ارتفعت وتيرة التجاذبات السياسية والاتهامات المتبادلة بين الأحزاب والقوى السياسية في تونس، قبل أسبوع على انتهاء المهلة الدستورية المحددة بشهرين لتشكيل الحكومة الجديدة، وسط حالة من الارتباك والتصريحات المتضاربة في هذا الشأن.

وللمرة الثالثة خلال أيام يؤجل المكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي، أمس الإثنين، الإعلان عن حكومته الجديدة، ولكنه أكد التوافق مع الرئيس التونسي قيس سعيد بشأن حقيبتي الدفاع والخارجية.

وذكر الجملي، عقب اللقاء الذي جمعه مع الرئيس التونسي في قصر قرطاج، أنه في المراحل الأخيرة من إعداد تشكيل الحكومة الجديدة، معربا عن أمله في الإعلان عنها اليوم أو غدا الثلاثاء على أقصى تقدير.

وأكد محللون وخبراء سياسيون تونسيون، أن التجاذبات السياسية وعدم التوافق بين الأحزاب، لاسيما مع حركة النهضة (الحزب الذي اختار الحبيب الجملي لتشكيل الحكومة)، كلها عوامل تقف وراء تأخر تشكيل الحكومة التي يضع التونسيون آمالا عريضة عليها لحل العديد من المشكلات التي تعاني منها البلاد.

وقال الصحفي والمحلل السياسي التونسي جمال رمضان، إن الحبيب الجملي اتجه بعد شهر ونصف من تكليفه بمهمة اختيار فريقه الحكومي، إلى تكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير متحزبة بعدما سدت التجاذبات السياسية والشروط، التي تقدمت بها بعض الأحزاب للمشاركة، آفاق التسريع في عرضها على البرلمان.

وأضاف أنه بات جليا أن السبب الرئيسي وراء طلب الجملي من رئيس الجمهورية قيس سعيد التمديد في فترة تشكيل الحكومة غياب التوافق بين حركة النهضة الحزب الحائز على أكبر مقاعد البرلمان (52 مقعدا) والأحزاب المشاركة وعلى رأسها التيار الديمقراطي (22 مقعدا) الذي اشترط تولي حقيبتين سياديتين هما الداخلية والعدل.

وأشار إلى أن رئيس الحكومة المكلف، حمل صراحة الأحزاب المشاركة بطء التقدم في تشكيل الحكومة، وألمح إلى التجاذبات داخل حزب حركة النهضة التي يحملها أغلب الملاحظين هذا التخبط وما سيترتب عليه.

وذكر أن لقاء الجملي بقيس سعيد، الذي يحظى بتأييد شعبي كبير بعد فوزه بأكثر من 70% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية، الجمعة الماضي، فتح آفاقا أمامه للتريث في اختيار أعضاء الحكومة.

وفي المقابل، أكدت الصحفية التونسية أميرة عرفاوي أن أسباب تأخر تشكيل الحكومة التونسية، يعود أولا إلى اختلاف المكونات السياسية الحالية وصعوبة اتفاقها على مبادئ مشتركة في ظل وجود الكثير من الأطياف السياسية على الساحة حاليا، وثانيا لكثرة التجاذبات السياسية وتضارب المصالح، "فكل مجموعة لديها مصالحها الخاصة وأهدافها من دخول الساحة السياسية.

وأضافت أن كل مجموعة سياسية لديها رؤية مختلفة لشكل الحكومة المستقبلية التي تساعدها على تحقيق أهدافها والتي يستحيل أن تتفق عليها كل الأطراف في ظل كثرتها.

كما أرجعت تأخر تشكيل الحكومة وتكرار تأجيل الإعلان عنها إلى عدم حنكة وخبرة الحبيب الجملي الذي يحاول تشكيلها وسط كل هذه التجاذبات الحزبية، معربة عن أملها في نجاح الجملي في تقريب وجهات النظر بين كل الأطراف التي تتمسك بشروطها دون النظر إلى صعوبة الوضع السياسي الحالي في تونس.

وحول مخاطر تأخر الإعلان عن تشكيل الحكومة، حذر الخبير التونسي في الشؤون السياسية عبد الله العبيدي، من استمرار عجز الحكومة المؤقتة عن اتخاذ قرارات حاسمة، وهو ما يعطل الأمور، موضحا أن هناك 8 وزارات تدار بالنيابة، وأن هناك العديد من الملفات التي تنتظر الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة لفتحها واتخاذ قرارات مهمة بشأنها.

ولكن العبيدي أكد أن هناك إعلانا وشيكا للحكومة ربما يكون غدا الثلاثاء وفق مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية وفريق رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي.

ومن جانبه، حذر المحلل السياسي التونسي جمال رمضان، من ارتفاع تكاليف تأخر تشكيل الحكومة، رغم ما يعتبره مراقبون أنه أمر عادي، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي المعقد في تونس يعاني من تراكم الملفات الشائكة وهو ما يتطلب تدخلا عاجلا لحلها مع تأثر التوازنات المالية للبلاد والاضطراب الحاصل في التعهدات المالية للدولة.

