تشهد ليبيا تطورات متسارعة يعتبرها البعض مؤشرا ايجابيا على امكانية الوصول الى توافق بين الفرقاء يفضي الى انهاء سنوات من الصراع والنقسامات في البلاد.لكن هذه التطورات يبدو أنها تثير مخاوف النظام التركي من فقدان نفوذه في الساحة الليبية التي باتت يعتبرها هامة جدا في اطار مخططاته التوسعية في المنطقة.

لا شك أن اعلان عودة انتاج النفط في ليبيا بعد اتفاق بين القيادة العامة للجيش الوطني الليبي ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق،مثل خطوة جديدة مفاجئة ولكنها ايجابية في سياق البحث عن توافق ليبي شامل،واعتبرها كثيرون بداية الطريق نحو الوصول الى تسوية سياسية من شأنها انهاء الأزمة المستعصية.

وفي هذا السياق،اعتبر أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية  مصطفى الزايدي أن اتفاق فتح الموانئ النفطية خطوة إيجابية كونه اتفاقا تم بين الليبين أنفسهم دون تدخل خارجي،ووصف في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، الاتفاق بأنه "مبشر أي كان حجم تأثيره"،وأضاف أنه "يبشر ان الليبيين إذا قرروا الجلوس والتوافق سيتوافقون".

لكن هذا الاتفاق الذي قوبل بترحيب محلي ودولي، أثار مخاوف تركيا التي تحرك حلفاؤها في ليبيا لرفض الاتفاق ومحاولة اجهاضه.وجاءت هذه التحركات عبر جماعة "الاخوان" الحليف الأبرز لنظام أردوغان، حيث أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا،الاخواني خالد المشري عن رفضه المطلق للاتّفاق،الذي وصفه بأنه "مخالف للمبادئ الحاكمة بالاتفاق السياسي والقوانين المعمول بها"، وفق تعبيره.

وحول تحركات الاخوان لاجهاض الاتفاق،قال مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي اللواء خالد المحجوب، السبت، إن القيادي الإخواني خالد المشري والميليشيات، يضغطون على العضو في المجلس الرئاسي أحمد معيتيق للتراجع عن الاتفاقية التي تم إبرامها لاستئناف إنتاج وتصدير النفط.وأضاف المحجوب في لقاء تلفزيوني، أن "الميليشيات والأصوات التي ترتهن لأطراف أجنبية لم ترض ببنود اتفاق استئناف إنتاج وتصدير النفط، وتسعى لعرقلته، لأنها لم تكن على هواها هي والدول التي تدعمها مثل تركيا وغيرها"، على حد تعبيره.

وبين أن "المؤسسة الوطنية للنفط أصبحت تحت سلطة تيار الإخوان، الذي يستخدمها لأغراض سياسية ضمن محاولاته الوصول للسلطة".مؤكدا إن "تنظيم الإخوان وبعض الميليشيات والتنظيمات الإرهابية ترفض وضع رقابة على أموال النفط، لأن ذلك يعيق تمويلها للعمليات الإرهابية المشبوهة التي تنفذها".

وأكد المحجوب أن "الميليشيات تحاول منع أحمد المعيتيق من تنفيذ اتفاق النفط، وهو ووطنيون آخرون من أعضاء المجلس الرئاسي في طرابلس ومصراتة يتواصلون معنا لحل الأزمة".مضيفا أن "خالد المشري يضغط على معيتيق للتراجع عن الاتفاقية، وهو نفس الموقف الذي أعلنه محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، المتهم بالتصرف في العائدات لتمويل تنظيم الإخوان ولدعم تركيا".

ويشير مراقبون الى أن التحركات الاخوانية لاجهاض اتفاق النفط تأتي خدمة للأجندات التركية الساعية لنهب ثروات البلاد،وه ما ذهب اليه المحلل السياسي محمد صالح العبيدي،الذي أكد أن "التصريحات الأخيرة لقيادات الإخوان في ليبيا أظهرت حرصا على ضمان المصالح التركية أكثر من حرصها على ضمان الاستقرار في الداخل الليبي وتقاسم الثروات بشكل عادل بين مكونات الشعب الليبي".

