أعلنت جماعة الإخوان المسلمين الليبية أوائل هذا الشهر انتقالها لتصبح جمعية تسمى "الإحياء والتجديد" في خطوة أثارت ردود فعل كثيرة حول محاولات التنظيم للمناورة والالتفاف على المشهد المتأزم الذي يحيط بقواعده وكوادره بالداخل الليبي، وهو مالا ينفصل عن المتغيرات الجارية بالأوضاع الإقليمية. 

وتراجعت شعبية "الإخوان المسلمين" كثيرًا في الشارع الليبي خلال السنوات الماضية، وليس أدل على ذلك من نتائج الجماعة في الانتخابات البرلمانية عام 2014، حيث حصد التياران المدني والليبرالي أغلبية المقاعد، فيما حصد "الإخوان" أقل من 30 مقعدًا من أصل 200، فيما بدا أنه عقاب شعبي للإسلاميين الذين فشلوا في إيصال البلاد إلى بر الأمان، بعدما تصدّروا المشهد عقب الإطاحة بحكم القذافي عام 2011.

ونال "الإخوان" هزيمة أخرى مؤخرًا، حيث فشل مُرشحها، وزير داخلية حكومة الوفاق، "فتحي باشاغا" في الفوز بقيادة السلطة التنفيذية الجديدة بالبلاد خلال عملية التصويت التي أُجريت في ملتقى الحوار السياسي، في فبراير الماضي (2021). 

على جانب آخر، ضرب الشقاق أوصال الجماعة وانفرط عقدها. ففي يناير 2019، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا  -حينئذ- "خالد المشري" استقالته وانسحابه من جماعة الإخوان المسلمين "انطلاقًا من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب الصدع بالقناعة، والوضوح مع المواطن الليبي".

في ذات الصدد، لا يمكن الجزم بما وراء قرار إخوان ليبيا تحولهم إلى جمعية تحمل اسم "الإحياء والتجديد" وهل هو نتاج مراجعات حقيقية أعلنت الجماعة سابقًا أنها تُجريها منذ عام 2013، أم أنه مناورة من الجماعة لإعادة إنتاج نفسها؟ فبيان "الجماعة" يحمل العديد من علامات الاستفهام، ويطرح تساؤلات أكثر ممّا يُجيب عنها.

وتقول جمعية "الإحياء والتجديد" إنها "ستؤدي رسالتها في المجتمع الليبي من خلال عملها الدؤوب في شتى مجالات العمل العام "هل تشمل مجالات العمل العام، المجال السياسي؟ إذا كانت تشمله، فما الفارق بين "الجماعة" إذًا و"الجمعية"؟ كيف ستكون العلاقة بين حزب "العدالة والبناء" الذي يعتبر ذراع إخوان ليبيا السياسي، والجمعية الجديدة؟ الحزب لم يُعلِّق على قرار الجماعة ويمارس أنشطته بشكل اعتيادي.

تسود وجهة نظر مفادها أن الغرض من تغيير الاسم، هو نفض عباءة جماعة "الإخوان" المعروفة بارتباطاتها الخارجية، ومحاولة التموضع داخليًا. يدعم ذلك تصريحات للعضو السابق بالجماعة، وعضو حزب "العدالة والبناء" عبد الرزاق سرقن، حيث قال إن "الجماعة رأت أن يكون عملها داخل ليبيا فقط، لهذا انتقلت إلى جمعية الإحياء والتجديد. هكذا أصبحت الجماعة لا تتبع أي جهة خارج ليبيا، ولا تتبع جماعة الإخوان المسلمين عالميًا، وإنما صارت جمعية تعمل داخل الوطن فقط".

وأشار بيان الجماعة إلى أن "مراعاة متغيرات الواقع أمر تقتضيه الحكمة ويفرضه منطق العقل"، وأن الجماعة "تتعامل مع كل مرحلة بما تستحقها من مطالب الاجتهاد وواجبات التغيير".

وتحدث البيان عن محاولات لإقصاء الجماعة عن المجتمع الليبي، مشيرا إلى انتظام أعضاء الجماعة في جولات من الحوار شملت ورش عمل وندوات ومؤتمرات، بحسب نص البيان.

وخلص البيان إلى أن الجماعة "انتقلت إلى جمعية تحمل اسم الإحياء والتجديد"، وستعمل على "ضمان فهم عميق للواقع واستشراف بصير للمستقبل".

وأكد عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، أن سبب تغيير الاسم، هو التحضير لما أسماه بـ "انتخابات انتهازية" مشيراً إلى أن الإخوان يتحولون إلى "جمعية" وينسون ما ادعوه وأطلقوا عليه بـ "سنين الكفاح" لفرض اسم "الجماعة" متسائلا: "هو سعي لإحياء الخلافة، أم قتال من أجل الرئاسة؟"

ويؤكد خبراء في الشؤون القانونية أن الجماعة تستهدف تحصين موقفها القانوني عبر تحولها لجمعية مُرخصة من وزارة الثقافة الليبية، وهو ما سيعيق ملاحقتها كجماعة غير قانونية تمارس أنشطة غير مرخصة، وسيقيد دورها ككيان يعمل بهياكل وأطر سرية مشبوهة. بالإضافة للاستفادة التي ستجنيها من التمويل الحكومي لمنظمات المجتمع المدني العاملة بأنشطة توعوية-دعوية، وإمكانية إعادة تنظيم تدفق التبرعات والتمويلات المتدفقة إليها وفقًا للقوانين الليبية. أضف إلى ذلك فرصة تحصلها على تمويلات كبرى من تلك المخصصات التي رصدتها الولايات المتحدة، وفقًا لقانون دعم استقرار ليبيا، والتي بلغت (23) مليون دولار أمريكي بالعام الجاري 2021.

من ذلك، يرى مراقبون أن جماعة الإخوان المسلمين الليبية تتجه لتفعيل تكتيك للمناورة داومت عليه لتجاوز إخفاقاتها، ولا تتجاوز خطوة التحول لجمعية "الإحياء والتجديد" كونها تغييرًا للاسم والشعار، وهو ما أكد عليه قيادات الإخوان الذين ظهروا إعلاميًا للترويج للجمعية الجديدة، وتصريحاتهم بأن منهج الإخوان المسلمين سيكون هو الناظم الرئيسي ومنهجية العمل المحركة للكيان الجديد.