ونوه إلى أن ضبابية الرؤية على الصعيد المالي وتأجيل علاج بعض الملفات أو تصديرها إلى المستقبل سيدفع العديد من المستثمرين، محليين وأجانب، إلى النفور ونقل مشروعاتهم إلى بلدان أخرى أي ضياع الآلاف من فرص العمل التي قامت من أجلها ثورة 14 يناير 2011.

وتابع أن قائمة الانعكاسات السلبية لتأخر تشكيل الحكومة تشمل صعوبات ستطرح في مجال تعبئة الموارد المالية الإضافية وسد عجز الميزانية أو التقليص منه دون أن نغفل الرسائل السلبية التي ستتلقاها المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي أوقف صرف قسط ثالث من القرض الذي منحه لتونس.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن المناخ العام في تونس يتسم بارتفاع نسب البطالة لتتجاوز 15%، وارتفاع وتيرة التضخم الذي يعادل 3ر6%، وتفاقم نسبة عجز الموازنة العامة إلى حدود 5ر3% من الناتج المحلي الإجمالي.

من جانبه، أكد المحلل السياسي والصحفي التونسي أيمن العبروقي، أن الحبيب الجملي يتعرض لضغوط من داخل حركة النهضة التي كلفته، لأنه ذاهب إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وهذا لم يروق لعدد من القياديين داخل الحركة، وأصبحوا غير راضين على مفاوضات الجملي، فيما ذهب بعضهم لمطالبة الجملي بالاستقالة.

واعتبر العبروقي في تصريحات لـ"أ ش أ" أن الحبيب الجملي بين المطرقة والسندان لأنه تعهد بحكومة مستقلة ولكنه لم يجد سندا سياسيا يمكنه من المضي قدما في مشروعه، وأنه سيحتاج إلى 109 أصوات في البرلمان لكي تمرر الحكومة، وفي ظل رفض حزب التيار الوطني الديمقراطي وحركة الشعب الكتلة الديمقراطية التي تشكل أكثر من 55 نائبا، لم يعد هناك الكثير من الحلفاء لهذه الحكومة.

وتابع أن الجملي حتى يسترضي قيادات النهضة مطلوب منه تعيين بعض القياديين بالحركة في حكومته، كما أنه مطالب بإرضاء الغريم السابق والحليف الحالي حزب قلب تونس الذي يتزعمه رجل الأعمال نبيل القروي الذي يريد أيضا حكومة كفاءات مستقلة.

ولفت العبروقي إلى أن هناك العديد من الأسماء التي لا تتمتع بتوافق بين الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، لا سيما أن بعض هذه الأسماء مرتبط بشبهات فساد.

وبالنسبة للمخاطر التي يتسبب فيها تأخر تشكيل الحكومة، قال المحلل السياسي والصحفي التونسي أيمن العبروقي، إن الاقتصاد التونسي في حالة ركود وهناك تفاقم في العجز التجاري والديون، مشيرا إلى أن أزمة أقساط الديون الخارجية هي على رأس هذه المخاطر.

وأوضح أن الاقتصاد التونسي لا يتحمل هذا التعطيل وكذلك إجراء انتخابات مبكرة، لأن ذلك سيكون كارثيا على الوضع المالي للبلاد، وكذلك الاستقرار السياسي، لا سيما حصول تونس على أقساط قرض صندوق النقد الدولي الذي تنتظره تونس ولا يمكن الحصول عليه بدون حكومة تستلم زمام الأمور.

وحذر العبروقي من اللجوء إلى سيناريو حل البرلمان والانتخابات المبكرة لأن البلاد ستخسر سنة كاملة على الأقل بين التحضير للانتخابات وإجراءها وهو ما سيمثل خطورة جسيمة، معربا عن أمله في الإسراع بتشكيل الحكومة والموافقة عليها بالبرلمان والمضي قدما في العديد من الإصلاحات التي ينتظرها التونسيون بفارغ الصبر.

وكلف قيس سعيد في 15 نوفمبر الماضي، الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، إلا أنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة خلال المهلة الدستورية الأولى (شهر من تاريخ التكليف) بسبب عدم التوافق مع الأحزاب، وهو ما دفعه إلى اللجوء إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية من خارج الأحزاب.

وأعلن الجملي في 23 ديسمبر، خلال مؤتمر صحفي، إثر لقائه رئيس الجمهورية قيس سعيد، أنه قرر تكوين حكومة كفاءات وطنية من خارج الأحزاب، بما فيها حركة النهضة، وذلك بعد أن أعلنت أحزاب (الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس)، التي تقدمت المفاوضات معها بخصوص تشكيل الحكومة رسميا عدم المشاركة في حكومة الحبيب الجملي.

وفي حال فشل الجملي خلال الأسبوع المتبقي من المهلة الدستورية (شهرين من تاريخ التكليف) فإن الدستور ينص على أن الرئيس يعين رئيس حكومة آخر يكلفه بعد مشاورات جديدة مع الأحزاب لمدة شهر، وإذا فشل مجددا ستكون الدعوة لحل البرلمان وإعادة الانتخابات التشريعية هي الخيار الأخير.