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن العبيدي قوله أن "إخوان ليبيا يعيشون حالة إرباك بسبب قرار الجيش الليبي استئناف إنتاج وتصدير النفط، معتبرا أنهم يخشون من أن يتم إقصاؤهم أو تحجيم دورهم في مرحلة ما بعد السراج لذلك يعملون على توظيف نقاط القوة لديهم وعلى فرض شروطهم للبقاء في صدارة المشهد السياسي في ليبيا".

وبدا حرص جماعة "الاخوان" على المصالح التركية في ليبيا أكثر وضوحا من خلال تصريحات رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان،الذي عبر عن رفضه الاتفاق الذي تم بموجبه استئناف إنتاج وتصدير النفط، مطالبا "بضرورة الحفاظ في أي تسوية سياسية ليبية على مصالح الدول الشريكة في المجال الجيوسياسي" في إشارة إلى تركيا.

وهاجم صوان في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك"، نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، واتهمه بأنه يبحث عن طموحات فردية ويعقد اتفاقات مشبوهة، قائلا إن "ما جرى اليومين الماضيين من ترتيبات للإعلان عن تسوية وتمرير اتفاقات مشبوهة، تحمل في طيّاتها طموحات فردية، وتجاوزاً للشرعية وللجهات المسؤولة، هي مغامرة غير مدروسة، تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات النجاح" على حد زعمه.

تحركات "الاخوان" في ليبيا تتزامن مع أخرى بدأتها أنقرة على وقع التطورات السياسية التي تشهدها ليبيا وعلى رأسها اعلان رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج رغبته في التنحي،والذي يبدو أنه أثار مخاوف النظام التركي من امكانية انهيار الاتفاقيات التي وقعها مع حكومة السراج في وقت سابق.

مخاوف كشف عنها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين،الذي أكد إن الدعم التركي لحكومة الوفاق والاتفاقات الثنائية بين البلدين، التي تتضمن معاهدة أمنية جرى توقيعها العام الماضي، ستستمر بحسب رويترز.وأضاف أن مسؤولين أتراكا قد يتوجهون إلى طرابلس "خلال الأيام المقبلة" لمناقشة التطورات.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان،أبدى انزعاجه من توجه رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج لتقديم استقالته خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل،وقال أردوغان، إنّ "تركيا مستاءة من استقالة السراج من منصبه" معتبرا أنّ قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر "سيُهزم عاجلا أم آجلا"، على حد زعمه.

وأثارت هذه التصريحات تساؤلات حول أسباب انزعاج النظام التركي من تنحي السراج،وذهب مراقبون الى اعتبار الأمر دليلا جديدا على مساعي أنقرة لاستمرار حكومة السراج في عملها كأداة لتحقيق الأطماع التركية في ليبيا.ويؤشر حديث أردوغان عن هزم الجيش الليبي الى نواياه لاشعال فتيل الحرب مجددا بما يسمح له ولحلفائه بالاستمرار في السلطة في طرابلس.

وأعلنت حكومة الوفاق، وقفًا لإطلاق النار الشهر الماضي،ومثّل هذا الاعلان مبعث أمل حول إمكانية الذهاب نحو الحل السلمي والوصول الى تسوية سياسية في البلاد،لكن وبالرغم من ذلك لم تنجح الانتقادات الدولية في كبح جماح التدخلات التركية السافرة والتي تمثل حجر عثرة أمام امكانية ارساء توافق سياسي شامل بين المتحاربين وانهاء سنوات من الفوضى الأمنية.

ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وامدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وألقى هذا الدعم الكبير الضوء على نوايا تركيا المشبوهة،والتي تتوضح من خلال استعدادها لفعل أي شيء؛ من أجل عدم خسارة الساحة الليبية.