منذ نهاية العام الماضي كثر الحديث محليا وخارجيا عن الدور الذي يلعبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإشارة إلى أنه يريد التحرك وحيدا في ليبيا التي يتصرف فيها اليوم وكأنها ضيعته الخلفية بناء على تحالفاته القوية مع المسؤولين في طرابلس الذين أبرم معهم اتفاقية في نوفمبر تمنحه الكثير من الصلاحيات الاقتصادية والعسكرية، وقد خلفت في ذلك ردود فعل متباينة بين رافض لها إقليميا ودوليا ومرحب بها من مجموعات الاسلام السياسي المتمركزة أساسا في طرابلس ومصراته.

وليبيا التي مزقتها الحرب الأهلية منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في عام 2011، كادت تعصف بها سنوات الاقتتال في ظل رفض الإسلاميين لخيارات الشعب الليبي الانتخابية، لولا صعود الجيش شرقا، وتشكل الحكومة الجديدة للبلاد في عام 2015 بموجب اتفاق الصخيرات الذي قادته الأمم المتحدة غربا.

 لكن الجهود من أجل تسوية سياسية طويلة الأمد منذ الصخيرات باءت بالفشل بسبب الخلافات ودخول عديد الأطراف الدولية والإقليمية خاصة من الجانب التركي الذي أصبح اليوم قوة عسكرية تشكل خطرا على السلم الأهلي وحتى على دول الجوار وكل ذلك تحت رضى أطراف إسلامية في طرابلس متحكمة في خيارات فائز السراج، الذي يبدو بدوره اليوم منصهرا تماما مع أنقرة في كل مشاريعها العسكرية والاقتصادية في بلاده.

وقالت مصادر إعلامية فرنسية استنادا إلى آراء دبلوماسيين فرنسيين سابقين، فإن الرئيس التركي لا يخفي أهدافه العسكرية والجيوسياسية وأطماعه في الطاقة في البحر المتوسط وليبيا وقبرص، البلدان المحوريان في الأهداف التركية خلال الأشهر الأخيرة. أردوغان يبدو مغترا بالتقدم الذي حققته قوات الوفاق في بعض المناطق، ومازال يرسل عبر بعض مسؤولية رسائل تهديد بمزيد التقدّم وهذا غير وارد في ظل تصريحات الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي أحمد المسماري بأن قواته مستعدة بكامل السرية لرد العدوان التركي في صورة قراره التقدم نحو محاور سرت الجفرة.

كما أن التدخلات الدولية الأخيرة دبلوماسيا بعد خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تشير إلى أن التوتر قد يتوقف ويذهب الجميع نحو خيار التسوية السياسية، خاصة أن الجيش المصري بدأ يقدّم مؤشرات عن التدخل في ليبيا لو تواصلت الاستفزازات التركية التي تعتبر تهديدا مباشرا باعتبارها داعما لأطراف الإسلام السياسي وهي مجموعات لا يمكن للقاهرة أن تتواجد على حدودها الغربية.

فالموقف الأمريكي الذي بقي في موقع المشاهد لفترات طويلة، بدأ يدخل على خط المفاوضات سواء عبر اللقاءات مع قادة من الوفاق آخرها في زوارة، سواء عبر التواصل مع القاهرة من أجل تجنيب المنطقة أي تصعيد جديد، لكن ذلك يبقى رهين الاجراءات التركية بمراجعة تصرفها في ليبيا والتي تمثل استفزازا حقيقيا للعديد من الأطراف محليا ودوليا، آخرها الخلاف مع فرنسا الذي بلغ درجة مضايقة قطعة بحرية في البحر المتوسط.

كما أن الأوروبيين يجدون أنفسهم اليوم مجبرين على الوقوف في وجه التدخلات التركية باعتبارها ستكون متضررة من تواجد خصم متوسطي لها في ليبيا، سواء في علاقة بملف الهجرة الذي يبقى أكبر كابوس للأوروبيين، أو في علاقة بالملاحة البحرية والحركة في المتوسط التي تتخوف أوروبا من أن يحرمها من عديد الامتيازات الاقتصادية التي تحلم بتحقيقها منذ الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي.

دول الجوار الغربي بدورها غير مطمئنة على الممارسات التركية، فالتصريحات الجزائرية تقول إنها ترفض أي تدخل مباشر في ليبيا لأن ذلك يهدد أمنها القومي، والتصريحات التونسية لخصها الرئيس قيس سعيّد في باريس الذي أعلن صراحة عدم رضاه على سلطة طرابلس مما خلف له ردود عنيفة من إسلاميي بلاده بالإضافة إلى إخوان ليبيا الذين اعتبروها تصريحات عدائية تسحب منهم "الشرعية" التي كانوا يعتقدون أنها مضمونة لها في تونس.