول توقيع حكومة السراج لمذكرتي تفاهم أمنية وبحرية مع الحكومة التركية، دون أن تمتلك حق توقيع الاتفاقيات بما يجعل مثل هذه الاتفاقيات والتفاهمات باطلة، لا تنتج عنها أي أثر في مواجهة الدولة الليبية.

واعتبرت القيادة  أن هذه الخطوة التي اتخذتها الحكومة التركية وحكومة السراج عدائية تهدد السلم والأمن الدوليين والملاحة البحرية، كما تؤثر بشكل مباشر على مصالح دول حوض البحر البيض المتوسط وتنافي القوانين والأعراف الدولية ومبدأ حسن الجوار ،مشيرة الى أن تركيا تحاول توسعة نفوذها بالمنطقة تحقيقا لأطماعها في السيطرة على أهم خطوط النقل البحري الذي يتحكم في التجارة الدولية وكذلك سيطرتها على منطقة جنوب أوروبا، مستغلة الموت السريري لحكومة السراج وانهيارها أمام القوات المسلحة الليبية في منطقة العمليات الغربية على تخوم العاصمة، وكذلك سيطرة المليشيات الإرهابية والإجرامية على طرابلس والمدعومة سياسيا وعسكريا من تركيا، مما جعل الدول التركية تتحكم في المشهد بطرابلس وتسخر حكومة السراج لتحقيق مطامعها بالمنطقة معتقدة أنها ستصل لتحقيق أحلامها في إعادة الاحتلال العثماني من جديد.

وترى القيادة العامة أنه بالتوقيع على مذكرتي التفاهم مع حكومة الوفاق أصبحت تركيا طرفا مباشرا مهددا لمصالح الشعب الليبي في قيام الدولة وفي أمنه واستقراره بدعمها للإرهاب والجريمة بتهريب كافة أنواع الأسلحة والتقنيات العسكرية الحديثة لصالح المجموعات الإرهابية والمليشيات المسلحة، مضيفا أن تركيا تهدد مصالح دول المنطقة من خلال محاولتها السيطرة على مقدرات ما يعرف بالمنطقة الاقتصادية بحوض البحر المتوسط الغنية بالثروات ما بعد المياه الإقليمية الليبية، بما يدخل المنطقة في صراع مصالح إقليمية لمواجهة الأطماع التركية وهو ما يهدد السلم والأمن الدوليين.

وبدوره قال المتحدث باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بليحق، إن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق المدعومة دوليا، غير قانونية وباطلة دستوريا، موضحًا أن تنفيذها يعد اعتداء على حقوق وحدود دول أخرى وانتهاك لسيادتها البحرية، وأنها ستساهم في تأجيج النزاعات وزيادة التوترات بين دول البحر المتوسط. ، وأضاف أنه وفقًا للدستور الليبي والاتفاق السياسي، لا يحق لرئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، توقيع اتفاقيات تهم مستقبل البلاد مع تركيا أو أيّ دولة أجنبية دون الرجوع إلى سلطة البرلمان وأخذ موافقته، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية باطلة وغير دستورية، وأن مجلس نواب طبرق، راسل مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن.

وينتظر أن تشهد الأيام القليلة القادمة المزيد من التصعيد في اتجاه العمل على نزع الشرعية الدولية التي يحظى بها المجلس الرئاسي استتباعا لاتفاقية الصخيرات الممضاة قبل أربع سنوات، والتي لا تقابلها أية شرعية داخلية سواء كانت دستورية وقانونية أو شعبية وسياسية، الأمر الذي سيستغلها البرلمان المنتخب في معركته للإطاحة بحكم السراج، كما سيستفيد منها الجيش الوطني في إعطاء الضوء الأخضر لنفسه لخوض المرحلة الأخيرة من معركة تحرير العاصمة التي أطلقها قبل تسعة أشهر.