في إطار تواصل التدخلات الأجنبية في ليبيا،تحت ذريعة الدفع بالحل السياسي في البلاد،تتحرك تركيا في مساعي متواصلة لإعادة التموضع في الساحة الليبية، بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.

ومن بوابة التعاون مع حكومة الوفاق الليبية،تتسارع التحركات التركية مؤخرا  لتوسيع منافذها الاقتصادية في طرابلس،التي تستهدف بالأساس تنشيط دورها في ليبيا،والانخراط في التحركات الإقليمية والدولية المكثفة في تجاه الأزمة الليبية بما يعزز مصالحها ونفوذها.

تعاون إقتصادي

إلى ذلك،أجرى رئيس المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، الجمعة 09 نوفمبر 2018، مباحثات  مع الرئيس التركي رجب طيب إوردغان في إسطنبول.وحضر الاجتماع وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ومحافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير، والمستشار السياسي للرئيس طاهر السني، ووكيل وزارة الصحة محمد هيثم وسفير ليبيا لدى تركيا عبد الرزاق مختار وعدد من كبار مسؤولي الدولة التركية.

وبحث الاجتماع سبل تنمية وتطوير العلاقات الثنائية، وتطرقت المحادثات بشكل خاص إلى التعاون الاقتصادي بين البلدين وآليات تطوير هذا التعاون. كما تناول اللقاء ملف الشركات التركية واجراءات عودتها لاستئناف اعمالها في ليبيا، حيث أكد السراج على أهمية عودة تلك الشركات للمساعدة في تنشيط الاقتصاد وإعادة الإعمار في ليبيا.

من جهته،جدد الرئيس التركي رجب طيب أوردغان، دعم بلاده للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، مشيداً بما يبذله الرئيس السراج من جهود لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا.وأكد اوردغان على استعداد تركيا للمساهمة في مجالات الإستثمار والتنمية وبرامج إعادة الإعمار في ليبيا وتقديم ما يطلب منها في هذا الجانب.

يشار إلى أن القطاعات الاقتصادية في ليبيا،تضررت خلال السنوات الماضية نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في ظل الصراعات والحروب التي أحدثها الأنتشار الكبير للميليشيات والسلاح، وأدت إلى خروج غالبية الاستثمارات الأجنبية في البلاد فضلا عن تضرر استثمارات الشركات الأجنبية بما فيها التركية.

وفي فبراير الماضي،أعلن وزير الخارجية بالحكومة الليبية محمد سيالة خلال مؤتمر التنمية والاستثمار الليبي التركي، الذي احتضنته مدينة إسطنبول،عن تشكيل لجنة مشتركة بين ليبيا وتركيا للتعاون الاقتصادي والاستثمار بين البلدين.وأوضح سيالة أن اللجنة ستقوم بدراسة وضع الشركات التركية العاملة في ليبيا، مبينا أن مستوى العلاقات السياسية بين البلدين أتاح الفرصة أمام الشركات التركية للمساهمة في تنفيذ المشاريع في ليبيا وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستساهم في دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.

وتنفذ تركيا العديد من المشروعات في ليبيا لا سيما في مجال الكهرباء، إذ تتعدى قيمة المشاريع في القطاع 3 مليارات دينار ليبي (نحو 2.25 مليار دولار أمريكي)، بحسب ما صرح به في وقت سابق رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء في ليبيا المهندس عبد المجيد حمزة.

وتسعى تركيا لاستحواذ على أكبر مقدار ممكن من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، بما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد التركي الذي يُعاني منذ العام 2016، وذلك من خلال الدفع بشركات المقاولات التركية للعمل في ليبيا، فضلاً عن تعويض الخسائر الاقتصادية التي تعرّضت لها تركيا في ليبيا بعد العام 2011،سواء لتدهور الأوضاع الأمنية أو لقرار حكومة الشرق الليبي بإيقاف التعامل مع الشركات التركية بسبب دعم تركيا للإسلاميين في الغرب.

تعاون في قطاع الصحة

وعلى هامش زيارة السراج لتركيا،وقعت ليبيا وتركيا اتفاقية للتعاون في الجانب الصحي للتعاون بين الجانبين ومراجعة الديون المستحقة على الدولة الليبية.وبحسب المكتب الإعلامي لوزارة الصحة بحكومة الوفاق،فقد جرى في مدينة إسطنبول التركية؛ التوقيع على اتفاقية تعاون بين وزارة الصحة الليبية ونظيرتها التركية.

وقال وزير الصحة المكلف محمد هيثم،"إن الاتفاقية نصت على تحقيق تعاونٍ في أعلى مستوياته بين الوزارتين"، كما نصت على مراجعة الديون المستحقة على الدولة الليبية جزاء علاج المرضى "مراجعةً دقيقة" تمهيداً لسداد الالتزامات المتعلقة بملف العلاج وبشكل تدريجي.

وبين هيثم أن اجتماعًا عقد على هامش توقيع الاتفاقية تم خلاله الاتفاق على تنفيذ برامج تدريبية لعناصر طبية ليبية بناء على مقترحات تقدمها وزارة الصحة الليبية؛ على أن يستكمل الاتفاق في صورته النهائية في زيارات لاحقة يتم الاتفاق عليها فيما بعد.

وتضررت الخدمات الصحية في ليبيا بدرجة كبيرة بسبب الصراع المستمر منذ سنوات،حيث تعاني المستشفيات الليبية، من نقص حاد في الأطقم الطبية، والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو لكونها تقع في مناطق تشهد معارك مسلحة بين أطراف الصراع الليبي.

ودفع ضعف الخدمات الصحية بالليبيين للسفر إلى دول أخرى لتلقي العلاج والرعاية الصحية التي يستحقونها وهو ما رفع ديون ليبيا إلى مئات الملايين من الدّولارات لدى هذه الدول التي باتت تطالب بمستحقاتها على غرار تركيا.وكان عدد من ممثلي كبرى المستشفيات التركية،قد طالبوا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بتسديد الديون المترتبة على الدولة الليبية، في زيارة قاموا بها،الثلاثاء 16 يناير 2018،لمقر المجلس الرئاسي بطرابلس.

تعاون أمني

وتأتي زيارة السراج لتركيا بعد أيام قليلة من زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار،للعاصمة الليبية طرابلس،حيث ناقش مع مسؤولين ليبيين التعاون بالمجالات الدفاعية والعسكرية بين البلدين، إضافة إلى قضايا الأمن الإقليمي.

وأفاد بيان صادر عن المكتب الإعلامي للسراج، أن الأخير بحث مع وزير الدفاع التركي التعاون العسكري بين البلدين، وبالأخص التعاون في بناء القدرات الدفاعية والأمنية الليبية، من خلال برامج التدريب والتأهيل والتجهيز، وتفعيل الاتفاقات المبرمة بين البلدين في هذا الشأن.

وحضر اللقاء من الجانب الليبي وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة، ووكيل وزارة الدفاع اوحيدة نجم، ورئيس الأركان العامة اللواء عبد الرحمن الطويل، وسفير ليبيا لدى تركيا عبد الرزاق مختار، وعدد من مسؤولي وزارة الخارجية.

وتناول الاجتماع وفق البيان العلاقات الثنائية بين البلدين في إطار روابط الأخوة والصداقة الوثيقة بينهما وبحث عدد من المواضيع المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وآلية التنسيق بين وزارتي الدفاع في البلدين وعملية توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.وأكد السراج أن عملية توحيد المؤسسة العسكرية بمختلف مكوناتها، تحتاج إرادة سياسية موحدة، وتعتمد على نجاح المسار السياسي.

كما جدد وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا رغبة وزارته في توطيد العلاقات الثنائية مع تركيا خاصة فيما يخص الجانب الأمني، خلال لقائه وزير الدفاع التركي والوفد المرافق له، وبحضور السفير التركي لدى ليبيا أحمد دوغان.

وقال باشاغا، بحسب بيان للوزارة، نحن نسعى إلى تعاون مشترك بيننا في كافة المجالات وخاصة الأمنية ومن الضروري وضع خطة عمل مشتركة وتشكيل لجان أمنية ليبية تركية مشتركة.ودعا باشاغا الجانب التركي إلى ضرورة الاهتمام بمجال التدريب وتبادل الخبرات وتطوير التنمية البشرية لكافة منتسبي وزارة الداخلية.

من جانبه أبدى الوزير التركي رغبة بلاده في التعاون الأمني مع وزارة الداخلية باعتبارها حقيبة سيادية ضمن حكومة الوفاق الوطني.وأكد الوفد التركي استعداده للوقوف إلى جانب ليبيا، وتكثيف اللقاءات والتعاون بين البلدين، إلى أن تصل ليبيا إلى مرحلة الأمن والاستقرار.وأشار الوفد إلى أن تركيا قادرة على المساعدة في حل بعض المشاكل التي تعاني منها ليبيا في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

يشار إلى أن تركيا أعادت فى أواخر يناير 2017،فتح سفارتها في العاصمة الليبية، بعدما أغلقتها لأكثر من ثلاثة أعوام إثر تردي الوضع الأمني في البلاد.وإعتبرت وزارة الخارجية التركية  أن "إعادة فتح السفارة سيسمح لتركيا بالإسهام بشكل أقوى في جهود بناء السلام والاستقرار" في ليبيا..

ويرى مراقبون،أن الخطوات التركية تأتي في إطار ثوابتها السياسة القائمة على دعم حلفائها من الإسلاميين في الغرب الليبي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي تلقى دعمًا من التيار الإسلامي في ليبيا ومعارضة من قبل قوى الشرق الليبي، فضلا عن رغبة أنقرة في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية بما يضمن نفوذها ومصالحها في ليبيا، والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.